إشراقات النقد / العيد في عيون الشعر العربي

u0645u0646 u0623u0639u0645u0627u0644 u0627u0644u0641u0646u0627u0646 u0641u0627u0636u0644 u0627u0644u0631u0626u064au0633r
من أعمال الفنان فاضل الرئيس
تصغير
تكبير
| سعاد العنزي* |
لكل شعب من الشعوب مجموعة من الأعياد والمناسبات التي يحتفي بها، وهي تختلف من ثقافة إلى ثقافة، ومن مناسبة إلى مناسبة فهناك الأعياد الدينية، والوطنية، والاجتماعية، مثل عيد العمال وعيد الأسرة، وعيد الثورة، ولابد لهذه المناسبات أن تنعكس بصورة أو أخرى على الأدب والإنتاج الثقافي للأمم.
وفيما يلي رسم لتطور دلالة الأعياد الإسلامية في الوطن العربي، من العصر الأموي حتى عصرنا الحالي، صور للعيد تفاوتت بين الطرافة والنصح والإرشاد وصولا إلى إمارات الخيبة والمرارة التي شهدها الوطن العربي:
1 - الطرافة في قدوم عيد الفطر:
يُعدُّ ابن المعتز (ت296هـ ) أول من ربط بين الهلال وبين عيد الفطر، فقال:
أهـلاً بفِطْـرٍ قـد أضاء هـلالُـه
فـالآنَ فاغْدُ على الصِّحاب وبَكِّـرِ
وانظـرْ إليـه كزورقٍ من فِضَّــةٍ
قـد أثقلتْـهُ حمـولـةٌ من عَنْبَـرِ
ثمة شاعر وصف هلال العيد فرحا برؤيته كبشير للأكل والشرب ومزاولة الأنشطة اليومية من دون حرج أو تحرج، من مثل قول ابن الرومي(ت283هـ) مشبها الهلال بحاجب شيخ هرم فرط طول عمره:
ولما انقضى شهـر الصيـام بفضله
كحاجـبِ شيخٍ شابَ من طُولِ عُمْرِه
تجلَّى هـلالُ العيـدِ من جانبِ الغربِ
يشيرُ لنا بالرمـز للأكْـلِ والشُّـرْبِ
ومما لاشك فيه ان هذا الأمر يعكس صورة العيد في نفس الشاعر، بأنه إشارة للأكل والشرب الذي حرم منه الشاعر في شهر رمضان، الذي اقترنت صورته بمخيلة الشاعر بحاجب شيخ تقادم عهده، مما يكشف عن مدى ضحالة تجربة الشاعر الدينية التي لم تصل إلى عمق بعض الشعراء المعاصرين له من مثل الشعراء، الذين عدوا العيد امارة اكتمال التجربة الإيمانية، متمنين الغفران من الله، نائين عن المتع الزائفة، والجري خلف المظاهر المفرغة من أي معنى، فهاهو الشاعر أبو إسحاق الألبيري، ينبه إلى أن جمالية العيد لا تكمن في لبس الجديد، وإنما في قبول الله تعالى صيام عباده وقيامهم، فيقول:
ما عيدك الفخم إلا يوم يغفر لك
لا أن تجرَّ به مستكبراً حللك
كم من جديد ثيابٍ دينه خلق
تكاد تلعنه الأقطار حيث سلك
ومن مرقع الأطمار ذي ورع
بكت عليه السما والأرض حين هلك
كما يشير شاعر آخر إلى أهمية استغلال فرصة العيد لبث الفرحة في قلوب المحتاجين والمساكين، عن طريق الصدقات والأضاحي، مثل الشاعر محمد الأسمر الذي يحث على الصدقة في العيد تخفيفًا من معاناة الفقراء والمعوزين في يوم العيد؛ فيقول:
هذا هو العيد فلتصفُ النفوس به
وبذلك الخير فيه خير ما صنعا
أيامــه موسـم للبــر تزرعـه
وعند ربي يخبي المرء ما زرعا
فتعهدوا الناس فيه: من أضر به
ريب الزمان ومن كانوا لكم تبعا
وبددوا عن ذوي القربى شجونهم
دعــا الإله لهذا والرسول معا
واسوا البرايا وكونوا في دياجرهم
بــدراً رآه ظلام الليل فانقشعا
ويشير الشعراء أيضا إلى مظهر من مظاهر العيد، وهو المعايدات والمباركات للآخرين قبلا وتحايا على اكتمال الشهر الفضيل، فيقول الشاعر محمد بن سعد المشعان:
والعيد أقبل مـزهوًا بطلعته
كأنه فارس في حلة رفـلا
والمسلمون أشاعوا فيه فرحتهم
كما أشاعوا التحايا فيه والقبلا
فليهنأ الصائم المنهي تعـبده
بمقدم العيد إن الصوم قد كملا
2 - تهنئة الملوك بقدوم العيد:
لم يفت الشعراء العرب أن يهنئوا الملوك والخلفاء بحلول العيد، من اجل التكسب والعطايا، من أبرزهم شعراء المدح من مثل البحتري (ت284هـ) الذي لم يفوت فرصة في مدح الخليفة العباسي المتوكل (ت274هـ)، فيهنئوه بالعيد ويمدحه في نفس الوقت:
بالبِـرِّ صُمْـتَ وأنتَ أفضلُ صائـمِ
وبسنَّـةِ اللهِ الـرَّضيَّــةِ تُفْـطِـرُ
فانْعَـمْ بعيـدِ الفـطـرِ عيـداً إنّـَهُ
يـومٌ أغـرُّ مـن الزمـانِ مُشهَّـرُ
وقد أكثر (المتنبي ت354هـ) من القصائد التي أزجاها في المدح مهنئاً إياهم بقدوم العيد، مثال ذلك قوله يمدح سيف الدولة عند انسلاخ شهر رمضان عام 442هـ:
الصَّـوْمُ والفِطْـرُ والأعيادُ والعُصُر
منيـرةٌ بـكَ حتى الشمسُ والقمـرُ
وقول المتنبي السابق لا يخلو من مبالغة وصلت حد الطرافة والجدة والابتكار، فمصدر الجمال والهناءة والسعادة في الكون هو الممدوح سيف الدولة، والتي تعكس بدورها أيضا موقف ورؤية الشاعر من الحياة.
3 - العيد بين انكسار الذات وخيبات الأمة العربية:
مع خيبات الإنسان المتتالية ومباغتة الزمان له بما لا يأمن من عوادي ومصائب، تزيد خيبة ومرارة الإنسان فلا يستطيع أن يفرح وهو في موضع فرح، ولعل أشد تجربة شعرية سجلت روح المفارقة والسخرية بين الحال الراهن للشاعر وبين الموضوعي العام، الذي لا يأبه لمعاناة الشاعر نفسه، وهي قصيدة العيد التي قالها المتنبي يهجو كافور الإخشيدي وهو في السجن، التي بينت مدى وحشة الشاعر وقسوة الظروف عليه، إزاء معاناة لا يشعر إلا هو بها، ومقصلة الكلمات التي يقتل أحزانه وآلامه عليها، لتصبح مع مرور الزمن مثلا سائرا لكل من يعاني من الفقد والفجيعة في يوم العيد... فقال:
عيـدٌ بأيّـةِ حـالٍ جِئْـتَ يا عيـدُ
بمـا مضـى أم بأمْـرٍ فيكَ تجديـدُ
أمّـا الأحِبـة فالبيـداءُ دونَـهــم
فليـت دونــك بيـداً دونهـم بيـدُ
ويقول أحد الباحثين عن هذه الحالة لدى المتنبي:
«وتأرْجُحُ الإحساس بالعيد لدى المتنبي يجعل تجربة العيد لديه تجربة فريدة، أوقعته بين الشيء ونقيضه، فإذا كان قد خلّد بقصائده العيديات (إن جاز هذا التعبير) ذِكْرَ ممدوحيه، فإنه جَسَّد في الوقت ذاته عمق مأساته».
أما المعتمدُ بن عباد (ت488هـ) يندب تبدُّلَ حالة، ويحس إحساساً فادحاً بوَقْعِ المأساة، فقد أدركه العيدُ مكبلاً في أغمات يرى هوان نفسه وأهله، فقال يخاطب نفسه راثياً إياها:
فيمـا مضى كنـتَ بالأيامِ مسروراً
فجـاءكَ العيـدُ في أغماتَ مأسـورا
تـرى بناتِـكَ في الاطمـارِ عاريةً
يطأنَ في الدَّيْنِ ما يملكـن قطميـرا
وإن كان المتنبي والمعتمد بن عباد انطلقا من تجربة شخصية تتماس مع ظروف الشاعر الشخصية، إلا إنه لم تخل قصائد الشعر العربي الحديث من ذكر الهم والحزن الموضوعي الذي أصاب الأمة بشكل عام، من حرب واستعمار ونكسات متوالية في العصر الحديث، من السطوة العثمانية إلى الاستعمارين الفرنسي والبريطاني، مرورا بزرع العدوان الصهيوني في قلب العالم العربي، في القدس، وفيما يلي عرض لأنات الشعراء أمام فجيعتهم في فقد أوطانهم، ومرارتهم بين ماض مجيد وحاضر متلاش أمام ردات ونكسات حضارية وفكرية على كافة الأصعدة:-
ومن ذلك قول الشاعر عمر بهاء الدين الأميري:
يقولـونَ لـي: عيـدٌ سعيـدٌ، وإنَّهُ
ليـومُ حسابٍ لـو نحـسُّ ونشعـرُ
أعيـدٌ سعيـدٌ!! يالها من سعـادةٍ
وأوطانُنـا فيهـا الشقاءُ يزمـجـرُ
وقوله:
يمـرُّ علينا العيـدُ مُـرَّا مضرَّجـاً
بأكبادنا والقدسُ في الأسْـرِ تصـرخُ
عسى أنْ يعـودَ العيـدُ باللهِ عـزّةً
ونَصْـراً، ويُمْحى العارُ عنّا ويُنْسَـخُ
وشكوى الشاعر عمر أبو الريشة:
يا عيـدُ ما افْتَرَّ ثَغْرُ المجدِ يا عيد
فكيـف تلقاكَ بالبِشْـرِ الزغـاريـدُ؟
يا عيدُ كم في روابي القدسِ من كَبِدٍ
لها على الرَّفْـرَفِ العُلْـوِيِّ تَعْييــدُ؟
سينجلـي لَيْلُنا عـن فَجْـرِ مُعْتَرَكٍ
ونحـنُ في فمـه المشْبوبِ تَغْريـدُ
ولقد احتلت فلسطين صورة كبيرة في قصائد الشعراء العرب، الذين تنأى قصائدهم عن الابتهاج بالدنيا والأعياد ما دامت مقدساتهم وقبل عروبتهم ترزح تحت أغلال الاحتلال، وآلات العدو التي لا ترحم:-
فيقول الشاعر عبدالرحمن العشماوي:
من أين والمسجد الأقصى محطمة
آمالـه وفؤاد القـدس ولهـان؟
من أين نفرح يا عيد الجراح وفي
دروبنا جدر قامـت وكثبـان؟
وترصد الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان معاناة أخواتها اللاجئات الفلسطينيات بين الخيام مصورة مأساتهن وما يعانينه من آلام التشرد واللجوء في يوم العيد فتقول:
أختاه، هذا العيد رفَّ سناه في روح الوجودْ
وأشاع في قلب الحياة بشاشة الفجر السعيدْ
وأراك ما بين الخيام قبعتِ تمثالاً شقيًّا
متهالكاً، يطوي وراء جموده ألماً عتيًّا
يرنو إلى اللاشيء.. منسرحاً مع الأفق البعيدْ
أختاه، مالك إن نظرت إلى جموع العابرينْ
ولمحت أسراب الصبايا من بنات المترفينْ
من كل راقصة الخطى كادت بنشوتها تطيرُ
العيد يضحك في محيّاها ويلتمع السرورُ
أطرقتِ واجمة كأنك صورة الألم الدفينْ؟
* ماجستير لغة عربية
[email protected]
* كتبت المقالة بالاستضاءة بمقالات في الانترنت حول العيد.
1 - عز الدين فرحات - عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية - موقع الإسلام اليوم
2 -العيد وتجلياته في الشعر العربي، أ.د.أيمن محمد ميدان.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي