جردة مؤلمة حصادها الفراغ

الثقافة في عام... إبداعات لم تصل إلى مرحلة النضج

u0645u0646 u0623u0639u0645u0627u0644 u0627u0644u0641u0646u0627u0646 u0633u0627u0645u064a u0645u062du0645u062f
من أعمال الفنان سامي محمد
تصغير
تكبير

لم يكن العام - الذي لملم أيامه راحلا - إلا أوقاتاً وضعت في طرقاتها النادر من الأفراح... والكثير من الهموم والآلام، تلك التي يحمل الإنسان آثارها، وليس باستطاعته التخلص من عبئها، والوصول إلى مرحلة يكون فيها السلام هو المسيطر على كل ما عداه من كراهية وأحقاد وحروب وأباطيل.
غير أن هذا العام - الذي ودعناه للتو- على مستوى الثقافة العربية كان مخيباً للآمال فلا إنجازات تتواصل مع ما وقع فيه المجتمع العربي من أحداث استثنائية، والتي هي في معظمها غير مفهومة بالمرة.
 الرواية والقصة القصيرة والشعر والنصوص المسرحية... لم تبد أي انزعاج في مشاعر المبدعين العرب، ذلك الانزعاج الذي من خلاله تتفجر اللغة وتتوهج المعاني وتنتظم الكلمات، لتخرج إبداعات تعبر خير تعبير عن المرحلة الصعبة التي يعيشها العربي في مختلف المواقع التي يوجد فيها، فاشتعلت الأحداث مسيطرة على الواقع والمعقول والخيال، لتصبح حالات لا يمكن للإنسان البسيط أن يستوعبها ويقرأ محتواها، وبالتالي ركن المبدع العربي إلى نفسه، أو قل إنه راهن على صمته أو اندراجه في قوائم الساكتين عن الحق، أو الباحثين عن مصالحهم، أو المنتظرين لنصيبهم من أحلام البسطاء التي تتقطع أوصالها، ولكي يشغل نفسه- بأي شيء – يثبت فيه أنه يعيش ويتنفس، جاءت الإبداعات رواية قصة قصيرة شعر نصوص مسرحية وغيرها، ممزقة غير معبرة على وجه الإطلاق عن المرحلة التي نحن نعيشها.
مرّ العام ... بينما الأدب العربي لم يتمكن من التعبير الجاد والمخلص عن الإنسان الذي تقهره الأحداث، وتأكل أمانيه وأحلامه وطموحاته في حياة كريمة له ولأسرته، وتسرقه من نفسه، إلى الدرجة التي تبادلت فيها المشاعر مواقعها، ليأخذ الكذب موقع الصدق، والتزييف موقع الحقيقة، واللا معقول موقع المعقول... ألخ.
عربياً لا نعوّل على أي عمل أدبي نشر في جرائد أو مجلات أو دوريات أو كتب ورقية، أو في مواقع إلكترونية، أو شارك به صاحبه في أمسيات أدبية، أو جوائز - تلك التي انتشرت بشكل مفجع - ليكون لسان حال الإنسان العربي الذي يريد من يعبر له عن واقعه الذي يعيشه ولا يفهم مضامينه أو خيوطه المتشابكة، ودهاليزه الوعرة.
إننا - بشكل مطلق وجامع ومن دون استثناءات أو تبعيض أو تخصيص، أو اختلاق أعذار، ومن دون حتى أن نجهد أذهاننا في التفكير - لا يمكن لنا أن نشير - حتى على استحياء - إلى عمل أدبي تحقق من خلاله بعض مما يتعين على الإبداع تحقيقه خلال هذه الأحداث التي تتواصل في وتيرتها بسرعة تفوق الوصف، وما تبقى فقط كتابات تعرض الحالة في انطفاء ملحوظ، وضعف لا يمكن له أن يقرأ الحياة الآنية قراءة متأنية تضيف إلى الوجدان العام المعرفة والتفاعل، وتجعله في تماس مباشر مع الأحداث.
رحل العام، وسيمرّ كما مرت سنوات أخرى على الأقل منذ عام 2011 حتى الآن، بينما الأدب العربي في عجزه التام صامت لا يتكلم إلا بالإشارة، والإيماءة التي لا يفصح عن الواقع إفصاحا تاماً، فالعجز الذي أصاب المبدعين العرب بلا استثناء هو عجز أثر بشكل صريح على حياة المجتمع، وهو نتيجة حتمية للانقسام الذي أصابهم، تأييداً ومعارضة، حسب المصالح والمكاسب، وليس حسب ما تتطلبه الأحوال، وحتى أولئك الأدباء والكتاب الذين كانت لهم أدوار في ما مضى رأيناهم يؤثرون السلامة، ولا يحرصون على توضيح ما يمكن توضيحه للمجتمع، من خلال الأدب الذي يبقى ملتصقاً في الأذهان.
ورغم تطور أدوات التواصل... إلا أن الأدب العربي في حالة تراجع مستمر، وفي حالة خذلان وتقهقر واضمحلال... إنه يلعب في منطقة بعيدة عن الواقع أو حتى الخيال، إنه يلعب في منطقة مقفرة قاحلة لا حلم فيها ولا رجاء.
إنه يلعب في تلك المنطقة التي تتحدد من خلالها المصلحة والمردود والمكاسب والغنائم والأطماع، مبتعداً تماماً عن تلك المنطقة التي يتواجد فيها المجتمع بهمومه وآلامه، وإن تحدث عنها فهو حديث باهت لم يتمكن على وجه الإطلاق من اختراق حواجز القلب ولم يصل إلى الأسماع بنبراته المهترئة المشوشة.
وحينما نتحدث عن جردة العام الذي أفل... لن نجد أمامنا إلا أن نحصي عدد الوفيات من الأدباء، وأعداد الكتب التي صدرت بمحتواها الباهت الذي لا يقدم أو يؤخر في مسيرة المجتمع، ومهرجانات أقيمت هنا وهناك، وأمسيات شارك فيها أدباء وحتى غير أدباء، ومحاضرات وندوات، ودراسات طرحت... وجوائز تتبارى لنيلها الأسماء، ولكننا لن نستطيع أن نحصي أي عمل قفز من منصة الصمت كي يحقق التفاعل الذي نريده، ويجد صداه الإنساني والمجتمعي المطلوب.
فالجردة عالمياً تسيطر عليها مسألة حجب جائزة نوبل للآداب، وغير ذلك - لن نكون منصفين - لو أدرجنا أعمالاً لم تجد رواجاً حقيقياً في وجدان الإنسان بصفته وحالاته وهمومه وتطلعاته، والأمر ينسرب على الشأن العربي الذي لا يزال في بياته لا يراوح مكانه، بينما تظل مواضيع لا علاقة لها بالإبداع هي المسيطرة على الساحة، مثل الصراعات على المناصب والجوائز والتحفز لخوض معارك مع من نختلف معهم في الرأي، ومعارض كتب باهتة، ومهرجانات تكرر أسماء المشاركين فيها... ألخ.
رحل العام، بينما الكل لا يزال... يلصق نفسه بصفات مثل الأديب والكاتب والمفكر والرائد والشجاع والمتمكن والمبدع والصامد والعارف والمجدد ومفجّر اللغة... ألخ، ولا أحد يريد أن يعترف بأن كل ما دوّن على ورق ونشر في كتب ومرّ على مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت، وتفوه به المفوهون في الأمسيات والندوات والمهرجانات، لم يكن إلا كلاماً، ليس من ورائه إلا الكلام، ولم يحقق أي قيمة يمكن ذكرها.
هذه النظرة التي نودع فيها عاما ونستقبل آخر جديدا،، ليست بمتشائمة، بقدر ما هي نظرة واقعية وحقيقية، وهي بالفعل موجودة، ولكن من يرى ومن يحس؟

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي