«طلاق» المنتخب والأندية في إنكلترا ... قد يزفّ «الفرحة الكبرى»
بعد احتلال منتخب إنكلترا لكرة القدم المركز الرابع في كأس العالم 2018، ساد التفاؤل أجواء الحيّز الأكبر من «الجزيرة البريطانية»، قبل أن يأتي التأهل إلى نصف نهائي دوري الأمم الأوروبية ليؤكد بأنّ «منتخب الأسود الثلاثة» يعيش تطوّراً مطّرداً سيجعله، في السنوات المقبلة، قادراً على الوقوف في وجه أعتى القوى العالمية.
التحسّن الذي ترافق مع تفوّق واضح لمنتخبات الناشئين والشباب في البطولات القارية والعالمية، بقي «مستقلاً»، إذا جاز التعبير، عن تألق الأندية على المستوى الأوروبي.
لطالما فرض «تباعدٌ ما» نفسه بين المنتخب الإنكليزي والأندية المحلية، خصوصاً في السنوات الأخيرة حيث تحولت الأخيرة إلى شركات تجارية «لا تفكر إلا بنفسها» وبتحقيق أرباح والبحث عن أسواق جديدة، بعيداً عن إمكان البحث في تجهيز لاعبين لمدّ المنتخب بهم.
وتكفي الإشارة الى ان موسم 2016-2017 من الدوري الممتاز شهد مشاركة «غير البريطانيين» في 61.2 في المئة من مبارياته. كما كانت بطولة أوروبا لتحت 21 سنة في 2017 شاهدة على واقع مرير، إذ ان لاعبي منتخب ألمانيا المتوّجين باللقب خاضوا معاً أكثر من 1000 مباراة في الـ«بوندسليغا»، بينما لم يخض لاعبو منتخب إنكلترا الذين شاركوا في الدورة ذاتها أكثر من 200 مباراة في الـ«بريمير ليغ».
إن دلّ ذلك على شيء فإنه يشير إلى أن اللاعب الإنكليزي «غير مرغوب به» في أندية الدوري الممتاز... إلا في نطاق ضيق.
فشل ونجاح
نجاح المنتخب الإنكليزي أو فشله لا علاقة لهما بنجاح أو فشل الأندية الإنكليزية التي تعتمد بوضوح على اللاعبين الأجانب. وتكفي الإشارة الى ان مانشستر سيتي استعان في موسم 2016-2017 بـ78.4 في المئة عناصر أجنبية، مقابل 90.4 في المئة لتشلسي.
لكنّ ليفربول ومانشستر سيتي ومانشستر يونايتد وتوتنهام، فرضت نفسها في ربع نهائي «تشامبيونز ليغ» هذا الموسم، فماذا يعني ذلك؟
لا بد في البداية من الإشارة الى ان السنوات العشر الأخيرة لم تشهد هذا الإنجاز الانكليزي سوى في 2009 عندما وصل ليفربول و«يونايتد» وتشلسي وأرسنال الى دور الثمانية. ومذذاك لم يعش دوري الأبطال هذا الواقع رغم الملايين التي تصرفها الأندية على ضم أفضل اللاعبين والمدربين.
بقي تواجد إنكلترا في ربع النهائي مترنّحاً، ففي 2010 شهد فريقان منها («يونايتد» وأرسنال) وفي 2011 ثلاثة («يونايتد» وتشلسي وتوتنهام) قبل ان يلعب تشلسي دور الممثل الوحيد في 2012.
بعدها بعام، غاب الانكليز عن ربع النهائي، ثم عادوا بممثلين في 2014 هما «يونايتد» وتشلسي، قبل ان يختفوا في 2015، ويعودوا بممثل واحد في 2016 (مانشستر سيتي) و2017 (ليستر سيتي)، ثم تحسن الحال في 2018 مع سفيرين (مانشستر سيتي وليفربول)، لتعود إنكلترا بأربعة ممثلين في 2019.
متعة وإثارة
غاب اللقب الأوروبي عن الدوري الأكثر متعة منذ 2012 عندما توج به تشلسي على حساب بايرن ميونيخ الالماني.
منذ ذلك الحين، لم تظهر إنكلترا في النهائي إلى أن جاء ليفربول في الموسم الماضي وخاض مباراة القمة أمام ريال مدريد الإسباني وخسر 1-3.
فهل يعني تواجد 4 فرق في ربع النهائي بأن حظوظ الإنكليز كبيرة في انتزاع اللقب؟
لا يبدو الأمر مؤكداً خصوصاً أن القرعة لم تضمن وصول ممثل واحد لإنكلترا على الأقل إلى النهائي.
في أحسن الأحوال، سيصل توتنهام أو «سيتي» إلى النهائي لمواجهة «يونايتد» أو ليفربول، لكن هذا السيناريو بعيد عن المنطق. ما هو مؤكد أن إنكلترا ضمنت ممثلاً واحداً على الأقل في نصف النهائي نتيجة وقوع رجال المدرب الإسباني جوسيب غوارديولا في مواجهة الـ«سبيرز».
هنا يتوجب على المتأهل أن يلاقي الفائز من مواجهة أياكس الهولندي ويوفنتوس الإيطالي بقيادة البرتغالي كريستيانو رونالدو الذي عكس أداؤه في إياب دور الـ16 أمام أتلتيكو مدريد الإسباني رغبة في التتويج باللقب للمرة السادسة شخصياً والثالثة في تاريخ «السيدة العجوز» اللاهثة عنه منذ 1996.
أما «يونايتد» الذي تعرض لخسارتين متتاليتين في الدوري المحلي والكأس، فلا يبدو قادراً على الوقوف في وجه الأرجنتيني ليونيل ميسي الذي أطلق وعداً، مطلع الموسم، بإعادة الكأس الأوروبية إلى برشلونة رغم الإنجاز غير المسبوق الذي حققته «كتيبة المدرب النروجي أولي غونار سولسكاير» بإقصاء باريس سان جرمان الفرنسي من دور الـ16 إثر الفوز عليه 3-1 إياباً بعد التأخر بهدفين نظيفين ذهاباً في «أولد ترافورد».
القرعة الأسهل
وبالنسبة الى ليفربول الذي حظي بالقرعة الأسهل إذ وقع في مواجهة «الحلقة الأضعف» بورتو البرتغالي، فسيكون مدعواً، في حال تجاوز الأخير، الى مواجهة الفائز بين «يونايتد» وبرشلونة.
هذا لا يعني بأن طريق «الحمر» صعب، فقد أكد بقيادة المدرب الألماني يورغن كلوب ونجم الدفاع الهولندي فيرجيل فان دايك وثلاثيه المرعب في الهجوم، المصري محمد صلاح، السنغالي ساديو ماني، والبرازيلي فيرمينو، بأن على الخصوم تحاشيه وليس العكس، غير أن التشتت بين ضرورة التتويج باللقب المحلي والمتطلبات البدنية والذهنية لـ«تشامبيونز ليغ» قد يعيق طموحاته في إحراز الثنائية، أو حتى في الخروج بلقب واحد على الأقل هذا الموسم.
العنصر الإيجابي أن ليفربول، حامل اللقب خمس مرات، بات متمرّساً في دوري الأبطال بعد بلوغه نهائي الموسم الماضي.
أما مانشستر يونايتد، صاحب ثلاثة ألقاب، فلن يكون مطالباً بالتتويج رغم أن ذلك يبقى حقاً مشروعاً له، بيد أن تحقيقه سيدخل من باب المفاجأة بعد البداية الكارثية للموسم بقيادة المدرب البرتغالي جوزيه مورينيو، ووصول سولسكاير الذي يتمثل هدفه في التركيز على الدوري المحلي واحتلال مركز مؤهل الى دوري الابطال.
وبالنسبة الى مانشستر سيتي الباحث عن لقب أول في «الأبطال»، فهو لم يُختبر بالشكل الكافي. ففي دور الأول، تصدر مجموعة سهلة ضمت اليه ليون الفرنسي وشاختار الاوكراني وهوفنهايم الالماني، قبل ان يتجاوز شالكه الالماني بأريحية تامة في دور الـ16.
عموماً، حظي «سيتي» بقرعة سهلة أينما حلّ وارتحل، هذا الموسم، سواء في كأس رابطة الأندية المحترفة التي أحرز لقبها على حساب تشلسي بركلات الترجيح، أو كأس إنكلترا التي بلغ دورها نصف النهائي إثر تجاوز سوانزي بصعوبة، أول من أمس، ولا شك في أن الدوري الممتاز سيشكل الاختبار الفعلي لـ«بيب» ولاعبيه.
ورغم تفوق «سيتي» على توتنهام في ترجيحات التأهل، فإن الأول أبان عن صعوبات أمام فرق أدنى منه مستوى، كما أن تخلفه ذهابا امام شالكه في «الأبطال» وأمام سوانزي في «الكأس» يعتبر ظاهرة خطيرة، خصوصاً وأن التعويض يبقى ممكناً أمام فرق عادية كهذه، وصعباً للغاية أمام فرق أكبر.
فترة سيئة
وبالنسبة الى «سبيرز» الذي بلغ دور الـ16 بعدما عاد من بعيد مستغلاً تعثر إنتر ميلان الإيطالي في مباراته الأخيرة امام ضيفه ايندهوفن الهولندي 1-1 في دور المجموعات، فقد نجح في إقصاء بوروسيا دورتموند الالماني ليبلغ ربع النهائي.
رجال المدرب الأرجنتيني ماوريتسيو بوكيتينو كانوا محظوظين نوعاً ما، إذ واجهوا دورتموند بقيادة المدرب السويسري لوسيان فافر في فترة سيئة من الموسم كان يعيشها «رجال فستفالن».
كان دورتموند مرشحاً لبلوغ نهائي دوري الأبطال في بداية الموسم بعدما سحق أتلتيكو مدريد برباعية في دور المجموعات، قبل أن يتراجع مستواه، فخسر فارق النقاط التي كان يتقدم بها على بايرن ميونيخ في صراع الـ«بوندسليغا»، وودع كأس ألمانيا وخرج من الـ«تشامبيونز ليغ» إثر هزيمته خارج ملعبه بثلاثية وعلى أرضه بهدف.
وأمام فورة أندية إنكلترا على الصعيد الأوروبي، رأى مدرب المنتخب غاريث ساوثغيت بأن تحضيرات فريقه لخوض نصف نهائي دوري الأمم الأوروبية أمام هولندا، قد تتأثر سلبا في حال وصول فريقين إنكليزيين إلى نهائي «الأبطال» في «واندا ميتروبوليتانو» في مدريد في 1 يونيو المقبل، علماً أن «منتخب الأسود الثلاثة» سيخوض دور الأربعة في البرتغال، في 6 منه.
أمام هذا الواقع، هل يجدر بإنكلترا أن تفرح في ظل تألق منتخبها وأنديتها؟ بالتأكيد، لكن ما هو الأكثر أهمية: الفوز بدوري الأبطال أو التتويج بدوري الأمم الأوروبية إيذاناً بالعودة إلى الواجهة العالمية؟