ريال مدريد تائه بين «ضرورتين» ... التتويج العابر والبِناء المدروس
يعيش ريال مدريد الإسباني، بطل أوروبا لكرة القدم في المواسم الثلاثة الماضية، فترة «عدم وضوح في الرؤية» نتيجة الأهداف غير المحدّدة التي يسعى الى تحقيقها في الموسم 2018-2019.
صحيح أن «الملكي» يعتبر، بصفة دائمة، مرشحاً طبيعياً لإحراز الألقاب كافة التي يخوض غمار بطولاتها، بيد أن الفريق يبدو في موقع غير مؤهل لإنهاء الموسم الراهن في النقطة الأعلى من منصة تتويج أي من المسابقات الثلاث (الدوري الإسباني، كأس إسبانيا، ودوري أبطال اوروبا).
صحيح أن النادي المدريدي توّج بكأس العالم للأندية في أبو ظبي في الآونة الأخيرة، بيد أن أهمية اللقب ليست كفيلة بصبغ الموسم بالناجح في حال الفشل في الاستحقاقات الثلاثة الراهنة.
رحيل المدرب الفرنسي زين الدين زيدان بعد ثلاثة مواسم ناجحة في «سانتياغو برنابيو»، وتعيين خولين لوبيتيغي بدلاً منه، اعتبر بداية لحقبة جديدة.
لوبيتيغي صاحب السجل الناصع مع منتخب إسبانيا والذي أقيل من قيادة «لا روخا» قبيل انطلاق كأس العالم 2018 نتيجة عدم حصوله على إذن الاتحاد المحلي للعبة للتفاوض مع ريال مدريد، كان يحمل بالتأكيد «خطة معينة» للموسم.
لم تسعفه النتائج في بداية مهمته، ودفع ثمن التأثير السلبي الذي خلّفه رحيل البرتغالي كريستيانو رونالدو الى يوفنتوس الايطالي، على الرغم من الاحتفاظ بأفضل لاعب في العالم الكرواتي لوكا مودريتش.
لوبيتيغي كان يحمل بالتأكيد مخططاً معيّناً للموسم الأول له مع «الملكي»، وربما لما هو قادم من مواسم، قبل أن يُتخذ القرار برحيله، فجرت الاستعانة بـ«ابن النادي»، الارجنتيني سانتياغو سولاري الذي لم يُعرف ما إذا كان قادماً لينقذ الفريق من الخروج خالي الوفاض من الألقاب في الموسم الراهن، أو أنه جاء للبناء للمستقبل.
حتى القرارات التكتيكية المتخذة خلال «عهد سولاري» تبدو مشوّشة. فقد حيّد «إيسكو» بصورة شبه تامة بعدما عاش اللاعب مواسم عزّ في مدريد ونجح في فرض نفسه عنصراً أساسياً في الصناعة والتسجيل، وصولاً الى فرض نفسه حلقة أساسية في سلسلة منتخب إسبانيا وقلبه النابض.
وفي الآونة الأخيرة، فضّل سولاري الزج بالصاعد سيرجيو ريغيلون في مركز الظهير الأيسر مكان البرازيلي مارسيلو.
تقارير أشارت الى أن استبعاد مارسيلو جاء نتيجة ارتفاع في الوزن، فيما انتشرت أنباء مفادها أن اللاعب ينوي الالتحاق بـ«صديقه» رونالدو في يوفنتوس.
لا يخفى على أحد بأن سولاري يمتلك عقلية معينة، وقد دأب منذ توليه مقدرات الفريق على فرضها، وتتمثل في الزج بعناصر شابة، لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل أن هذه السياسة ستستمر؟ في الواقع أن سولاري نفسه قد لا يستمر الى أبعد من الموسم الراهن في ظل الحديث عن احتمال عودة البرتغالي جوزيه مورينيو الى «الملكي» برغبة من رئيس النادي فلورنتينو بيريز الذي لم ينسَ بأن الأخير نجح خلال الفترة التي أمضاها مع النادي في كبح جماح برشلونة في مناسبات عدة عندما كان الاخير في مرحلة أكل «الأخضر واليابس» محلياً وأوروبياً.
سياسة سولاري الراهنة لن تكون كفيلة بتذويب فارق النقاط العشر الذي يفصل بين برشلونة متصدر الدوري وريال مدريد الثالث، كما انها لا تلبي متطلبات وشروط الذهاب بعيدا في مسابقة بوزن وقوة دوري أبطال أوروبا حيث سيحتاج تحديداً وحصراً الى لاعبي خبرة اعتادوا على ضغوطات البطولة الأهم.
وبالتالي، ينبغي على سولاري مقاربة الاستحقاقات، المحلية منها والقارية، بعين واحدة وزاوية واحدة، خصوصاً أن «الثورة» التي يحاول إحداثها في الدوري لن تجدي نفعاً على مستوى دوري الأبطال، وهو يعلم بأنه لم يتبقَّ من عمر الموسم إلا القليل، وأنه في نادٍ من طينة ريال مدريد حيث لا تتم عملية البناء للمستقبل بين ليلة وضحاها بل تستلزم مواسم عدة وإحلالاً سلساً بين جيل وآخر.
لا شك في أن الحظوظ تبدو ضئيلة على جبهة الدوري المحلي حيث سينحصر اللقب بين برشلونة وأتلتيكو مدريد مع أفضلية طبيعية للأول. وعلى جبهة دوري الأبطال، خسر ريال مدريد أفضل اسلحته رونالدو والذي يتلازم مع طموحات الأندية الأخرى التي أعدت العدة لوضع حد لهيمنة «الملكي» على اللقب القاري.
صحيح أن العملاق المدريدي سيكون مدعواً الى امتحان يبدو في المتناول امام أياكس أمستردام الهولندي في الدور ثمن النهائي غير أن القرعة قد لا تخدمه في الأدوار التالية، حيث لن يبقي غربال المنافسة الا «كبار القوم».
أما كأس اسبانيا، فلن تمثل تعويضاً مثالياً لنادٍ اعتاد ولوج أعلى المنصات.
يُحكى بأن بيريز ينوي إبرام تعاقدات ضخمة خلال الصيف وبرزت اسماء كبيرة مرشحة لارتداء قميص الفريق، من أمثال البلجيكي إيدين هازار، الانكليزي هاري كاين، البرازيلي نيمار دا سيلفا، الفرنسي كيليان مبابي وغيرهم، لكن ما تبقى من عمر الموسم الراهن هو ما يفرض علامات استفهام عن مصير «ريال».
هذا الموسم قد يكون للنسيان في حال انتهائه من دون لقب كبير. وفي حال حدث العكس وتوّج ريال مدريد، فإن ذلك لا يمكن أن يدخل من باب الاستحقاق وحسن التخطيط، بل من قبيل الصدفة... والصدفة لا يجدر البناء عليها.