نعم... فؤاد السنيورة مذنب

تصغير
تكبير

في أواسط التسعينات، جرت العادة أن يتعرض اللبنانيون في أحاديثهم لشخص فؤاد السنيورة - وزير المالية آنذاك - على أنه وزير يثابر على إيجاد طرق جديدة لفرض الضرائب والرسوم عليهم. تلك الظاهرة الشعبية تزامنت مع بروز تيار شعبوي يقوده «فتى الناصرية الأغر» وصديق النظام السوري النائب نجاح واكيم الذي كان لا يفوت فرصة إعلامية من دون شتم السنيورة والتهكم عليه وعلى سياسة الحريري التي - وفق مدعي الحرية والعروبة والاشتراكية - تقف وراء الفساد والهدر المسيطر على دولة ما بعد الطائف.
بعد انتخاب الرئيس إميل لحود، انتقل تشبيح «أزلام» النظام السوري الإعلامي إلى الحقل القضائي، حيث أُوعز للقضاء اللبناني بتحريك قضايا فساد ضد رموز الحريرية، وعلى رأسهم الرئيس فؤاد السنيورة ووزير النفط آنذاك شاهي برسوميان الذي سجن حينها بتهمة هدر واختلاس المال العام.
قد يعتقد البعض أن الحملة التي يتعرض لها الرئيس فؤاد السنيورة حالياً بـ«إشارة أصبع» من ورثة النظام السوري في لبنان في وقتنا الحاضر (حزب الله) شبيهة إلى حد بعيد بالسابقة، لكنها في الحقيقة أكثر خطورة وعمقاً من استهدافه شخصياً لتطول الدولة برمتها في محاولة خطيرة لتقويضها أكثر والقضاء على الحركة السيادية التي يشكل الرئيس السنيورة أحد أعمدتها.


حملة «حزب الله» الخبيثة مهّد لها النائب حسن فضل الله مستخدماً منبر مجلس النواب لبدء هجوم على رموز الفساد، استكمله في مؤتمره الصحافي الأخير بتوجيه اتهامات بالفساد للسنيورة نفسه، زاعماً أنه يمتلك «في منزله» براهين ومستندات تدين السنيورة أمام الرأي العام والقضاء اللبناني بأنه المتهم الأول بالفساد والهدر العام.
مسرحية فضل الله أجبرت السنيورة على إصدار بيان يدافع فيه عن نفسه بعد أن تقاعس العديد من ورثة الرئيس الشهيد رفيق الحريري عن القيام بذلك. أيُّ متابع للداخل اللبناني يعرف جيدا أن «حزب الله» وسورية لديهما ثأر شخصي مع السنيورة، الرجل الذي وقف في مواجه هجومهم على الدولة بعد حرب يوليو ورفض الانصياع لمنطق السلاح والتهويل رغم أنف «التجار على طريق القدس».
إن الرئيس السنيورة هو فعلياً مذنب في العديد من الأفعال التي اقترفها خلال مسيرته السياسية، فهو حمى الاقتصاد اللبناني والمصارف ومنع الانهيار المالي بعد زلزال اغتيال الحريري، وهو الذي وقف مع حكومته إلى جانب المقاومة في وجه العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006 وذرف دموعا آنذاك - استهزأ بها أنصار الممايعة - وحمى لبنان. السنيورة مذنب من دون أدنى شك في إقناع المجتمع الدولي ودول الخليج بمساعدة لبنان بإعادة إعمار الضاحية الجنوبية والجنوب اللبناني بعد مغامرة «حزب الله» العسكرية. مبادرة إنسانية قام بها السنيورة وحلفاؤه من دون التفريق بين اللبنانيين، فقطف ثمارها «حزب الله». فهذه المبادرة ساهمت كثيرا في تمكين منظومته السياسية والعسكرية من إحكام قبضتها أكثر على الداخل الشيعي.
إن السنيورة مذنب من دون أدنى شك كونه من الأقلية التي تؤمن بالقومية العربية الحقيقية التي نادى بها قسطنطين زريق وزكي الأرسوزي وصحبهم. وهوس السنيورة بقوميته واسترساله بالدفاع عن حق الشعب الفلسطيني من الأمور القليلة التي كان الموفدون الغربيون يعايرونه بها، كونه مُطالبا كسياسي لبناني ورئيس حكومة التحدث بالشؤون اللبنانية. وفي «حزب الله» معلوم أن هناك منظومة أنانية ترفض أن يشاطرها أحد مقاومة العدو الصهيوني أو حتى الدفاع عن فلسطين، ومع هذه المنظومة فإن السنيورة هو كائن يقلق ويزعج «حزب الله» وكان يجوز عزله أو مهاجمته.
من خطايا السنيورة أيضاً، وقوفه بحزم إلى جانب رفاقه في «تيار المستقبل» إبان أزمة استقالة الرئيس سعد الحريري وتصريحاته النارية التي ترجمت موقفه الأخلاقي مع زعيم حزبه والأهم ابن صديقه رفيق الحريري.
لا شك أن السنيورة يجب أن يحاكم كونه من الحكماء القلائل الذين لم ينساقوا إلى وَهْم العهد القوي ورئيسه القوي، بل فضل عدم الدخول في الصفقات السياسية والتجارية لبعض تجار هيكل السياسة اللبنانية عبر التيقظ بأن تشجيعه على خوض الانتخابات النيابية السابقة بقانون نسبي ممسوخ هو كمين لهزمه وإلغائه سياسياً.
إذا كان السنيورة في قفص الاتهام -وفق فضل الله- فعلينا محاكمته باسم الشعب اللبناني على حرصه على حماية المصارف اللبنانية من وحش العقوبات الاقتصادية على إيران وحزبها اللبناني، وتحذيراته المستمرة من التغطية السياسية لتنظيم سياسي مسلح يسيطر على الدولة ويستجلب العقوبات والحروب المستقبلية.
في السابق درج الحديث بين اللبنانيين عن روح ثورة الأرز وانتفاضة الاستقلال، وهي بالرغم من هزيمة أحزابها لا تزال موجودة في نفوس المواطنيين الذين ملأوا الساحات والشوارع بعد اغتيال الحريري وثلة الشهداء الذين سقطوا بعده.
إن فؤاد السنيورة مذنب ككل لبناني يرفض أن يسقط لبنان أكثر وأكثر في قبضة المحور الإيراني - السوري الذي يسعى وراء لبنان كرهينة وورقة تفاوض فقط لا غير.
على اللبنانيين التيقظ وعدم الانجرار نحو ثقافة واكيم وفضل الله وغيرهم وزعمهم مكافحة الفساد واستعمالهم لأسلوب «حق يراد به باطل»، عليهم أن يقفوا دفاعاً عن السنيورة ليس كرمز لطائفة أو حتى خط سياسي معين بل لما يرمز إليه هذا الرجل كأحد آخر الساسة السياديين، ليس فقط في لبنان بل ربما في المنطقة أيضاً.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي