«الراي» وثّقت مرافعتها في قضية «التأمينات» بالصوت والصورة... والمحكمة حجزت القضية للحكم 27 يونيو المقبل
النيابة تطالب بأقصى عقوبة للرجعان: كبير مُعلمّي أكل أموال الناس بالباطل ويعوزه الانتماء لبلده
- نائب مدير نيابة الأموال حمود الشامي:
- - الرجعان وضيع استذله المال فأنساه عزة أبناء وطنه فإلى الدرك الأسفل
- - باع سعي الكادحين والقاعدين والمرضى برغد يومه وغده
- - لا بورك له في ما كسبت يداه بعد أن طوّق العالم قصوراً وأرصدة
- - الملف يحوي قضية فساد ديست بها قيم الأمانة وانتهكت حرمات الكرامة
في سابقة قضائية شهدتها المحاكم الكويتية، ترافعت النيابة العامة أمام محكمة الجنايات أمس، قضية اختلاس أموال مؤسسة التأمينات الاجتماعية المتهم فيها كل من فهد الرجعان وزوجته منى الوزان، بغياب المتهمين، حيث شرحت حجم الاعتداءات على اموال المتقاعدين، فيما سمحت المحكمة، برئاسة المستشار الدكتور أحمد المقلد، بتوثيق الجلسة بالصوت والصورة عبر قناة «الراي»، فيما حجزت القضية إلى 27 يونيو للنطق بالحكم.
واستمعت المحكمة الى مرافعة النيابة العامة التي قدمها نائب مدير نيابة الاموال حمود الشامي، حيث قال إن «للأموال العامة حرمة، وحمايتها واجب على كل مواطن، وفكرة قد استقرت في أذهان الآباء المؤسسين، لتجد صداها عبر الزمن مكملة للنظام الدستوري ملامحه الرئيسية، فهي عنصر فعال من عناصر الديموقراطية الاجتماعية والاقتصادية بسواها تختل فرائض الديموقراطية، ولا يكتمل للدستور نضوجه، فالنظم الديموقراطية هي تلك التي تُستلهم من حقوق مواطنيها في إطار اجتماعي عادل تعبيراً عن آمالهم في حياة كريمة، لا يتسلط فيها نظام اقتصادي جائر يلتهم أحلام البسطاء، بما يبدد سعيهم مزيداً من التيه، كي تكون تلك الحقوق وقائع حية تنبض بالحياة، فتصبح أكثر استقراراً، بعدما كانت مجرد نصوص لا يُدرى ماذا سيكون من أمرها عندما تبدأ عجلة الحياة بالدوران».
وأضاف الشامي «ولما كانت الدولة لا توجد إلا بمواطنيها ومن أجلهم، كفل الدستور التأمين والمعونة الاجتماعية في مادته الحادية عشرة، ولم ينبذها تناسياً، بل أكد عليها جاعلاً منها أحد المقومات الأساسية للمجتمع الكويتي، فكانت الدولة لآثارها وآفاتها، راعية ضامنة، فما من شيخ أو عجوز أو عليل أو قاعد، إلا وتتلقفه أيادي الدولة رعاية أوكفالة، أو كل ذلك جميعاً عن طريق المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية ومن وعاء المال العام فالدولة تتدخل في سبيل إشباع مصالح مواطنيها من خلال الأموال العامة، التي تُفرد لها نظاماً قانوناً خاصاً بها، تشرف عليه، وتسن في صور إنفاقها طرائق قدداً - وكما للأغراض التي تستهدفها - لتعود تلك الأموال مع تراميها وتعدد صور إنفاقها، واختلاف أهدافها محكومة بقواعد لا شية فيها، تبين جوهر أحكامها، توخياً لإشباع أغراض بذواتها على اختلاف مشاربها، ويتولاها بصفة قانونية موظف عام أو من يعد في حكمه، ممن أولته الدولة ثقتها وافترضت به الحرص والأمانة على مصالح المخاطبين بأحكام القانون الناظم لتلك الأموال، ليديرها ويتصرف بها باسم الدولة، لا باسمه، مكللاً بالنزاهة والاستقامة الخلقية في الأحوال والأغراض المخصصة والمرصودة لها».
وتابع «كلما تعلق الأمر بالأموال العامة، فإن إدارتها تغاير أوضاع الدومين الخاص، ذلك أن ماليتها تضبطها معايير جامدة تحول دون مجاوزة أوضاعها، أو استخدامها في غير أغراضها. والحق أن حديث الاتهام من هذه المفاهيم ثقيلٌ بما تضمه دفتا الملف من أمانات مضيعة وجه بها المتهم فهد مزيد الرجعان خطاه على مناكب الجريمة، بما كشفت عنه الأوراق من أدائه لوظيفته على نحو منحرف معوج، تهاوت به قيم الولاء للوطن، وانحسر الغطاء عن غايات مرتخصة، ما لبثت أن وجدت سبيلها في غي الجشع، حتى ليكاد الخطر فيما أقدم عليه أن يبلغ في مداه ومحوره نُظماً آمنة مطردة مهدداً بقلبها على أعقابها، وذلك إذا ما وجد ملاذاً آمنا لما غله من أموال الكويتيين زوراً وبهتاناً كيف لا وقضيتنا قضية فساد، ديست بها قيم الأمانة، وانتهكت فيها حرمات الكرامة ذلك أنه ليس أدل على تهتك عرى الوفاء للوطن والحرص على ثرواته، من أن يبتاع المرء الأمانة التي تطوق عنقه، بعرض من الدنيا زائل، ويجترئ على المال العام عدواناً فما بالكم بأموال المتقاعدين والعجزة والمرضى، ممن تعلقت آمالهم في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، كجهة أولاها الدستور تصريف شؤون معاشتهم وأحوالها، وانتظم القانون فنون إدارتها ومحاذيرها، لئلا يجتر أولئك المتطلعون إلى غد آمن حسرات الحرمان، وذل العوز».
وتساءل الشامي «كيف تهون هذه الأمانة إلا على من هانت عليه ذاته، فاشترى هداها برداها؟ وهل يتكسب بها إلا صغير كبر عليه شرفها فلم يقو على حمله، أو وضيع استذله المال فأنساه عزة أبناء وطنه، أو خؤون عظمت عليه تلك الأمانة فضيعها؟ فإلى هذا الدرك الأسفل هوى المتهم بمحراب عدالتكم، وإنه لكبير معلمي أكل أموال الناس بالباطل. سلك بتاريخه مسالكه، يعوزه الانتماء الحقيقي إلى بلده، فيتهكم بالانتساب الظاهر إليه، وذلك فيما تبدى على المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية من مظاهر الرفعة والرقي. يبيع سعي الكادحين والقاعدين والمرضى كداً كداً، برغد يومه وأمسه وغده، يعده عداً، مساوماً على عرق الكادحين وهموم القاعدين وكلوم المرضى، حتى ليكاد أن يطوق العالم قصوراً وأرصدة في بنوك شتى، سعياً وراء سجرائه من أرباب الزقوم، ومن هم على شاكلتهم ممن يحتقرون العف المستقيم، ويكرمون الوغد اللئيم، أولئك في الأذلين. ألا قبح الله بيعك... ولا بورك لك في ما كسبت يداك. هو مبلغ الخطر في قضيتنا سيدي الرئيس، ومعيار جسامتها الأكبر، مما لا ينبغي إغفاله أبداً، حال النظر فيما اشتملت عليه صُحفنا، واقعاً ونصاً ودليلاً».
وذكر الشامي أن «النيابة العامة وبتشرفها اليوم بتمثيل المجتمع في قبلة العدالة في دعواها هذه لم تكن المتهافتة على الاتهام قط، بل كانت المستجلية لواقع الدعوى في أبعاده المختلفة أبداً، دليلاً وبرهاناً، وفي قسماته الحقيقية، نصاً ومعنىً، ليستبين سبيل المجرمين فتلك قضية جعلت المجتمع الكويتي يرى بعض أشباحٍ لإرث مرٍ،أخذ يلوح بوجهه المشؤوم على البلاد من جديد، غاشياً أحلامهم في عيش رغيد، طفق يرهبهم بأنه وعلى نكال الخيانات السابقة، ما انفك مصابهم يتكرر ويضرب واقع الدعوى في الزمان ما ينيف على ثلاثين عقدا تصرمت، فيما أقدم عليه المتهم فهد مزيد الرجعان، بصفة المدير العام للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، من شرائه بتاريخ 25 /9 /1989 أسهم شركة (OMNI) السويسرية بقيمة بلغت (000 000 54 فرنك سويسري ) أي بما يعادل تسعة ملايين وستمائة وستة وستين دينارا كويتيا، وبيعها في عام 1991، وكذا شرائه في 16 /10 /1989 أسهم شركة (IFIL) الإيطالية بقيمة إجمالية بلغت 50 مليون دينار كويتي، وبيعها بتاريخ 29 /7 /2005، وشرائه بتاريخ 18 /7 /1988 أسهم شركة (HARTMAN & BRAUN) الألمانية بمبلغ 56 مليون مارك ألماني» بأسعار تفوق الأسعار العادلة للأسهم المشار إليها جميعاً، عن طريق إشراك وسيط خفي يدعى أحمد محمد جعفر عبدالكريم، مقابل تقاضي المتهم فهد الرجعان عمولات بمناسبة تلك الاستثمارات، صبت في حسابين خارجيين يملكهما في الاتحاد السويسري، حُولت تلك العمولات في الفترة من 1988 حتى 1990، عن طريق الوسيط الخفي المذكور من خلال شركتيه فابرجيه بروبرتيز وسيلك (FABERGE PROPERTIES LTD) عبر حسابها في موناكو. وعلى إثر هذا مضت النيابة العامة إلى سؤال سمسار الأسهم أحمد محمد جعفر في المملكة المتحدة للوقوف على هذه الواقعة من جميع أقطارها، فأكد صحتها.
وبين أنه «بمناسبة معرفته السابقة بالمتهم فهد مزيد الرجعان اجتمع بالأخير غير مرة في دولة الكويت وخارجها في ثمانينات القرن الماضي فطلب منه المتهم أن يكون وسيطاً خفياً للاستثمارات الثلاثة المذكورة كيما يتقاضى المتهم سالف الذكر عمولات ناتجة عن تلك الاستثمارات بواقع 80 إلى 90 في المئة له – أي المتهم فهد الرجعان – تأسيساً على استثمار المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية في شركات (أومني وهاترمان وبراون وإيفيل) المشار إليها أعلاه. وبعد إتمام الصفقات حوّل أحمد محمد جعفر بدوره تلك العمولات إلى حسابات خارجية تعود للمتهم فهد الرجعان في الاتحاد السويسري. وإزاء اتصال هذه المعلومات بقنوات مصرفية خارجية (حسابات سرية لدى بنوك محلية في الاتحاد السويسري) تقدمت النيابة العامة بدولة الكويت في العام 2011 بطلب مساعدة قضائية إلى نظيرتها في الاتحاد السويسري للكشف عن حسابات المدير العام السابق للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية المتهم فهد مزيد الرجعان وزوجته منى محمد الوزان، مع التحفظ على جميع الأموال المترصدة في تلك الحسابات متى وجدت».
واشار إلى أنه «في بضع سنين وتحديداً في ديسمبر من سنة 2014 استجاب القضاء السويسري لطلب المساعدة القضائية المرسل من النيابة العامة بدولة الكويت، وكشف عن خمسة عشر حساباً باسم المتهم/ فهد مزيد الرجعان وزوجته منى محمد الوزان وكيانات مالية وشركات أخرى يملكانها ويسيطران عليها لدى بنكي (ميرابو وكريديت سويس) مع التحفظ على الأموال المترصدة في تلك الحسابات والتي ربت على 100 مليون دولار أميركي، وزودت النيابة العامة بدولة الكويت بالمستندات الكاشفة عن حركة تلك الحسابات تفصيلاً والتي قاربت الستة ملايين مستند. فيها تفجر الجرم مزيداً من الضراوة والدهاء، إذ بدا الأمر مختلفا تماماً في بداياته عن النهايات، وما كان بينهما من تطورات اتسمت بالتعقيد، واشية بما مازجها من مكر شحذ من أجله المتهم فهد مزيد الرجعان وقته وجهده كيما ينفذ مخططاً إجرامياً محكماً إلى حد ما في منهجية منضطبة أمداً وكيفاً وظف فيها شركاته وزوجه المتهمة منى محمد الوزان وهياكل مالية أخرى متناثرة حول العالم استقطاباً لكفلهما من تلك العمولات والتي ناهزت مبلغ 365 مليون دولار أميركي».
وخلص إلى أنه «إذ أثبت فحص الحسابات السويسرية اتصال الأموال المتدفقة فيها غلاً من حصيلة أتعاب إدارة الصناديق الاستثمارية التي تساهم فيها المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية ورسوم أدائها، على امتداد الفترة من 1997 حتى 2013، على شكل عمولات خفية، استأثر المتهم فهد الرجعان وزوجته المتهمة منى الوزان بما يعادل نصفها، تم سداد تلك العمولات كأثر حتمي لاتفاقات مسبقة مررت من خلالها العمولات في هياكل مالية شديدة التعقيد بهدف تضليل اكتشافها، ومعرفة المستفيد الحقيقي منها، مع استخدام حصيلتها في شراء أصول متنوعة في جهات مختلفة حول العالم، بمبالغ قاربت في قيمتها الإجمالية 60 مليون دولار أميركي».