غوارديولا ... «ممتاز»
لم يكن مفاجئاً فوز الإسباني جوسيب غوارديولا، بجائزة أفضل مدرب في إنكلترا، بعد قيادته مانشستر سيتي، إلى لقبه الثاني توالياً في الدوري الإنكليزي الممتاز لكرة القدم، متفوقاً على مدرب ليفربول، الألماني يورغن كلوب، الوصيف.
وأصبح مدرب برشلونة الإسباني وبايرن ميونيخ الالماني السابق، ثالث من يحتفظ بجائزته بعد «السير» الإسكتلندي أليكس فيرغوسون والبرتغالي جوزيه مورينيو.
وتصدر «بيب» تصويت لجنة من الخبراء بالإضافة الى الجماهير، متفوقاً أيضاً على مدرب توتنهام، الأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو، الذي أوصل فريقه الى نهائي دوري ابطال اوروبا على غرار كلوب، ومدرب وولفرهامبتون، البرتغالي نونو اسبيريتو سانتو، الذي حل فريقه سابعاً في موسمه الأول بعد العودة الى دوري النخبة.
وقال غوارديولا (48 عاما): «يشرّفني الحصول على هذه الجائزة. أريد مشاركتها مع لاعبي فريقي لأنهم النجوم في كل شيء، ومع جهازي الفني لأننا قاتلنا بمواجهة مدربي الدوري كافة، خصوصاً المذهل يورغن كلوب الذي بقي يواجهنا حتى النهاية».
معلوم أن «سيتي» احتفظ بلقبه في الـ«بريميرليغ» بعد صراع محموم انتهى بفارق نقطة يتيمة أمام ليفربول.
وبعد تتويجه بلقب كأس الرابطة في فترة سابقة من الموسم، سيكون بمقدور «سيتي» تحقيق ثلاثية محلية للمرة الأولى عندما يواجه واتفورد، السبت المقبل، في نهائي كأس إنكلترا على ملعب «ويمبلي»، علماً بأنه استهل الموسم بتحقيق «الدرع».
لكن بعيداً عن فوزه بهذه الجائزة الفردية، هل يمكن اعتبار غوارديولا بين أعظم المدربين الذين عرفتهم إنكلترا؟
في البداية، لا بد من التسليم بأن «بيب» نجح بامتياز في إقناع لاعبيه بقدرتهم على تقديم أقصى ما لديهم في ظل منافسة تعتبر الأكثر صعوبة في أوروبا والعالم.
وما يؤكد هذا الواقع تصريح «بيب» نفسه عندما اعتبر بأن لقب الموسم الراهن هو الأصعب في مسيرته، قبل أن يتبعه قائد الفريق، البلجيكي فنسان كومباني، بالقول: «لدينا رغبة جامحة لا تصدق لتحقيق الإنجازات. ولأننا فريق قوي جداً، فإن تحقيق الإنجاز يعتبر واجباً صعباً للغاية».
وتطرح مسألة «تحقيق الإنجاز» إشكالية. فالإنجاز، برأي البعض، يتماشى أكثر مع ما حقق المدرب الإيطالي كلاوديو رانييري، عندما قاد ليستر سيتي المغمور إلى التتويج بلقب الدوري الممتاز، قبل ثلاث سنوات، وليس مع غوارديولا الذي حصل على دعم مالي ضخم للغاية من ملّاك النادي الإماراتيين وحرية اختيار ما لذّ وطب له من نجوم، لتحقيق «الهدف نفسه» الذي أنجزه ليستر بموارد «خجولة».
لكن يبدو أن معنى «الإنجاز» الذي جاء على لسان كومباني بعيدٌ عن التتويج، ويرتبط تحديداً بنجاح لاعبي «سيتي» في الوصول بقدراتهم إلى حدها الأقصى.
ويُستنتج من كلام كومباني، الذي سجل هدفاً مفصلياً في المباراة قبل الأخيرة من عمر الدوري في مرمى ليستر، بأن إقناع لاعبين قادمين من ثقافات متباينة ودول مختلفة كإسبانيا والبرازيل والأرجنتين وفرنسا وألمانيا وغيرها، بتقديم اقصى ما لديهم لصالح تحقيق هدف واحد، هو بلا شك علامة استثنائية تصبّ في خانة المدرب الفذّ الذي يرى بأن الاحتفاظ باللقب بفارق نقطة واحدة أمام ليفربول يمثل إضافة لناديه لجهة قدرته على التفوق حتى على ألدّ الخصوم وأقواهم.
وقد بادل «بيب» لاعبيه عطاءً عبر جعلهم أعضاءً في فريق يستحق أن يقارن مع الأفضل في تاريخ إنكلترا.
صحيح أنه من الصعوبة مقارنة فرق اليوم بفرق الأمس، في ضوء تبدل الظروف، لكن يبقى بالإمكان، على الاقل، الحديث عن مجموعة من الفرق التي تركت بصمة في حقبة معينة من الزمن.
إحدى الصحف البريطانية، تحدثت عن أندية دخلت تاريخ الكرة الإنكليزية بفضل نتائجها وأدائها الفريد معاً، ابتداءً من وولفرهامبتون الذي حقق لقب الدوري ثلاث مرات متتالية في خمسينات القرن الماضي، مروراً بتوتنهام هوتسبير الفائز بثنائية الموسم 1960-1961، ومانشستر يونايتد بقيادة الإسكتلندي مات باسبي بطل أوروبا 1968، وليفربول بقيادة الرائع بوب بيزلي في الفترة من 1975 وحتى 1983، و«الشياطين الحمر» بإمرة فيرغوسون أبطال ثلاثية 1999، وارسنال مع المدرب الفرنسي آرسين فينغر والمتوج بقلب الدوري 2003-2004 من دون هزيمة، وصولاً إلى تشلسي المرعب بطل الموسم 2005-2006 بقيادة مورينيو.
لا خلاف على أن «سيتي - غوارديولا» يستحق أن يُقارن بأيّ من هذه الفرق لأنه نجح في الجمع ما بين النتائج أي الألقاب والأداء المقنع الجميل.
لقد حظي غوارديولا بالاحترام في إنكلترا، ليس لأنه توّج، بل لأنه بقي متمسكاً بأسلوبه الذي ترعرع في كنفه في برشلونة ثم طبقه في الفريق عندما تحوّل مدرباً له، وحمله معه الى بايرن ميونيخ الالماني. حتى عندما مر «سيتي» في فترات من الشك، خلال الموسم الراهن، وتخلّف بفارق كبير من النقاط عن خصمه الرئيسي ليفربول، بقي وفياً لفلسفته ونجح في أن يتوّج.
صحيح أن الجولة الأخيرة من الموسم الراهن لم تشهد «دراما» شبيهة بتلك التي عاشها أرسنال في 1989 عندما انتزع اللقب من ليفربول في اللحظة الأخيرة، او تلك التي عاشها «سيتي» نفسه تحت قيادة المدرب الإيطالي روبرتو مانشيني في 2012، بيد أن الفوز في المباراة الأخيرة على برايتون 4-1 والوصول بعدد الانتصارات المتتالية في المسابقة إلى 14 شكل مفترقاً فريداً لا مثيل له بالنسبة الى «كتيبة غوارديولا».
لا يختلف اثنان على أن «بيب» مدرب ميّال الى التكنولوجيا في معناها العام، أي أنه متخصص في نقل ما هو نظري إلى واقع عملي، بيد أن شخصيته تبقى محتفظة بحيّز من المشاعر، وهو ما ظهر جلياً عندما بدأت الدقائق بالانحسار في المباراة امام برايتون، وامتد الى ما بعد صافرة الختام حين احتفل الإسباني بصورة حميمة مع لاعبيه.
هذا الرجل يملك الشجاعة في إبقاء أبرز عناصره على دكة الاحتياط من دون خلق جوّ من شأنه أن يفجر «العصيان» بين اللاعبين. ومردّ ذلك أن رجاله يثقون به لجهة معرفته بالتوقيت المناسب لإعادتهم إلى التشكيلة والتألق.
تفاجأ الجميع، يوم الأحد الماضي، عندما جرى الزجّ بالجزائري رياض محرز في المباراة الختامية أمام برايتون، وذلك للمرة الرابعة فقط كأساسي منذ مطلع العام الراهن. إلا أن محرز كان صاحب لمحة فنية وتسديدة رائعة منحت «سيتي» التقدم 3-1، فاتحاً أمامه أبواب اللقب.
ثمة لاعبون آخرون استفادوا من سياسة غوارديولا، في فترات مختلفة من الموسم، من أمثال الالماني لوروا ساني وجون ستونز.
«مدرسة غوارديولا» في «سيتي» ليست قائمة فقط على جمالية الأداء بالتأكيد، بل تعتمد أيضاً سياسة ارتكاب الأخطاء «المقبولة» ضد الخصوم في وسط الملعب لحرمانهم من التقدم وقتل حماسهم على أن يتبعها اعتذار سريع من «الفاعل». وهنا يستفيد «بيب» من تحفّظ حكام الدوري الممتاز، عموماً، على إشهار البطاقات الصفراء.
قد يكون الحكام من دول أخرى تفصيلاً جعل «سيتي» يفشل في الذهاب إلى أبعد من ربع نهائي دوري أبطال أوروبا... في الموسم الراهن.