الحوار... تلازمية التعايش
لا نستطيع أن ننكر أرق وسعي الكثير من المنظرين والمفكرين ومؤسسات المجتمع المدني والرسمي من مجابهة أصحاب الفكر المتطرف وإزالة جميع أشكاله وأطروحاته المناهضة للإصلاح المجتمعي، وهي تسير بقناعات خلاف مسيرة الحياة.
يعد التعايش العمود الفقري الذي تعتمد عليه منظومة القيم في عالم الإنسان، ويمكننا اعتباره أداة باعثة ومحفزة ومنتجة للتغيير والتنمية المستدامة على الصعيد الشخصي والوطني.
يمكننا أن نعتبر معيار الحوار المجتمعي والتعايش و الاندماج وجودة الحياة خارطة طريق لمعالم وقواعد في احترام حقوق كل المكونات لبعضها البعض.
التعايش المشترك واقع ملزم وليس ترفا فكريا وتنظيرا مقابل الحلول الواقعية التي تؤسس لقواعد قابلة للتنفيذ.
يواجه الإنسان في مسيرة حياته تحديات وانكسارات لا متناهية تؤثر على صفاء روحة وسلامه الداخلي وعلاقاته بالآخرين، التي تحتاج إلى عمل دؤوب يلازمنا في زمن شاع فيه فقدان الأمل في نفوس كثير من المجتمعات، لوجود الصراعات المادية والتطرف الديني والشحناء والتباغض وضوضاء الكراهية الصانعة لموت الحياة، وانحسار الحوار المجتمعي وهو عكس منطق العقل ومسيرة الحياة.
فالاختلاف والتنوع هما القوة المنتجة للتكامل ووحدة المجتمع والنمو الحضاري في صناعة الحياة من دون إملاءات من الآخرين، لاسيما نحن في عصر بأمس الحاجة الملحة إلى تفعيل منظومة القيم الإسلامية والسلوكيات المجتمعية والقانونية من دون وضع عقبات وقيود، فالمسؤولية للخروج من النفق المظلم ليس لعن الظلام والتواكل على الآخرين، إنما نحتاج إلى خارطة طريق ننير بها الوعي ونمارس فيها الشفافية لانتشال الأمة والتحليق بالحوار البناء والنهوض بجميع مكونات المجتمع نحو المشاركة الحقيقية، لرفع مستوى التواصل والاتصال بالأساليب الإيجابية الفعالة، لتحسين مستوى التعايش المشترك وتحديات أسباب تدني مستوى قبول الآخر، رغم الإقرار اللفظي والعقلي والشرعي والقانوني، وعلى لسان جميع العقلاء، بأهمية وجود حوار واندماج وتعايش بين أطياف المجتمع.
إلا أن الواقع يعاكس بنسبة ما... خلاف ذلك استناداً إلى ما تشير له صفحات التاريخ والخلافات اليومية من أسى وشتات وتصحر، من دون اعتبار أن هذا سلوك متطرف يسعى وراءه من يحجب بصيرته عن الأخطار المحدقة بالأمة الإسلامية. وهو عكس ما يدعو له العلماء والمفكرون وينظر له الحقوقيون بأن الانسان ولد مكرماً وله الحق في العيش والطمأنينة على جودة الحياة وهو حق ملازم لكل إنسان، وعلى القانون أن يحمي هذا الحق والعرض والمال والعلم والاستقرار بأمن ورفاهية وسلام، في ظل الوطن وقيم العيش المشترك والمشاركة في شؤون الحياة وتخفيف أعبائها.
وهذه العلاقة التلازمية بين الحوار والاندماج والتعايش تحتاج إلى نظام شامخ، يواجه التحديات الجارفة والخلافات المتلاطمة بحكمة الحوار والمعرفة والتواصل ونشر قيم التآلف والانسجام، وإقامة العدل والمساواة بين الناس، وإشاعة نظام المواطنة وتجريم الكراهية في جميع مفاصل الحياة وهذا لا مناص منه، خصوصا ونحن نجتمع على قيم السماء كمسلمين موحدين في تنفيذ الأوامر الإلهية لإعمار الأرض بالعلم والمنطق والعقل والعمل، وهذه مسؤولية الإنسان في عمارة الأرض بالآمال والأمن والأمان والتطلعات المشروعة ومنهج السلم المجتمعي، والحد من الانحدار في الصراعات الجاهلية التي توصلنا إلى مستنقع الكراهية والتوحش، وتبعدنا عن ساحة الحق والمودة والرحمة والوداعة وتبني النفوس بالحقد والتصارع والتنافر، نتيجة تلوث القلوب والنفوس وافتقارها للأخلاق والمعرفة ظناً، منها أن سعادة الدنيا بنكران الآخرين ونسف أفكارهم بالانعزال والانزواء والابتعاد عن مصاحبة من نختلف معهم.
وهذا يؤدي إلى بناء جدران من القسوة والتشنج ويورث العصبية الجاهلية، ويغرق المجتمع في بحر من النزاعات والصراعات، لوجود أوهام وخيالات وأفكار بعيدة عن منطق العقل والواقع كوّنت مشكلات جمة في جميع مفاصل جودة الحياة.
فهل يصعب على من يدعو إلى إحداث تغيير في المنهج والفكر والسلوك الاجتماعي على خلفية الحفاظ على الوحدة المجتمعية، التي تشمل جميع شؤون الحياة من منظور وطني يكفل لكل فرد التمتع بالحياة، ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا ضمن إطار حقوقي والحريات المنصوص عليها في الشريعة الاسلامية والاتفاقيات الدولية، وعدم التمييز في العرق واللون والجنس واللغة والدين والنسب ولا فرق بين النساء والرجال.
بناء على هذا... يطرح تساؤل إجابته مفتوحة لك أخي القارئ:
ما علة وجود هذا الصراع العقدي والفكري عوضاً عن الحوار العلمي في موطنه البحثي والأكاديمي على مستوى النخب، حتى يشاع على مستوى العامة، علماً بأن الجميع مسلمون موحدون؟
الإجابة في مفردات بكل عقلانية: هو الجهل والتجهيل من قبل البعض والتعصب ونقص في البناء الداخلي لكل فئه باسم الهوية، وغياب الحوار والقبول بالرأي الآخر ومحاكمة الأجيال على ما حدث قبل 1400 سنة هجرية.
التبعية في السلوك وتدهور القيم باسم العقل الجمعي.
الفشل في تفعيل المسؤولية على المستوى المجتمعي.
الانزواء وتقوقع كل فئة على بعضها بما لا يخدم المصلحة المجتمعية.
عدم تقديرنا للدور والمساهمات التي يلعبها الحوار والتعايش المجتمعي تجاه تهذيب السلوك، وتفعيل وتفاعل مع المناشط الثقافية والمهنية الاجتماعية وتكوين صورة حقيقية ايجابية للبناء المجتمعي.
مَنْ يدعي أنه على الحق وغيره خلاف ذلك... هي فرضيات ودعوة كانت ببرهان أو عدمه. تفرد له مؤتمرات وبحوث في مكانها العلمي بين العلماء والمختصين من الباحثين لأعلى صفحات التواصل، ونشر غسيل كل فئة من دون وجه حق، وهذا لا يحقق مصلحة دينية ولا وطنية أويبني أجيالاً وشعوباً في ظل الصراعات المتلاطمة ، كل يدعي الوصل بليلى وليلى لا تقر له بذلك.
* كاتب سعودي