قضية / تخفف من وطأة حفلات التوقيع للكتب المسطحة
معرض الكويت الدولي للكتاب الـ 43 ... عودة إلى المعرفة بطابعها التثقيفي
غداً... يختتم معرض الكويت الدولي للكتاب فعالياته، التي استمرت 10 أيام، احتوت الكثير من أوجه الثقافة والمعرقة، التي تتنافس في ما بينها من أجل إظهار الشكل الحقيقي الذي تتميز به الكويت عبر تاريخها الممتد، وذلك وفق خطة ثرية بالأمسيات والندوات وحفلات توقيع الكتب، ومعارض الفنون التشكيلية والتصوير الفوتوغرافي... إلخ.
ولو تأملنا أجنحة المعرض في هذه الدورة لوجدنا فيها الكثير من الاختلاف، عما سبقها من دورات، ليس في الشكل فقط الذي جاء مغايرا، ومختلفا بفضل الترتيب الذي لحق بها، ولكن أيضا من خلال المضمون، والذي نقصد به الكتب الجديدة التي شاركت هذا العام، وهي كتب في معظمها لكتاب كبار، وتحمل عناوين مهمة للقارئ في الكويت، ما أوجد زخما في مسألة تعدد الخيارات المتاحة لدى القارئ، وعدم وضعه أمام كتب جديدة قليلة، ليس له المقدرة في المفاضلة بينها، وبالتالي أصبح اقتناء الكتب متناسقا مع مختلف الرغبات - في معظم الأحوال - وهذه الميزة أعطت انطباعا جيدا لدى زوار المعرض، وهي التفاتة موفقة، ولها إسهامات حقيقية في النهوض بمنظومة المعرفة التي تسعى إليها المجتمعات في كل أحوالها.
ومن المظاهر الجميلة في معرض هذا العام جناح الأطفال، وما تضمنه من تنوع لافت للكتب بنوعيها الورقي والإلكتروني، والتي شاركت بها مجموعة متميزة من دور النشر الكويتية والخليجية والعربية والأجنبية، في ما يشبه التنافس على جذب الأطفال والناشئة، لاقتناء تلك الإصدارات، وهي في معظمها تحتوي على مواضيع هادفة تخدم الناشئة والأطفال، وتزيد من تحصيله المعرفي، وفي الوقت نفسه ترغيبه في القراءة من خلال تضمين الإصدارات التي تحتوي على قصص أو مواد علمية بصور لافتة، وبإخراج فني جذاب.
وقدمت مراقبة ثقافة الطفل في المعرض حزمة من الأنشطة الثقافية سواء كانت في هيئة ورش عمل فنية وتثقيفية أو محاضرات أو مسابقات وغيرها، تلك التي أعطت وهجا مميزا لجناح الأطفال في المعرض، ما أسهم في الحضور الكثيف الذي شهده للأبناء الصغار وأولياء أمورهم.
وشاركت في أنشطة المعرض بعض من الجهات الرسمية وجمعيات النفع العام، مثل ديوان المحاسبة ووزارة النفط واتحاد الناشرين العرب وهيئة الشارقة للكتاب ورابطة الأدباء وجمعية المترجمين ونادي سين السينمائي ومؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم وغيرها، وهذه المشاركات أدت إلى تنوع الأنشطة وظهورها في أشكال متميزة، بالإضافة إلى أن المواضيع كانت ثرية، ومعبرة عن العصر بكل تحدياته وأشكاله.
في ما لم تعد منظومة الرقابة هي المسيطرة على أخبار المعرض هذا العام، إلا من خلال اعتصامات قليلة أقيمت على هامشه، ومن ثم مرّت - مرور الكرام – تلك الأخبار التي تتحدث عن منع الرقيب لبعض الكتب، التي ربما كانت في السابق مجازة، ولم تأخذ زخمها الذي كانت عليه في السنوات الماضية، وربما يعود ذلك إلى أن منظومة الرقابة أصبحت أمرا اعتياديا، لا مجال للدهشة في أعمالها، التي تبدو في كثيرها غرائبيا وغير منطقي، وبالتالي سارت هذه المنظومة في طريقها، ولم تعد تمثل تهديدا يذكر على المعرفة التي وفرتها وسائل التواصل الاجتماعي بكثرة، في غياب الرقابة، التي أصبحت عاجزة عن كبح هذا الجماح الإلكتروني الكبير.
فالرقابة أصبحت تمارس دورها الرسمي الذي ترى أنها فيه تخدم المجتمع وتحميه من المخاطر التي تحدق به، فيما ظل القارئ يبحث عن كتاب يرى فيه مادة خصبة يريد من خلالها التثقيف والتنوير، متحصنا بالإنترنت محتميا بمحتواه الذي لا حدود له.
وثمة ظاهرة أخرى قد لاحظها رواد المعرض والتي تتمثل في قلة انتشار تواقيع الكتب ذات المحتوى المسطح، والتي يعتمد فيها أصحابها للترويج لها على السوشيال ميديا، والإلحاح الإلكتروني في فرض هذه الكتب على المزاج العام، لن نقول إنها انتهت، ولكنها قلت، أو انها تمر على استحياء، وهذا دليل على أن القارئ أصبح واعيا، ولم يعد ساذجا لدرجة أنه يقع في هذا الفخ الذي أصبح مكشوفا بأدواته وأساليبه.
ومثلما خفت وطأة ظاهرة حفلات التوقيع على الكتب غير المجدية نفعا، خفت كذلك نسبة الباحثين عن كتب الطبخ والسحر والشعوذة وغيرها، وهذه المسألة تؤكد على أن هناك وعيا واضحا بدأ يتكشف لدى جمهور القراء، وهو وعي نرى أنه بشارة خير لمستقبل، ربما تعود فيه المعرفة الحقيقية، إلى صدارة المشهد الثقافي، من خلال ما تجود بها قرائح المفكرين والأدباء والكتاب الجادين.