«الراي» ترصد وتُحلل أصداء وتداعيات المواجهة الشرسة بين «النسر الأميركي» و«التنّين الصيني»
مستقبل الهواتف الذكية يحتاج ... «هواوي»
- مستخدمو أجهزة «هواوي» ليسوا قلقين من فقدان نظام «أندرويد»... بل غير مستعدين للتخلي عن مزايا تلك الأجهزة
- «هواوي» صدّرت خلال العام 2018 أكثر من 200 مليون هاتف ذكي إلى جميع أنحاء العالم
- في يوليو 2018 تخطت «هواوي» مبيعات شركة «أبل» الأميركية من الهواتف الذكية
- صادرات «هواوي» حقّقت في بداية 2019 قفزة عملاقة بلغت نسبتها 50.3 في المئة
- «هواوي» تواصل الاحتفاظ بحصتها السوقية العالمية البالغة 17 في المئة
تفاعلت على مدار الأسبوعين الفائتين موجات من التساؤلات المشروعة والنقاشات المشوبة ببعض القلق، وذلك بعد أن أعلنت شركة غوغل بتاريخ 15 مايو المنصرم أنها قد قررت سحب (ثم لاحقاً التراجع إلى «تقييد») تراخيص استخدام نظام التشغيل «أندرويد» من شركة «هواوي» الصينية.
وأوضحت الشركة الأميركية العملاقة أنها اضطرت إلى ذلك امتثالاً لأمر حكومي أصدره «مكتب الصناعة والأمن» التابع لوزارة التجارة الأميركية، وذلك في إطار قائمة عقوبات تشمل كيانات أخرى تزعم الولايات المتحدة أنها تضر بالمصالح وبالأمن القومي الأميركيين، وهي القائمة التي تحظر على الشركات الأميركية التعامل مع الكيانات المستهدفة بالعقوبات.
لكن مراقبين عالميين – بمن فيهم أميركيون وبريطانيون – رأوا أن تلك الخطوة المباغتة من الجانب الأميركي جاءت بلا إنذار مسبق وعلى نحو يوحي بأنها تنطوي على نوع من «الغدر» الذي تم تدبيره بليل انطلاقاً من دوافع سياسية انتقامية بحتة لم تحترم أصول المنافسة والتعاقدات التجارية.
وأيا يكن توصيف الحال، فإننا في هذه المواجهة أمام جولة نزال جديدة في إطار الصراع الشرس الدائر منذ عقود بين «التنين الصيني» (ممثلا بالعملاق هواوي) و«النسر الأميركي» (ممثلا بعملاق تكنولوجيا آخر هو شركة غوغل).
في هذا التقرير التحليلي نسلط الضوء على أبعاد وطبيعة تلك المواجهة التي تنتمي إلى فئة العيار الثقيل.
رد فعل «هواوي»
إزاء القرار الأميركي - الذي رآه كثيرون مُسيّساً ولا تحركه سوى نزعة الحرب الاقتصادية - بادرت «هواوي» من جانبها إلى تجديد نفيها القاطع للمزاعم والاتهامات الأميركية جملة وتفصيلاً، مؤكدة في الوقت ذاته على أنها قادرة على مواصلة تقديم خدماتها ومنتجاتها التنافسية إلى مئات الملايين من مستخدمي أجهزتها حول العالم، حتى إذا اقتضى الأمر بطرحها لنظام تشغيل بديل خاص بها ليغنيها عن أندرويد ويوفر تطبيقات وخصائص وخدمات لا تقل عنه جودة وسرعة وجاذبية.
وما بين هذا وذاك، لنا كمراقبين ومتابعين أن نطرح التساؤل المنطقي التالي:
هل الاتهامات والمزاعم الأميركية الموجهة إلى الشركة الصينية صحيحة، أم أن الأمر تحركه فعلاً حرب اقتصادية غير معلنة ليس لها هدف سوى كبح الانطلاقة القوية التي حققها تنين الاتصالات «هواوي» على مستوى العالم خلال سنوات قليلة ونجح في الوصول إلى مركز متقدم إلى درجة أنه بات يهدد عرش عمالقة أميركيين من أمثال «أبل»؟
الواقع أن الأرقام والحقائق الرسمية التالية ترجح كفة الاحتمال الثاني:
* خلال العام 2018، صدّرت «هواوي» أكثر من 200 مليون هاتف ذكي إلى جميع أنحاء العالم، مقارنة بـ3 ملايين فقط في العام 2010. وهذا يعني أن حجم مبيعات أجهزة هواتف «هواوي» الذكية عالمياً تضاعف بنسبة 700 في المئة تقريبا في غضون 8 سنوات. ومن المتوقع أن يكون ذلك الرقم قد ارتفع إلى 250 مليون حتى نهاية الربع الأول من العام 2019.
* في يوليو 2018، تخطّت «هواوي» مبيعات شركة «أبل» الأميركية من الهواتف الذكية، كما تفوقت على مبيعات سامسونغ الكورية في عدد من أكبر الأسواق حول العالم.
* خلال الربع الأول من العام 2019، حققت شحنات صادرات أجهزة ومنتجات «هواوي» قفزة عملاقة بلغت نسبتها 50.3 في المئة.
* على الرغم من استمرار تراجع أرقام مبيعات الهواتف الذكية على مستوى العالم على مدار السنوات القليلة المنصرمة، تمكنت «هواوي» من الاحتفاظ بحصتها السوقية العالمية البالغة 17 في المئة، وهو الأمر الذي أكدته تقارير أعدتها كيانات متخصصة في احصائيات الأجهزة الذكية.
وعلى غرار «وشهد شاهد من أهلها»، سبق أن كتب خبير تحليل تكنولوجيا المعلومات الأميركي الشهير ريان ريث ما يلي: «إن النمو المستمر الذي تحققه شركة «هواوي» هو أمر أقل ما يوصف به هو أنه مثير للإعجاب، وكذلك قدرتها المذهلة على الانتشار سريعاً في أسواق كانت غير معروفة فيها حتى عهد قريب... وفي معظم الأسواق حول العالم، باتت «هواوي» لاعباً أساسيا في أي منافسة على مبيعات الأجهزة الذكية... وليس من المرجح لهذا الوضع أن يتغير على المدى القصير».
تساؤلات ومخاوف مشروعة
لكن الموضوعية تقتضي القول هنا إن تلك الأرقام القوية والمكانة المتقدمة التي باتت تحتلها «هواوي» لا تكفيان بالضرورة لتوفير طمأنينة كاملة لمستخدمي أجهزة وخدمات تلك الشركة على مستقبل أجهزتهم. بل إنه يحق لهم أن يطرحوا التساؤلات المشروعة التالية بعد قرار شركة غوغل المباغت الأخير:
* إلى أي مدى ستفقد أجهزتنا الذكية القدرة على الوصول إلى نظام التشغيل أندرويد وإلى متجر التطبيقات Google Play ؟
* هل ستُحرم أجهزتنا تماماً من إمكانية استخدام باقة تطبيقات غوغل التي من بينها: غوغل كروم، والبحث، وتطبيق خرائط غوغل، ويوتيوب، وغوغل درايف، ومستندات غوغل (Google Docs) إلى جانب التطبيقات الترفيهية والتثقيفية بما في ذلك: تطبيق Play Music الخاص بالموسيقى والأغاني، وتطبيق Play Books الخاص بالكتب، وتطبيق Play Movies الخاص بالأفلام؟
* هل ستتمكن «هواوي» من التوصل قريباً إلى تسوية مع الجانب الأميركي تؤدي إلى إنهاء الأمر، أم أن الشركة الصينية ستقلب الطاولة على «المتآمرين» عليها وترد بمفاجأة من العيار الثقيل قوامها أنها قد طورت نظام تشغيل خاصا بها وأنها ستستعيض به نهائياً عن أندرويد ؟
ومن الإنصاف أيضا أن نفسر قلق مستخدمي أجهزة «هواوي» حول العالم باعتباره يؤكد القيمة العالية التي تمثلها تلك الأجهزة في أنفسهم. فهناك خبراء ومتابعون في هذا المجال يرون أن قلق أولئك المستخدمين لا يعبر عن خشيتهم من فقدان مزايا نظام التشغيل أندرويد بقدر ما يعبر عن عدم استعدادهم نفسياً للتخلي عن تلك الأجهزة التي يرون أنها تمنحهم مزايا وخصائص فائقة بأسعار معقولة جدا مقارنة بعلامات تجارية عالمية أخرى. كما يرى أولئك الخبراء أنه: لو كان الأمر مقتصراً فقط على خشية فقدان المميزات التي يوفرها نظام التشغيل الأميركي، لرأينا مستخدمي أجهزة «هواوي» يبحثون حالياً عن هواتف ذكية بديلة عوضاً عن إهدار وقتهم وجهدهم في عناء التناقش والتساؤل عما ستسفر عنه جولة الصراع الراهنة بين «التنين الصيني» و«النسر الأميركي».
الريادة العالمية
صحيح أن سحب تراخيص نظام التشغيل الذي تملكه غوغل قد يتسبب في إحدث إرباك موقت للأجهزة التي تنتجها «هواوي» إلى أن يتم تسوية الأزمة أو أن توفر الشركة بديلاً مناسباً. لكن في المقابل هناك حقيقة مؤكدة يتفق عليها ذوو الخبرة والاطلاع، وهي أن مستقبل تصنيع وتطوير الهواتف الذكية على مستوى العالم يحتاج إلى «هواوي» أكثر من احتياجها هي إلى التطبيقات البرمجية الأميركية بما في ذلك نظام التشغيل «أندرويد».
ومن بين الأمور التي تعزز ذلك أن هناك حالياً إجماع بين الخبراء في مجال تقييم أداء ومواصفات الهواتف الذكية على أنه لا يمكن إنكار أن «هواوي» قد نجحت في غضون السنوات القليلة الفائتة في إنتاج وطرح عدد من أجهزة الهواتف الذكية الرائعة إلى درجة مذهلة حقاً. وعلى سبيل المثال، هناك أحدث طراز من جهاز P30 Pro الذي يحوي كاميرا فائقة الدقة إلى درجة أنه يمكن القول إنها عبارة عن تليسكوب الكتروني تستطيع أن ترى من خلاله تفاصيل تضاريس سطح القمر. وقبل ذلك الطراز، كانت الشركة قد أطلقت سلسلة هواتف P20 Pro المتطورة المزودة بتقنية الذكاء الاصطناعي (AI)، وهي السلسلة التي طورتها «هواوي» بالتعاون مع شركة Leica الألمانية المتخصصة في إنتاج الكاميرات والعدسات والبصريات عموماً.
بل إن «هواوي» كانت هي الرائدة عالمياً في استحداث تقنية الإعدادات المتطورة متعددة العدسات (USP) في كاميرات الهواتف، وهي التقنية التي أصبحت تحظى بإقبال كبير حالياً من جانب جميع شركات تصنيع أجهزة الهواتف الذكية حول العالم.
لكن إنجازات «هواوي» البارزة لم تتوقف عند ذلك الحد، فلقد حققت الشركة خطوات تقدمية وتطويرية عملاقة على صعيد تكنولوجيا شبكات الجيل الخامس (5G) في مجال الاتصالات. بل يقال إنها قد أصبحت الشركة الأفضل جهوزية واستعداداً على مستوى العالم لتدشين حقبة جديدة كلياً من حقب الاتصالات المتنقلة.
يضاف إلى ذلك أن محللي أجهزة اتصالات متنقلة كانوا قد توقعوا في بدايات العام الجاري أن «هواوي» ستبقى متقدمة على شركة «أبل» حتى نهاية عام 2019، وأن الفضل في ذلك يعود إلى كثرة وسرعة وتيرة الابتكارات التي تستحدثها وتطرحها في الأسواق العالمية.
والسؤال الآن هو: هل ستتغير توقعات أولئك المحللين في ضوء الخطوة الانقلابية الأخيرة التي أقدمت عليها أميركا (من خلال غوغل) إزاء «هواوي» ؟
الهيمنة ستبقى لـ «هواوي» في أضخم سوقين
الإجابة عن هذا السؤال المطروح آنفا تتمثل ببساطة في أنه حتى إذا نجح الحظر الأميركي في التأثير سلبياً على مبيعات هواوي، فإنه ليس من المتوقع لمثل ذلك التأثير أن يكون مدمراً، وذلك لأن الشركة ستبقى في كل الأحوال محتفظة بهيمنتها شبه الكاملة على سوقها المحلية في الصين إلى جانب السوق الهندية، وهما أضخم سوقين على مستوى العالم وتضمنان مجتمعتين استمرار «هواوي» في الاحتفاظ بجزء كبير جدا من حصتها السوقية العالمية الحالية. ففي سوقها المحلية العملاقة، الصين، ستتمكن بسهولة من مواصلة هيمنتها بمساعدة اللاعبين المحليين في النظام البيئي لصناعة الاتصالات هناك، وخصوصا أن «جدار الحماية الصيني العظيم» يحجب شركات التكنولوجيا الأميركية والغربية عموماً.
وهكذا فإنه ليس متوقعاً لقرار سحب أو تقييد تراخيص أندرويد أن يقتطع كثيراً من الحصة السوقية العالمية الحالية التي تستحوذ عليها الشركة الصينية. أما الجزء الذي سيتأجل لبعض الوقت – ولكنه لن يتلاشى بسهولة – فهو طموح عملاق الاتصالات الصيني إلى الجلوس منفرداً على عرش الهيمنة العالمية، وهو الطموح الذي كانت تقديرات قد توقعت أن تحققه «هواوي» على أرض الواقع في غضون العامين المقبلين.
على هذا الأساس، يمكن القول إنه بات واضحاً إلى حد كبير أن الحظر الأخير الذي فرضه «النسر» الأميركي جاء خصيصاً في إطار محاولة ذات دوافع سياسية تهدف إلى إجهاض أو على الأقل عرقلة تحقيق ذلك الطموح المشروع الذي يسعى إليه غريمه «التنين» الصيني.
على كل حال، علينا أن ننتظر ونراقب لنرى ما ستُسفر عنه تطورات هذه المواجهة.
تراجعات أميركية...
بمذاق الاعتراف بالخطأ!
في تطوّر لاحق مهم يعزز صحة التصريحات التي أدلى بها مؤسس شركة «هواوي» ورئيسها التنفيذي، رين تشينغفي - وهي التصريحات التي أعلن من خلالها أن الولايات المتحدة أساءت تقدير قوة شركته العملاقة - تراجعت الإدارة الأميركية جزئياً عن موقفها وأعلنت تخفيف حدة قرار الحظر بشكل موقت، وذلك في خطوة سعت إلى الحد من الإرباك الكبير الذي سيجتاح أسواق الاتصالات في سائر أنحاء العالم في حال التنفيذ الكامل لقرار سحب تراخيص استخدام نظام التشغيل أندرويد.
وبموجب ذلك التخفيف، ستسمح وزارة التجارة الأميركية لشركة هواوي ومزودي خدماتها بشراء معدات وبرمجيات أميركية الصنع لضمان استمرار عمل الشبكات القائمة وتحديث البرامج والتطبيقات المثبتة فعلياً على أجهزة هواوي.
وفي خطوة تراجعية إضافية، نشر الحساب الرسمي الخاص بنظام التشغيل «أندرويد» في تغريدة تويترية جاء فيها ما يلي: «رداً على تساؤلات مستخدمي أجهزة هواتف هواوي في ما يتعلق بخطواتنا ذات الصلة بالامتثال بالقرارات الأخيرة التي أصدرتها الحكومة الأميركية: نطمئنكم أننا بينما نواصل الامتثال لجميع الأوامر الحكومية الأميركية، فإن خدمات مثل Google Play والتحديثات الأمنية المصاحبة لها ستستمر في العمل على أجهزة هواتف هواوي».
ورأى مراقبون ومحللون أن تلك التراجعات تبدو مشوبة بمذاق «الاعتراف بالخطأ» ضمنياً.
ARK OS...
هل سيكون «صفعة» الرد من «هواوي»؟
بينما تتواصل مفاعيل الأزمة بين شد وجذب، بدأ مراقبون في تجميع خيوط ومعلومات تشير إلى أن شركة هواوي قد شرعت فعلياً منذ أشهر في السعي إلى تجهيز بديل مناسب ليسد الفجوة التي سيتركها نظام التشغيل أندرويد، وهو السعي الذي تكثفت وتيرته عقب قرار الحظر الأميركي المباغت.
ففي مارس من العام الحالي، كان رئيس قسم الأجهزة الاستهلاكية بشركة هواوي قد صرح لصحيفة «دي فيلت» الألمانية قائلاً: «نحن بصدد تطوير وإعداد نظام التشغيل الخاص بنا. هذا النظام الخاص بنا هو خطتنا البديلة».
وفي أول تصريح له بعد إعلان فرض الحظر، قال الرئيس التنفيذي لـ«هواوي»، رين تشينغفاي، لوسائل إعلام يابانية: «نحن نستعد فعلياً منذ فترة لمثل هذا الوضع»، ملمحاً إلى أن «هواوي» اقتربت من الانتهاء من تطوير وطرح نظام تشغيل خاص بها ومؤكداً أن شركته العملاقة التي تشتري مكونات وتراخيص استخدام تبلغ قيمتها 67 مليار دولار سنويا سوف تعمل من الآن فصاعداً على تصنيع تلك المكونات بنفسها كما ستطور البرمجيات والتطبيقات داخلياً كي تستغني عن شراء تراخيص استخدام.
ويرى خبراء ومحللون أنه في حال نجاح «هواوي» فعلياً في طرح نظام تشغيل خاص بها لتستعيض به عن «أندرويد»، فإنها ستكون قد حققت إنجازاً حاسماً يعتبر مثابة «صفعة» قوية ومباغتة أيضاً على وجه قرار الحظر الأميركي.
وفي تطوّر آخر جديد يعزز اقتراب «هواوي» من تنفيذ تلك «الصفعة» على أرض الواقع، ظهرت خلال الأيام القليلة الماضية أنباء مفادها أن شركة هواوي قد قامت رسمياً بتسجيل علامة تجارية في الصين لنظام تشغيل تحت اسم محلي هو Hongmeng، وهو النظام الذي قامت الشركة فعليا في 24 مايو الجاري بتسجيل براءات اختراع له لدى دول الاتحاد الأوروبي تمهيداً لطرحه عالميا تحت اسم «ARK OS».
وفي ضوء كون «هواوي» أقدمت على تسجيل «ARK OS» بعد مرور 10 أيام على صدور قرار الحظر الأميركي، فإن ذلك يرجِّح أن «تِنّين» تكنولوجيا الاتصالات الصيني بات قاب قوسين أو أدنى من رد الصاع... صاعين.