التوازن روح الحوار
النشاط الإنساني يعكس واقع الوعي المجتمعي، ويستوعب كل المتغيرات المقيدة والمطلقة، كما أنه يتعامل مع روح العطاء والجهود والاحتياجات الإنسانية ويترجم الأثر في بناء العلاقات المباشرة مع البيئة الحاضنة له، التي يؤسس لها عقداً في البناء الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، ويلعب دوراً مهماً في تكوين كيانات وتوجهات مع التطورات المتسارعة في تشكيل ملامح ومظاهر الحياة الروحية والعلمية والمعرفية والتكنولوجية والأيديولوجية السياسية والأخلاقية، في الوقت نفسه يشكل الوعي الاجتماعي وعلاقاته الإنسانية بجمال الطبيعة والحياة في أشكالها المتعددة.
فالتعامل مع الطبيعة يمثل الشعور والحامل للعلاقات الحسية والمنطق المحسوس وقيمة الموجودات، لإشباع حاجات الإنسان الفسيولوجية لتحقيق الذات والشعور بالأمن النفسي وبناء العلاقات الاجتماعية، عن طريق التعاملات وما تمثله من معارف جوهرية يمكن أن تكون عنوانا للسعادة والبهجة البشرية.
فالكلمات لها جمال محسوس يترجمها الحوار المتوازن وقائله والبيئة الحاضنة له متى قيل؟ ولمن قيل؟ يزداد التأمل عمقا حسب ظرف الزمان والمكان، فكلما كان متوازنا كان له التأثير والدوام أكثر تأثيراً فإن الأسلوب وطريقة النطق لهما دور في ايصال الرسائل من الفاعل للمفعول لأجله، وتقاس درجة ذلك من خلال الأسلوب والمعنى للمفردات التي قد تفقد الإنسان التوازن، لوجود اختلال فكري وصراع معرفي داخلي ينتج عنه اضطراب وخلل في التوازنات الفكرية المتأثرة ببعض الشخصيات والشعور بالاضطهاد وصعوبة الاندماج المجتمعي، ونقص في بناء العلاقات وتقدير الذات في الجوانب العلمية المختلفة التي لا تنمو إلا بالمعرفة وانتاجها وتوظيفها بكفاءة في جميع مناشط الحياة، للوصول إلى استنتاجات وإعطاء تفسيرات مقنعة ووضع حلول مقترحة للمشكلات المجتمعية ومراجعة البدائل واتخاد الاجراءات المناسبة للمواقف بمهارة ورؤية، والكشف عن المغالطات التي تجعل من المجتمع في حالة تصدع دائم بعيدا عن التوازن في مد جسور المعرفة بين الثقافات والتيارات والتوجهات المختلفة في امتزاج الحضارات البشرية، التي لم يعد الاهتمام عندها مقصورا على اكتساب المعرفة فحسب، بل الاستثمار في الانسان امتداد إلى التنمية المستدامة والقدرة على التعامل وتحليل الاحداث بعمق لتحقيق الاهداف المنشودة التي تعمل على تحقيق كرامة الانسان واعمار الارض في مختلف مجالات الحياة بقيم الحرية والفضيلة والحوار والاتزان في المواقف، ومواجهة الصعاب الطاردة للتعايش المجتمعي، الذي يفقد الانسان التوازن الفكري نتيجة لحالات الخوف من المجهول، وعدم القدرة على الاندماج في الوسط الاجتماعي مما يؤثر على نوعية الحياة للأشخاص الذين يعانون من الرهاب والاضطراب الفكري والمحكومين بأيدولوجيات الآخرين.
نعم يختلف فقدان التوازن الإنساني بمقدار التوجهات الفكرية والعقدية والأحداث التاريخية والقدرة على ادراك الواقع المعزز بوعي واحساس ورؤية باصرة وبصيرة والحالة الثقافية والمزاجية للإنسان .
فالمعاناة من المشكلات التي يفرضها الفقدان تزيد من معدل الاعتلالات النفسية والسلوكية والأخلاقية، وانخفاض نسبة الاندماج المجتمعي.
مع علمنا أن هناك الكثير ممن هم في حالة عدم التوازن الفكري، إلا أنهم يتعايشون حالياً مع المجتمع وأسرهم وإن كان هناك وجس وحذر من كلتا الجهتين، لقناعتهم أن الأضرار هي ذاتية ولا تؤثر على سلوك الآخرين، وهذا عكس ما هو واقع .
إن أي اختلال في التوازنات الفكرية عند أُناس يعيشون في مجتمع سينعكس على المحيط به بنسبة عالية أو أقل فهو يعتمد على ذلك المجتمع، وقدرته على امتصاص الأزمات وما يمتلك من الوعي المعرفي وإيمانه بقدراته في مجابهة المؤثرات من فقدان لبعض التحولات والانجرار خلفها من دون وعي، وهذا عبء ثقيل على من ينشدون التوازن في منطق العقلاء وتحرير العقول من الانقياد خلف كل ناعق مصيباً كان أو مخطئاً.
وهنا أود ان أشير إلى خمس قواعد: «التوازن في القول والفعل»، وهي امتداد لنقاط أشرنا لبعضها في المقالات السابقة في «الراي»:
القاعدة الأولى: مراحل الحوار
يمر الحوار المجتمعي بمراحل عديدة ينمو فيها ويتوارى بناء على البيئة الحاضنة له والأفكار، التي يحملها المتحاورون وخصائص الحوار ومرحلة النضج عند المتحاورين، للوصول إلى مبتغى التوازن بفكر وسلوك وقيم ومبادئ وقوانين الالتزام بالأخلاق والاحترام وحفظ النفس.
فمن يتخذ التوازن منهاجا في الحياة يمكنه قياس مدى قدرته على التنبؤ بنجاح، وثبات التوازن روح الحوار.
القاعد الثانية: الخطاب
الخطاب المتوازن وقول الحق والتوثيق العلمي يمثل نقلة نوعية على مستوى الفرد والمجتمع، ويؤسس لمعطيات مرتبطة ببيئة الحرية ونبذ جميع أشكال التطرف والتمييز العرقي والثقافي والعنف والعمل الدؤوب المتوازن، من أجل التغيير في كثير من المفاهيم التي تعد من الأخطار والإخفاقات في مسيرة الحياة.
القاعدة الثالثة: قنوات الحوار
تفعيل قواعد السلوك والمواطنة والتركيز على الجانب الإنساني والوقائي والإنمائي، والاستفادة من مؤسسات المجتمع المدني والتربويين والخطباء وعلماء الدين والمفكرين، لفتح قنوات الحوار المجتمعي الجاد والتواصل المتزن الهادف بين أطياف المجتمع .
القاعدة الرابعة: الحقوق الطبيعية
الحق والعدل والمساوة والسلم المجتمعي وقيم الكرامة والمواطنة وحقوق الإنسان، هي حقوق طبيعية ولدت مع الإنسان وشرعت في الأديان السماوية والقوانين الوضعية، لا تختلف من مجتمع لآخر ومن بلد لآخر، فان الداعين للتمايز هم واهمون ويسبحون عكس التيار في نهضة الشعوب والشرعة الدولية الداعية للحوار الحضاري والتوازن في تقييم الأمور وبناء العلاقات وتحدي الأخطار والعواقب والإخفاقات، والاستفادة من التجارب في جانبها السلبي والإيجابي لتغيير الواقع بشفافية وتغذية الأفكار ومخرجات ومسارات روح الحوار المتوازن.
القاعدة الخامسة: فقدان التوازن
تعاني المجتمعات من أشخاص منهجهم التطرف، مصابون بحالة من فقدان التوازن المعرفي وعدم امكانيتهم للتعايش والتحاور وقبول الآخرين، ووضع العقبات والحواجز وتطويع بعض مفردات التشريع باسم الدين، لوجود فهم خاطئ ودعم من مراكز قوى اجتماعية ومالية أُضلت وأضلت الطريق وجعلتهم يسرحون ويمرحون دون خوف من رادع أوعقاب علماً أنهم يخالفون منطق العقل والدين والتشريع والقانون وحقوق الإنسان، فهم يعيشون على الصراع والظلال ونشر التأزم والخروج على السائد في الدعوة إلى إذكاء الوعي المعرفي، وتعزيز الجهود العامة والخاصة الداعية إلى تحسين نشر قيم التوازن الفكري في بناء العلاقات الإنسانية، والحد من وجود الفجوة والصراع، والتخلص من الأوهام ومكافحة نوازع الشر والظلم، وتحقيق الأهداف الراقية لنشر الحوار الوسطي المتزن والخروج من الحسابات الشخصية، والعمل على وحدة المجتمع بالانفتاح على جميع الاتجاهات والآراء المختلفة، وإن كانت متعارضة معك في الفكر لما تعانيه من مرض التشدد والتنمر والكراهية والتوحش وعدم القدرة على التوازن في الأمور، وهي من أشد الأمراض النفسية السلوكية وطأة وألما ولا يزول إلا بتفعيل قانون تجريم الكراهية ونشر قيم الوعي والإدراك المعرفي وقبول الآخر ومد جسور التواصل بالحوار المتوازن.