«هتشكوك» كان حاضراً في ميلانو... أيضاً
شهدت جولة الإياب من الدور ثُمن النهائي لدوري أبطال أوروبا في كرة القدم، قبل أيام، «سيناريو هتشكوكي»، نسبةً إلى السير ألفريد جوزيف هتشكوك، منتج ومخرج الأفلام الإنكليزي - الأميركي الشهير الذي كان رائداً في العديد من التقنيات والتشويق والإثارة النفسية في أعماله.
بدت المباراة التي استضافها «بارك دي برانس» في باريس التي أطلق عليها الأديبان المصريان طه حسين وأحمد أمين لقب «مدينة الجن والملائكة»، أشبه بـ«فيلم» وَضَعَ هتشكوك حوارَه والسيناريو الخاص به بيد أن تنفيذه تأجل سنوات تلت رحيل المبدع الإنكليزي في العام 1980.
تلك المباراة «الفريدة» جمعت بين أصحاب الضيافة باريس سان جرمان الفرنسي، وشاءت الصدفة أن يكون الضيف إنكليزياً، على غرار هتشكوك، ونقصد به مانشستر يونايتد.
تفاصيل «الرواية» أن «يونايتد» الذي يلقب لاعبوه بـ«الشياطين الحمر» سقطوا على أرضهم في «أولد ترافورد» في جولة الذهاب بهدفين دون رد، الأمر الذي وضعهم منطقياً خارج البطولة الأوروبية الأم، في ظل صعوبة التعويض خارج الديار وأمام فريق يعج بالنجوم من أمثال الفرنسي كيليان مبابي، الأوروغوياني أدينسون كافاني، الأرجنتيني أنخيل دي ماريا، البرازيليين داني ألفيش وتياغو سيلفا، الإيطاليين جيانلويجي بوفون وماركو فيراتي، بقيادة المدرب الألماني الفذ توماس توخيل.
وفوق كل ذلك، دخل «يونايتد» مباراة الإياب منقوص الصفوف لدواعٍ متفرقة توزعت بين الإيقاف والإصابات وشملت 10 لاعبين مثل الفرنسيين بول بوغبا وأنطوني مارسيال، الإسبانيين خوان ماتا وأندير هيريرا، التشيلي أليكسيس سانشيز، الصربي نيمانيا ماتيتش، وجيسي لينغارد.
ولسد هذا الفراغ الكبير، اضطر المدرب النروجي اولي غونار سولسكاير لاستدعاء خمسة لاعبين شبان من أكاديمية النادي الى التشكيلة الرسمية للمباراة هم الهولندي تاهيث تشونغ، جيمس غارنر، أنجل غوميز، مايسون غرينوود وبراندن وليامس.
حصلت «المعجزة» في باريس وتأهل مانشستر يونايتد بعد فوزه المدوي 3-1، ليكون بالتالي اول فريق يتأهل بعد خسارته بهدفين على أرضه في ذهاب دور اقصائي من المسابقة القارية.
وكانت هذه أول مرة منذ 2014 يبلغ «يونايتد» فيها ربع النهائي، فيما أقصي سان جرمان من ثمن النهائي للموسم الثالث تواليا، ولا تزال أفضل نتائجه بلوغ نصف النهائي في 1995، علما انه لم يتخط ربع النهائي في ظل الملكية القطرية منذ 2011.
إنجاز «يونايتد» انعكس تهليلاً في الصحف البريطانية حيث أشادت «تلغراف» بما اعتبرته «معجزة باريس».
أما «ميرور» فاستبدلت «أرك دو تريومف»، أي المَعْلَم الباريسي قوس النصر، بـ«مارك دو تريومف» في إشارة منها الى هدف ماركوس راشفورد من ركلة جزاء والذي جاء منه انجاز التأهل الى ربع النهائي، علماً أنها ركلة الجزاء الأولى على الإطلاق التي ينفذها ويسجل منها اللاعب منذ انضمامه الى صفوف «الشياطين الحمر».
هذا السيناريو «المثير» ليس وليداً على الساحة الأوروبية كما يعتقد كثيرون، وإن اختلفت المسابقة.
نعود الى الموسم 1988-1989، وتحديداً إلى بطولة كأس الاتحاد الأوروبي التي باتت تُعرف، اليوم، بـ«يوروبا ليغ».
فقد أوقعت قرعة الدور الثالث «كبيرين» وجهاً لوجه، بايرن ميونيخ الألماني وإنتر ميلان الإيطالي، وشاءت الصدفة أن يضم الأخير لاعبَين انتقلا إلى صفوفه قادمَين من الأول في مطلع الموسم ذاته، هما لوثار ماتيوس وأندرياس بريمه.
المواجهة اكتسبت حساسية مضاعفة كونها تجمع بين ممثلين عن الكرتين الأقوى في «القارة العجوز»، ولا شك في أن وجود ماتيوس وبريمه في صفوف إنتر أضاف إليها نكهة خاصة.
أقيمت مباراة الذهاب في «أولمبيا شتاديون» في ميونيخ والذي استعيض عنه، اليوم، بـ«آليانز آرينا»، بعدما تحول الى حديقة عامة وصرح تاريخي ومكان لإقامة الحفلات الموسيقية.
شهدت المواجهة فوزاً صريحاً لإنتر ميلان بقيادة المدرب جيوفاني تراباتوني بهدفي ألدو سيرينا (60) ونيكولا بيرتي (71).
كان بايرن ميونيخ، بقيادة المدرب يوب هاينكيس، منطقياً، خارج البطولة ولم يؤمن أحد بإمكان «العودة» في مباراة الإياب على استاد «جيوسيبي مياتزا» في ميلانو في 7 ديسمبر 1988، بيد أن الفريق البافاري انتفض، كاشفاً عن معدنه الأصلي، واستلزمه الأمر 7 دقائق فقط ليقلب الطاولة على خصمه اللومباردي من خلال تسجيل ثلاثة أهداف عبر رولاند فولفارت (33) وكلاوس أوغنتالر (37) ويورغن فيغمان (40)، وسط ذهول كل من في المدرجات.
ولم ينفع تقليص سيرينا للنتيجة الى 1-3 في الدقيقة 46 بشيء، لأن رجال الـ»بايرن» تمسكوا بالإنجاز حتى النهاية ليخطفوا بطاقة التأهل من «قلب» إيطاليا، نتيجة تسجيلهم 3 أهداف خارج ملعبهم، مقابل اثنين سجلهما إنتر، وهو الأمر نفسه الذي استفاد منه «يونايتد» في مواجهة سان جرمان.
صحيح أن «بايرن» لم يتوّج بلقب البطولة في تلك السنة، بيد أنّ سيناريو تأهله على حساب إنتر استحق دخول أرشيف «هتشكوك» الرياضي، وليكون تأهل «يونايتد» على حساب سان جرمان في 2019، مجرد «فيلم» مُستنسخ جديد بـ«سيناريو قديم» سيفرض نفسه على «رفّ» أكثر اللحظات الدراماتيكية منذ تحوّل «الجلد المدوّر» إلى «ساحر» غزا قلوب الملايين.