رحلة الوصول إلى «كانّ»... استلزمت 26 سنة
ترك اعتزال الحارس الألماني العملاق أوليفر كانّ، فراغاً قد لا يتمكن أحد من شغله في عالم كرة القدم.
يكفي أنه اختير أفضل لاعب في مونديال 2002، ليكون الحارس الوحيد في التاريخ الذي يفوز بهذه الجائزة.
فرض كانّ نفسه «وحشاً» بين الخشبات الثلاث، معتمداً على بنيته الجسدية الهائلة، وملامح وجهه الحادة، وشخصيته القيادية الفريدة.
جيلٌ كامل تأثر بالحارس «الأمين» الذي غدا أيقونةً، حتى أن زميله السابق في منتخب ألمانيا كريستيان تسيغه قال عنه: «لو تواجد 11 أوليفر كانّ في المنتخب، لأحرز كأس العالم بكل أريحية»، في إشارة إلى نسخة 2002 التي ذهب لقبها الى البرازيل بعد فوزها على المانيا بالذات في النهائي بهدفين نظيفين.
عبدالله دشتي، شاب كويتي عُرف عنه عشقه لمنتخب ألمانيا وفريق بايرن ميونيخ، منذ الصغر.
هذا العشق نما مع الأيام إلى أن أسفر عن مساهمة في تأسيس رابطة لمشجعي الـ«بايرن» في الكويت، حيث شغل دشتي منصب الرئيس فيها لفترة، علماً أنه ما زال حتى اليوم، عضواً فاعلاً فيها.
بيد أن ميوله الألمانية - البافارية لم تتوقف هنا، بل ذهبت به مرات عديدة إلى ألمانيا لحضور مباريات فريقه المفضل «على الطبيعة»، إلى أن تحقق حلم الطفولة عنما أمضى حوالي 40 دقيقة كاملة مع «أسطورته» المفضلة أوليفر كانّ.
موعد مسبق
وبموجب موعد مسبق جرى تحديده في نوفمبر 2018، يقول دشتي «وصلنا الى مبنى المؤسسة الخاصة بأوليفر كانّ في اوستبانهوف - ميونيخ حيث حرصت السكرتيرة وتُدعى سيمون على استقبالي وابنتي في الخارج قبل الوصول الى الدور الثاني. دخلنا مكتباً شبه زجاجي بجدران بيضاء وكاميرات تسجيل، حتى خُيّل إلي بأننا في معمعة تسجيل أحد البرامج التلفزيونية. ثم وصلنا إلى قاعة الاجتماعات المليئة بالكتب وعدد من ملصقات الأسطورة. وما هي الا 5 دقائق حتى دخل العملاق بابتسامة عريضة وقال بالانكليزية: welcome my friend».
كانت فرحة دشتي أكبر من أن توصف، وتفاجأ بتواضع كانّ الذي اعتذر عن عدم إجراء اللقاء في مكتبه نظراً لانشغاله بتصوير برنامجه الخاص.
كان الشاب الكويتي يحمل الكثير من الأسئلة إلى الحارس الفائز بدوري أبطال أوروبا 2001، محاولاً التعرف الى تفاصيل لطالما أثارت فضوله، بيد أنه لم يتمالك نفسه في البداية حيث أقر بأنه انتظر هذه اللحظة 26 سنة. حديث وديّ دار بين الجانبين، وبدا أوليفر كانّ هادئاً وأوحى إلى ضيفه بأنه ليس على عجلة من أمره، قبل أن تبدأ الأسئلة بالانهمار عليه.
الحب الكبير
كشف دشتي لمضيفه العشق الكبير الذي يكنّه له ولبايرن ميونيخ، والحب الكبير الذي يحمله افراد الرابطة للنادي البافاري، وحرصهم على السفر لحضور مبارياته في أي رقعة من العالم. كما لم ينسَ الإشارة الى حضور الرابطة للسنة السادسة توالياً للمعسكر الشتوي للفريق في الدوحة.
وأطلع مضيفه بأن «رابطة مشجعي بايرن في الكويت هي أول رابطة معتمدة رسمياً لنادٍ أوروبي»، فردّ كانّ: «يبدو أنكم متيّمون بالفريق. انه الحب الذي نبحث عنه في كرة القدم»، ليتابع دشتي: «سيد كانّ، نحن لا ننسى ما قدمته أنت شخصياً للكرة الألمانية، سواء مع المنتخب أو مع بايرن، لذا تم اختيارك من قبل رابطتنا كأفضل لاعب بافاري في السنوات الـ25 الأخيرة. ما رأيك؟»، ردّ: «لم أقم بشيء. هذا عملي، وعملي يتمثل في أن أحمي المرمى».
ثم قدم دشتي الهدية الرمزية لأوليفر نظير اختياره افضل لاعب، فرد قائلاً: «بعد اعتزالي بعشر سنوات، لا تزال الجماهير تستوقفني وتشكرني وتكرّمني».
ثم أخرج دشتي نسخة من القفازات التي استخدمها كانّ في كأس القارات 2005 بعدما اشتراها من إحدى الأسواق الكويتية وقال موجّها كلامه الى الحارس السابق: «هذه نسخة من قفازاتك السابقة. خبأتها كل هذه السنين على أمل أن التقي بك وأحصل على توقيعك عليها. ها هي أمامك، فاسمحي لي بتوقيعين من الجهتين».
شتيغن رقم 1
بدأ الحديث «الجدي» وجاء أول الأسئلة عن رأيه في حارس منتخب المانيا وبايرن ميونيخ مانويل نوير، فقال: «نلاحظ هبوطاً خطيراً في مستواه. فقد نص قدرته. ثبات مستوى اندري تير- شتيغن (برشلونة الاسباني) يزيد الضغط عليه. تبقى خبرة نوير كبيرة، لكن برأيي، يستحق شتيغن الرقم 1 في المنتخب»، وأضاف: «المنافسة بين نوير وشتيغن تشبه الى حد ما المنافسة التي كانت قائمة بيني وبين ينز ليمان. في النهاية، يعود الى المدرب أن يختار. لكن أرى بأن الحراسة الالمانية في أمان حالياً. نوير غني عن التعريف، وشتيغن يؤدي بامتياز».
معلوم أن كانّ شغل مركز الحارس الاساسي في المنتخب لفترة طويلة قبل أن يفقده بمفاجأة هزّت العالم، لصالح ليمان قبيل انطلاق مونديال 2006 في ألمانيا.
بدا وكأن عملاقاً قد «انتهى» غير أن عشاق «المستديرة» ما زالوا يتذكرون كيف تعالى كانّ على جراحه وقدم الدعم لليمان في مباراة ربع النهائي أمام الأرجنتين قبل أن يهنئه بالتأهل.
يقارب كانّ حراسة المرمى بنظرة خاصة ويقول: «ليست كالسابق. بات منوطاً بالحارس أن يكون اللاعب الذي يبدأ بالهجوم. حتى مستلزمات الحراسة تغيرت. وهذا هو السبب خلف تأسيسي لأكاديمية تطوير الحراس الناشئين».
فوز وخسارة
يملك كانّ رؤية محددة لكرة القدم تناقض الصورة التي ظهر عليها في الملاعب كـ«مارد يرفض الهزيمة»، وقال: «تبقى رياضة، وبالتالي الفوز والخسارة واردان. تخسر دوري أبطال أوروبا، لكنك تعوّض بعد سنة أو سنتين. تخسر كأس العالم، ثم تبدأ بالتفكير في التعويض بعد 4 سنوات. من حقك أن تفرح بالفوز، لكن لا بد من تقبّل الهزيمة».
وتابع: «تبقى المرارة التي عشتها في 1999 الأقسى. خسرنا نهائي دوري الأبطال، وبعدها بأيام خسرنا نهائي كأس ألمانيا».
يذكر ان كانّ خاض النهائي التاريخي لدوري الأبطال والذي خسره بايرن ميونيخ امام مانشستر يونايتد الانكليزي 1-2 بعدما بقي متقدما حتى اللحظات الأخيرة بهدف على استاد «كامب نو» في 26 مايو 1999، كما قاسى الخسارة في نهائي كأس المانيا في 12 يونيو من العام نفسه أمام فيردر بريمن بركلات الترجيح 4-5 بعد التعادل 1-1، على استاد برلين الاولمبي.
وتطرّق في الحديث إلى كأس العالم 2002 في كوريا الجنوبية واليابان قائلاً: «كانت إحدى أبرز المحطات في حياتي. حاولت القيام بكل شيء مع لاعبين كانوا يملكون حب الوطن في قلوبهم، لكن شاءت الأقدار أن نخسر في النهائي».
مشروع ضخم
انتقل الحديث مع أوليفر الى منطقة الشرق الأوسط، حيث تحدث عن المشروع الضخم لمؤسسته في السعودية لتطوير الحرّاس، كاشفاً عن أن المشروع قد يستمر 10 سنوات.
وقال إنه لم يسبق له زيارة الكويت، واضاف: «لا اعتقد أنني لعبت ضد منتخبها»، بيد أن دشتي ذكّره بالمباراة الودية التي أقيمت في ألمانيا وأسفرت عن فوز صاحبة الضيافة على «الأزرق» بسباعية، وكان أوليفر يومها حارس الـ«ناسيونال مانشافت»، فما كان منه إلا أن داعب دشتي قائلاً: «أعتقد بأني كنت نائما».
وسأل أوليفر عن أحوال الكرة الكويتية وعن الفريق الذي يشبه الـ»بايرن» في الكويت لجهة الزعامة، فرد دشتي بأن العربي كان «الزعيم» لكن مرت 17 سنة دون إحرازه لقب الدوري، فقاطعه الحارس السابق قائلاً: «أعلم بأن ثمة صراعات في الشرق الأوسط بين تجار وسياسيين. هناك نزاعات كبيرة في تلك المنطقة. لكن أنظر الى قطر. وصلت الى قمة آسيا بالتخطيط السليم. حققوا أيضاً المركز الثاني في مونديال كرة اليد».
سؤال أخير: «هل سنراك قريباً في منصب إداري في بايرن ميونيخ؟»، أجاب كانّ بابتسامة لطيفة: «نعم، لكن ليس في الشهر الراهن».
انتهى اللقاء، فقال دشتي للحارس «الرمز»: «أشكرك على رحابة صدرك ووقتك الثمين. دموعي ثابتة، لن أدعها تنزل لأن ابنتي معي».
هنا، ردّ أوليفر: «لن تخرج من عندي إلا وأنت راضٍ كل الرضا»، فأهداه قرصاً مدمجاً (سي دي) خاص به مع توقيعه، فضلاً عن كرة موقعة منه أيضاً.
كان لقاء تاريخياً لطالما حلم به دشتي مع حارس عملاق اعتاد، قبل سنوات، التسمّر خلف شاشة التلفاز لمتابعة تصدياته.
بات لأحلام دشتي «ذكرى لقاء» لن ينساها... مع لاعب سيخلّده التاريخ كواحد من أفضل حرّاس المرمى على الإطلاق.