ليس من المروءة ولا الأخلاق أن تستغل أي قضية للتشهير بالناس والإساءة إليهم، من دون دليل، وكأنها فرصة لإخراج ما في النفس من مكنون يبدو الكثير منه ناتجا عن نظرة ضيقة أو في أحسن الأحوال عن سوء تقدير. ولاسيما إذا كان ذلك التشهير يمس السمعة ومكانة هذا الشخص أو ذاك في محيطه ومجتمعه.
نقول هذا ونحن نتابع منذ فترة موضوع إحياء قضية الشهادات المزورة، وكثرة الحديث عنها وما رافق ذلك من تسريب كشوف أسماء، يدّعي مسربوها أنها لأشخاص نالوا شهاداتهم العليا بالتزوير وبطرق غير قانونية ولا أخلاقية. ولكي لا يفسر الأمر على أنه دفاع عن المزورين، فإننا نعيد ونكرر أن مسألة التزوير والحصول على شهادة جامعية - بأي مستوى من مستوياتها - بطرق غير قانونية محرّم شرعياً قبل التأثيم القانوني له، ولا يمكن أن يرضاه أي مواطن لديه الحد الأدنى من الحس الوطني والديني والأخلاقي.
فهذا أمر، وقضية التشهير بأسماء واشخاص على أنهم يحملون شهادات مزورة من دون دليل أو قرار من مسؤولي الجهة المعنية، أمر آخر. فأصبح اليوم سهلاً أن يتخفى شخص ما له توجهاته أو مواقفه ضد هذا الطرف أو ذاك، خلف اسم وهمي في وسائل التواصل، ثم يبدأ بالتشهير، والإساءة للناس، كما يفعل صاحب حساب على تويتر، الذي اتخذ نهجاً منذ فترة بالتشهير والإساءة لكثير من الناس تحت غطاء «الشهادات المزورة»، فيطعن ويسيء ويحاول تجريد أولئك الناس من مكانتهم الاجتماعية، بتأكيده أن شهاداتهم مزورة ويأتي بمعلومات بعيدة كل البعد عن الحقائق، معتمداً فقط على بعض الجهات التي تزوده بالمعلومات، ويقال إنها جهات مغرضة هدفها الإساءة للكويت وزرع بذور الشك في المجتمع.
ومثل هذا الحساب كثير، وكلها تقوم على اتهام الناس وتجريدهم من شهاداتهم من دون دليل، فلمصلحة مَنْ هذا الامر؟ ومَنْ يقف وراء كل هذه الحملة المغرضة؟ ولماذا نمعن في الإساءة للناس، وقد انتهت القضية منذ سنوات، كما قال الوزير والنائب السابق أحمد المليفي الأسبوع الماضي، في اتصال هاتفي مع برنامج «عشر إلا عشر» حيث أكد أنه عندما تسلم حقيبة وزارتي التربية والتعليم العالي عام 2011، كانت القضية قد أغلقت نهائياً في عهد سلفه الوزيرة الدكتورة موضي الحمود، أم أننا نريد الاصطياد في الماء العكر والطعن بالناس مستغلين أي فرصة بغض النظر عن صحة أو بطلان ما ننشره وندعيه؟
وهناك مسألة مهمة في هذه القضية، يجب التنبه لها وإدراكها حتى لا تختلط الأمور لدى البعض، وهي أن هناك فرقاً كبيراً بين الشهادات المزورة والشهادات غير المعتمدة، وهذا الأمر كما قلت يختلط على الكثيرين، فالشهادة المزورة يأخذها صاحبها من دون دراسة، وكل ما يقوم به أن يسجل في جهة ما ويدفع فلوسه وينتظر قليلاً ثم ينال الشهادة التي لا يكون لها أصل في الجهة التي تحمل اسمها، أي أنها بالمصطلح الشعبي «شهادة مضروبة» بلا أصل، كما حدث مع الشهادات التي يتحدثون عنها وصادرة من دول آسيوية وغيرها من الدول.
أما الشهادات غير المعتمدة فهي شهادات صادرة عن جامعة وجهات أكاديمية لها وجودها ويدرس فيها الطلبة، ولكن وزارة التعليم العالي في الكويت غير معترفة بها أو أنها لم تعتمدها في قائمة الجامعة الأجنبية، التي تضعها أمام طلبة الكويت للدراسة فيها، فينال الدارس في هذه الجامعة أو تلك شهادته، ولكنه لا يستطيع معادلتها لأن وزارة التعليم العالي لم تعتمد هذه الجامعة وفق الأسس التي تضعها للاعتماد الاكاديمي. ويدخل في نطاق هذه الثانية مسألة الدارسين في الجامعة الأميركية - فرع أثينا، حيث سحبت منها وزارة التعليم العالي الاعتراف بعد أن كانت قد اعترفت بها، وجاء سحب الاعتراف مع أن هناك طلبة كانوا لا يزالون يدرسون فيها، وهنا حدثت الإشكالية بين استثناء من يدرس لاستكمال دراسته أو الطلب منه التحويل إلى جامعة أخرى، وهذا الأمر الذي أحدث الأزمة الأخيرة. وقد استطاع طلبة الحصول على حكم قضائي نهائي بإلزام وزارة التعليم العالي بتعديل شهاداتهم واعتمادها.
بقي أن نشير إلى مسألة مهمة، وهي ما رافق عودة الحديث عن شهادات أثينا من جدل، فقد تابعنا مواقف وتصريحات لبعض الشخصيات والمسؤولين السابقين عن القضية تحمل نفَسا ذا رائحة كريهة، واتجاها فئويا ضيقا، لاسيما من شخصيات كانت تتولى مناصب لها علاقة مباشرة في قضية اعتماد الجامعات، ما يجعلنا نراجع ما صدر عنها من قرارات إبان توليها المناصب، ومدى مراعاة المصلحة العامة فيها، وما إذا كانت تمثل هذا التوجه الذي ظهر منها بعد تركها المنصب، وهو توجه مرفوض ومستهجن، وكأن تلك الشخصيات تستكثر على فئة من المواطنين نيل الشهادات العليا، وتريد حصرها في فئة دون غيرها، وهذه رسالة إلى ذوي الشأن بضرورة اختيار الشخصيات الوطنية التي تعمل للوطن كله بجميع فئاته عند إسناد المنصب العام إليها.
h.alasidan@hotmail.com
@Dralasidan