هجرة شبابية إنكليزية... إلى ألمانيا
- الألمان المتوّجون بكأس أوروبا تحت 21 سنة خاضوا أكثر من 1000 مباراة في الـ«بوندسليغا»... فيما لم يخض الإنكليز أكثر من 200 مباراة في الـ «بريمير ليغ»
عُرف عن كرة القدم الإنكليزية، قبل سنوات، بأنها مُصدِّرة للاعبين والمدربين.
ولا يُعتبر كريس وادل النجم الوحيد الذي مارس مهنته خارج انكلترا. وبالنسبة الى كثيرين من أترابه، لا تُحصر «الهجرة» في اللعب لأحد قطبَي غلاسكو، ونقصد بهما ناديي رينجرز وسلتيك الاسكتلنديين، بل تتعداها لتصل الى اسبانيا، فرنسا وإيطاليا.
ثمة أمثلة عدة، أبرزها غاري لينيكر، تريفور فرانسيس، غلين هودل، ديفيد بلات، مارك هايتلي، راي ويلكنز، بول غاسكوين، وآخرون ممن كانت لهم تجارب بعيداً عن الجزيرة البريطانية.
لكن هذا المنحى وصل إلى ما يشبه النهاية بعد النقلة التي لحقت بالـ«بريمير ليغ»، وتحديداً الجانب المالي من الدوري، الأمر الذي حدَّ من ظاهرة «اغتراب اللاعب المواطن».
وتبدو رياح التغيير وكأنها عادت لتهبّ مجدداً بدليل حركة «الهجرة» التي تشهدها الملاعب الإنكليزية في الوقت الراهن، وتحديداً فئة اللاعبين المحليين الصاعدين أصحاب الموهبة الفريدة.
واللافت أن هؤلاء يفضّلون التوقيع لأندية أوروبية حيث يشاركون كأساسيين ويحصلون على رواتب أقل قيمة مقارنةً برواتب أعلى في أنديتهم الإنكليزية حيث تبدو فرص المشاركة في المباريات ضئيلة جداً.
هذه الظاهرة لا تعتبر طارئة، فقد اعتادت الأندية في انكلترا على «ابتعاث» لاعبيها الصاعدين الى أندية أوروبية أخرى لاكتساب الخبرة وذلك بموجب اتفاقات توأمة، وهو ما يحصل عادة بين تشلسي وفيتيس آرنهم الهولندي، او بين مانشستر يونايتد ورويال انتويرب البلجيكي الذي استضاف، على سبيل المثال، 29 لاعباً من صفوف «الشياطين الحمر» بين 1997 و2009.
هامش الحرية
اليوم، لم تعد مهمة الأندية الأوروبية محصورة في انتقاء الأنسب مما هو متاح فحسب، بل ان اللاعب الصاعد بات يملك هامشاً من الحرية ليتخذ قرارات تفيد مصلحته، مدفوعاً بوكلاء أعمال يجنون الملايين من صفقات الانتقال.
وتجدر الاشارة هنا الى ان هؤلاء الوكلاء حصلوا صيف العام 2016 على 1.5 مليار يورو نظير انتقالات اللاعبين في أوروبا، الأمر الذي حدا بالاتحاد الدولي (الفيفا) الى التدخل بغية وضع حد لهذه الظاهرة.
أديمولا لوكمان (21 عاما)، مثلاً، قرر التخلي عن إيفرتون بعدما شعر بالإهمال من قبل المدرب سام ألاردايس، ووقع عقد إعارة مع ريد بُل لايبزيغ الالماني حيث برز بصورة فورية، مسجلاً هدف الفوز على بوروسيا مونشنغلادباخ بعد دقائق من مشاركته الأولى في يناير 2018، قبل أن يصبح ورقة مهمة في تشكيلة المدرب رالف رانغنيك.
لوكمان عاد إلى إيفرتون مطلع الموسم الراهن ويُعتبر من أبرز أهداف ميلان الإيطالي.
وفي الموسم الجاري، جاء الدور على رييس نيلسون (19 عاما)، المعار من أرسنال، ليتألق في الـ«بوندسليغا» ويسجل العديد من الأهداف لصالح هوفنهايم، بينما نجح جايدون سانشو (18 عاما) في غزو قلوب مشجعي بوروسيا دورتموند المتصدر، بأدائه الراقي وأهدافه، الأمر الذي مهد له الطريق ليصبح أول من يرتدي قميص منتخب إنكلترا من دون أن يشارك ولو حتى لدقيقة واحدة في دوري بلاده.
كان واضحاً بأن سانشو الذي تأسس في واتفورد ومانشستر سيتي، يحمل بذور نجم مستقبلي، وليس ناديه من قرر التخلي عنه، بل هو من اختار، في عمر الـ16، ممارسة مهنته في ألمانيا فوقّع عقداً مع دورتموند يمتد حتى 2022.
وبين 23 لاعباً توّجوا ببطولة كأس العالم تحت 17 عاما سنة 2017، يعتبر سانشو الوحيد الذي يلعب أساسياً مع فريق كبير. وهذا واقع مرير قد يحدّ من تطور هذه المجموعة من اللاعبين الناشئين الذين يعتبرون ابرز ما أنتجته انكلترا منذ سنوات طويلة.
واللافت أن لاعبين آخرين ساروا على خطى سانشو ووقعوا لأندية مختلفة في الـ«بوندسليغا»، الأمر الذي بدأ يقلق مدرب المنتخب غاريث ساوثغيت.
الأولوية لـ«الجاهز»
في دراسة لـ«ظاهرة هجرة الناشئين»، تبيّن بأن أندية الدوري الممتاز تركز أكثر على اللاعب الجاهز، والجاهز، بطبيعة الحال، غير متوافر محلياً بل في الدوريات الأخرى، وبالتالي يعتبر مفضلاً لديها إذا ما قورن بـ«المحلي».
وأشارت الدراسة إلى أن «غير البريطانيين» خاضوا 61.2 في المئة من زمن مباريات الموسم 2016-2017، وهو ما يفسر منحى الأندية للاستعانة بنجوم «من الخارج». ففي مانشستر سيتي، على سبيل المثال، وصلت النسبة الى 78.4 في المئة، فيما بلغت 90.4 في المئة في تشلسي.
والوجه السيئ في هذا الواقع يتمثل في كون «سيتي» وتشلسي يملكان أفضل أكاديميات تفريخ اللاعبين في انكلترا.
حتى أن لاعباً بموهبة فريدة مثل تلك التي يتمتع بها فيل فودين، الفائز بكأس العالم تحت 17 عاما والذي اختير أفضل لاعب فيها، عليه الاكتفاء بدقائق معدودة في مباريات مانشستر سيتي ضمن الدوري الممتاز ودوري أبطال أوروبا، رغم اعجاب المدرب الاسباني جوسيب غوارديولا به.
أما راين بروستر، هداف مونديال تحت 17 سنة، فلم يشارك بتاتاً مع ليفربول، غير أنه لم يدخل في إطار صفقات الإعارة التي دأب على اعتمادها «سيتي» (24 لاعباً معاراً من أكاديمية النادي الى أندية أجنبية، وخصوصاً هولندية) وتشلسي (19 لاعباً معاراً من أكاديميته).
اللافت أن روبن لوفتوس- تشيك (23 عاما) خاص مباريات دولية مع منتخب انكلترا أكثر مما خاضه من مباريات مع فريقه تشلسي في الدوري الممتاز.
هذا مؤشر واضح على العوائق التي تقف أمام تطور المواهب الإنكليزية الصاعدة التي سيطرت على مختلف البطولات الدولية في السنوات الأخيرة. لذا، لم يعد الاحتراف الخارجي خياراً، بل بات فرصة حقيقية لهؤلاء اللاعبين الذي يبدو أنهم ما عادوا يخشون «الاغتراب».
الرديف المثالي
صحيح أن تجارب «الهجرة» لم تثمر بشكل مطلق، إذ عانى لاعبون عدة من التجربة فقفلوا عائدين الى انكلترا حيث عاد بعضهم ليبرز فيما «اختفى» البعض الآخر، لكن الواضح ان الدوري الالماني يشكل رديفاً مثالياً لتلك العناصر الصاعدة، وذلك لأسباب عدة أبرزها اللعب الهجومي، والملاعب المكتظة بالمشجعين، وهاتان سمتان تجعلان الـ«بريمير ليغ» والـ«بوندسليغا» بطولتين متشابهتين. غير أن الفارق الجوهري بينهما يتمثل في أن ألمانيا لا تخشى الاعتماد على اللاعب الصاعد، شأنها في ذلك شأن هولندا.
الجدير ذكره أن لاعبي منتخب المانيا الذين توّجوا ببطولة كأس أوروبا تحت 21 سنة في 2017 خاضوا أكثر من ألف مباراة في الـ«بوندسليغا». أما الانكليز الحاضرون في البطولة ذاتها، فلم يخوضوا أكثر من 200 مباراة في الـ«بريمير ليغ».