طريق البريسم

تصغير
تكبير

بادئ ذي بدء... وقبل أي تأويل أو تفسير عبثي، أوضح أنها رسالة من أب قلق على مستقبل أبنائه، ولا علاقة لهذا المقال بـ«الكيبل» ولا بـ«الطيارة» ولا بالتنافس على المقاعد الحكومية.
طريق الحرير، إقليم الحرير، تطوير الجزر، كلها عناوين لموضوع واحد يتخطاها بحد ذاتها كمشاريع نحو الهدف الأكبر وهو ربط مصالح الكويت - المهددة دوماً في أمنها واستقرارها وديمومتها بسبب موقعها وثروتها - ربط مصالح هذه الدولة الصغيرة المحدودة الإمكانات العسكرية بمصالح دول كبرى سيوفر لها بالتأكيد استقراراً وأمناً إضافياً، ويبعد عنها شبح «الزوال» الذي كان خيالاً في يوم ما، ولكنه تحقق في الثاني من أغسطس 1990 عندما استيقظنا من سباتنا (الحسي والعقلي) لنجد أنفسنا تحت احتلال وبطش عدو غاصب أنهى جيشنا وشرطتنا وحرسنا وحكومتنا في ساعات الليل، وصار نظامنا في المنفى مع شروق شمس ذلك اليوم الكئيب.
هذا الهاجس هو أكبر الهواجس التي يحملها بين ضلوعه كل أب قلق على مستقبل أبنائه، يردد بينه وبين نفسه كلما رأى بريق الأمل والطموح يلمع في عيونهم (هذا جناه أبي عليّ وما جنيت على أحد)، ويتساءل: «لماذا جنيت عليكم يا أبنائي؟ لماذا لم أفعل ما فعله أبو العلاء المعري؟».


هذا هو السبب الوحيد وليس غيره الذي يجعلني متحمساً لتأييد مشروع مثل «إقليم الحرير» ولأي مشروع آخر أياً كان اسمه إن كان سيحقق لنا الأمن، ويجعلنا أكثر راحة وطمأنينة عندما يحين موعد رحيلنا عن أبنائنا تاركيهم في وطن آمن مستقر ليكملوا دورة الحياة ويعمروا الأرض التي استخلفهم الله عليها.
لكن الشعور الذي يعتريني اليوم وأنا أراقب ما يحدث وأستشرف ما سيحدث هو الشعور بأن الجماعة قد يئسوا من الإصلاح في الكويت، فقرروا ترك (القرعة ترعى) فيها، وقالوا... «خل نبني غيرها دام مو قادرين نصلحها»!... مثلهم هنا كمثل صاحب بيت أزعجه كثرة الخراب فيه، فقرر تركه على علاته وبناء أرض مجاورة له كبيت بديل! وهذا إن كان مقبولاً في بناء البيوت، فإنه ممجوج ومستهجن في بناء الأوطان.
أرجو أن أكون مخطئاً تماماً في هذه النظرة، وأرجو أن تتبدد هذه الفكرة المزعجة، فالوطن لا بديل له، لأن بلدك هو ذكرياتك وطفولتك وشبابك وعشقك وتاريخك... بلدك هو قهقهاتك عندما تفرح ودموعك وآلامك عندما تحزن... بلدك هو مستقبلك مثلما هو قبور أجدادك الذين تستلهم منهم ومن تاريخهم الصبر والعمل والإصرار على المضي قدماً، وتسليم أمانة الحفاظ على هذا البلد الجميل من جيل إلى جيل.
نعم، نعرف أن الكويت بحاجة إلى كثير من الجهود لإحيائها وإصلاحها واجتثاث الفساد منها، ولكن يجب ألا نفقد الأمل، وألا نترك أهلها نهباً لأنياب اليأس من الإصلاح، والاقتناع بأن الفساد هو قدرهم الذي لن يتغيّر... وهذه الجهود لا تتطلب عدم المضي في الحرير كما قد يفهم البعض، ولكن: المساران يجب أن يتلازما... فما المانع ان نبني هناك ونصلح هنا في الوقت ذاته؟
وقبل الختام، أعود إلى ما بدأت فيه، وأكرر القول إن ما كتبناه هنا لا علاقة له بطائرة ولا كيبل، بل هو كلام نابع من قلب يهيم عشقاً في الكويت ويفترسه القلق على مستقبل بلده وأبنائه.
يا شيخ ناصر... باختصار، نبي «البريسم» ولكن نبيه للجميع، نبيه للكويت مثل ما نبيه للاقليم، وفقط في هذه الحالة سينقلب المثل الكويتي الشهير ليكون: «جديد البريسم... ولا عتيج الصوف».

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي