حروف مبعثرة

رجل... بودرة... وتنورة

No Image
تصغير
تكبير

اقرأ... لا تغضب... لا تلعنني... لست بصدد إهانة رجولتك... المصانة.
أسلافك لبسوا التنانير منذ عهد حمورابي ووضعوا الماكياج منذ أيام الفراعنة!
لن أعود بالذاكرة إلى تلك الأيام، أفضّل البقاء في عصرنا الحالي وأن أعرج إلى سنوات أجبرت الرجال بمحض إرادتهم على التخلي عن مظهرهم الرجولي لخدمة مجالات معينة.


أعود بالذاكرة إلى القرن السابع عشر، إلى بريطانيا أيام مسرح الغلوب، إلى كريسيدا، أندروماخ، هيلين وكساندرا في مسرحية ترويلس وكرسيدا للشاعر ويليام شيكسبير. أبحث هناك عن خامة صوت أنثوية على المسرح فلا أجد. لا أسمع كغيري من الجمهور سوى أصوات فتيان عالية! في القرن السابع عشر لم يكن مقبولاً أن تقف المرأة على خشبة المسرح، على اعتبار أن المهنة ليست ملائمة. القانونيون في ذلك الوقت سنّوا قانوناً صارماً يجرّم عمل المرأة في الفن، فتم استبدال وجودها وصوتها بفتيان لم يصلوا إلى سن البلوغ!
من *«the common curse of mankind, folly and ignorance» إلى **«On est aisément dupé par ce qu›on aime». من مسرح إلى آخر، هناك اختلاف في القوانين.
كانت فرنسا أكثر تحرراً ولم يكن ممنوعاً على المرأة أن تشارك في الأعمال الفنية، فكان وجودها قوياً ومؤثراً في الحركة المسرحية، وتحديداً مسرحيات موليير وراسين.
في العام 1629، أراد المسرح الفرنسي نقل تجربته في الحرية إلى بريطانيا، فجلب المرأة إلى خشبة مسرح البلاكفراير، لكنها جوبهت بالغضب والسخط ومصطلحات «وقحات» «قليلات أدب» «بلا أخلاق»، وأنزلن الممثلات بالقوة من المشهد المسرحي. لندن لم تكن مستعدة لتقبل فكرة وجود المرأة في المسرحيات.
لم تتغير أو تتبدل قناعة الجمهور بوجوب وجود الممثلات إلى جانب الممثلين سوى العام 1662 عندما تأخر أحد الممثلين بالصعود إلى المسرح، لأنه كان منشغلاً بحلاقة ذقنه، فشعر الملك شارلز الثاني الذي كان حاضراً ومنتظراً بالغضب وقتها، فأصدر أمراً ملكياً يمنع الرجال من تأدية الأدوار الأنثوية في المسرحيات. وبعدها أتت مسرحية شكسبير أوتيلو لتقدم أول ممثلة في تاريخ بريطانيا وهي مارغاريت هيوز.
في وطننا العربي، صبرت المرأة نحو مئتي عام بعد بريطانيا، لتتجرأ وتصعد على خشبة مسرح وتسمع عبارات «أدركنا يا أمير المؤمنين، إن الفسق والفجور، قد تفشيا في الشام، فهتكت الأعراض، وماتت الفضيلة، ووئد الشرف، واختلطت النساء بالرجال» على لسان الشيخ سعيد الغبراء في سورية العام 1870.
كان مألوفاً ومقبولاً في أوطاننا رؤية الرجل بالملابس والماكياج النسائي، وكان مداناً أن نلمح المرأة في أي عمل فني. ومن تلك الإدانات أتت العزيمة على إثبات الوجود وفك القيود، فاقتحمت المرأة عالم المسرح وتربعت على القمة. وأصبح لكلمة نجم تاء مربوطة وحملت اللقب وقتها روز اليوسف***.
ومن خلال التنافس على لقب نجمة، برز اسم أم عليوي، الشخصية المميزة التي حصدت إعجاباً منقطع النظير لدى الجمهور. «في ذلك الوقت كان من الصعب دخول المرأة مجال التمثيل المسرحي نظراً لطبيعة المجتمع المحافظ، ولم أتردد بتأدية دور المرأة الشعبية وشيئاً فشيئاً وجدت نفسي متقناً للدور، وبتشجيع من رفقاء الدرب استطعت أن أكون شخصية سجلت حضوراً قوياً في كل الأعمال التي شاركت بها». هذا ما قاله الفنان الراحل عبدالعزيز النمش، واصفاً الشخصية في تلك الفترة.
مرحلة كانت تسمية «أرتيست» أثناءها معيبة مع أن ترجمتها... فنانة.
بين أرتيست أمس وفنانة اليوم... قيود كُسرت ونهاية قصة تهميش وعزل وإلغاء.
كفاح بدأ من «البلا أخلاق»، لينتهي بـ«القديرة» المستحقة لجائزة أوسكار.
* «لعنة البشرية الحماقة والجهل». من مسرحية ترويلس وكرسيدا لويليام شكسبير.
** «نحن ننخدع بسهولة بما نهوى». من مسرحية تارتوف لموليير.
*** من أهم الأدوار التي قدمتها روز اليوسف دور مارجريت جوتيه في غادة الكاميليا

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي