رأي «الراي» / المجلسُ قويُّ ... باحترامه للقضاء
مبدأ استقلال السلطة القضائية وإلزاميّة تنفيذ أحكامها في الدول الديموقراطية أمران لا نقاش فيهما ولا جدال، فسيادة القانون تضمن انتظام عمل المؤسسات وتسمو على مراكز القوة وإرادات الأفراد.
نسوق هذا الكلام بعد ردود الفعل المباشرة التي تبعت صدور حكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية المادة 16 من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة وما يترتب على ذلك من آثار تفضي إلى إسقاط عضوية نائبين دينا بحكم قضائي.
والمشكلة أن يأتي بعض ردود الفعل هذه من مشرّعين. مشرّعون يعرفون طبعاً أنه وفقاً للمبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية التي أقرها مؤتمر للأمم المتحدة في العام 1985، فإن الدولة «تكفل استقلال السلطة القضائية بموجب دستور البلد أو قوانينه. ومن واجب كل المؤسسات الحكومية وغيرها من المؤسسات احترام ومراعاة استقلال السلطة القضائية».
وإذا كان النقاش ورفع الصوت عالياً أمر مفهوم – ومتاح - في أي خلاف بين السلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة، فإن الصّراخ بوجه حكم صادر عن المحكمة الدستورية المنوط بها الفصل في دستورية القوانين وصاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في هذا الشأن، لا يستقيم ولا يمكن القبول به تحت أي ذريعة. فالحكم الذي أصدرته المحكمة نافذٌ وواجب التطبيق، ويجب التعامل معه ليس فقط على أنه حكم قضائي صادر من سلطة عليا وإنما أيضاً صادرٌ باسم صاحب السمو أمير البلاد.
إن القضاء كان وما زال وسيبقى الحصن والملاذ الآمن للكويت، والحارس لكل مؤسسات الدولة والضامن لانتظام عملها، وبالتالي فإن احترامه أساس لبقاء هذه المؤسسات... أما الطّعن به – ومحاولة الغمز وانتقاد أحكامه - فهو مغامرة كبرى قد تُفضي إلى هدم النظام القانوني للدولة وانهيار المؤسسات.
وبما أن القضاء هو الجهة المنوط بها فض المنازعات بمقتضى القانون – سواء كانت بين الأفراد أو بين الأفراد والحكومة – فإن التزام جميع مكونات المجتمع، من أفراد ومؤسسات وأجهزة دولة، بكل ما يصدر عنها هو أمر واجب وليس اختيارياً لضمان النظام في أي بلد يحترم القانون.
ولا يجوز التعامل مع أحكام القضاء باستنسابية، على قاعدة القبول بها إذا كانت لمصلحة فريق ما والطعن بها إذا كانت معاكسة لغاياته وأهدافه. فالمؤسّسة القضائية هي حارس القواعد القانونيّة والضامن لكبح جماح مصالح الأفراد وأهوائهم ومنعها من الخروج من حظيرة القانون.
الحكم الجديد الصادر عن المحكمة الدستورية بشأن اللائحة الداخلية لمجلس الأمة ليس الأول من نوعه ولن يكون الأخير، فقد صدرت أحكام كثيرة في السابق وقبِل بها الجميع، بل كانت هناك إشادات من نواب بأحكام سابقة ثم نكتشف أن بعض هؤلاء النواب ينتقدون الحكم الحالي فقط لأنه جاء ربما بعكس تمنياتهم. والجميع يذكر كيف فصلت المحكمة الدستورية في الخلاف على نيابة رئاسة مجلس الأمة بين العضوين جمعان الحربش وعيسى الكندري، ويومها قبل به الحربش و»جماعته» من دون اعتراض، فلماذا تطرح الآن هرطقات دستورية ويُثار جدل لا طائل منه سوى افتعال أزمة غير موجودة؟
إن سقوط عضوية نائبيْن - بقوة الحكم الدستوري – لا يستدعي الذهاب بعيداً نحو المسّ بسلطة القضاء أو بمبدأ الفصل بين السلطات... أما ما يشيعه بعض الموتورين عن ارتباط الحكم بوجود مجلس ضعيف فهو كلام تافه لا قيمة له، لأن مجلس الأمة القوي الذي يمثل الشعب الكويتي بحق هو المجلس الذي يحترم القضاء والقوانين ويقرّ – ممارسة وفعلاً - بمبدأ الفصل بين السلطات والتعاون في ما بينها ويكرّس دولة المؤسسات.
مجلس الأمة هو المؤسّسة الكبرى التي تضبط إيقاع المؤسسات بعين الرقابة وعقل التشريع، وهو الساحة المتجدّدة ديموقراطياً بحكم ما فيها من آراء ونقاشات ومواقف، والمطلوب أن يتغذّى هذا التجديد عبر احترام مبدأ فصل السلطات لا أن يضعف بأصوات عالية تُدخله في متاهات بلا أسانيد، وتضعه في مواجهة سلطة قضائية لولا وجودها ونزاهتها وعدالتها لما كان للمؤسّسات حاضر أو مستقبل.
«الراي»