ROUND UP
دوري الأمم الأوروبية... «ثغرات» في بطولة وليدة
انطلقت النسخة الأولى من دوري الأمم الأوروبية لكرة القدم بمشاركة 55 منتخباً، بيد أن السؤال الذي ما برح يطرح نفسه بقوة في الشارع الرياضي يتمثل في الآلية المتبعة في هذه المسابقة «المعقّدة» ومدى علاقتها «العضوية» بكأس الأمم الأوروبية التي تقام مرة كل أربع سنوات وتُجرى النسخة المقبلة منها في العام 2020.
لن نغوص في تفاصيل الآلية، لأن شرحها قد يزيد من تعقيدات استيعابها، غير ان المهم يبقى في أن نعلم بأن لكل منتخب اوروبي تصنيفه لدى الاتحاد القاري (يويفا)، وقد جرى توزيع الفرق، وفق ذلك، على أربعة مستويات، يضم الاول منتخبات «النخبة»، وصولاً الى المستوى الرابع الذي يشمل منتخبات «مغمورة».
فرق المستوى الاول جرى توزيعها، وفق القرعة، على 4 مجموعات، وكذلك الحال في ما خصّ فرق المستويات الثلاثة الأخرى.
وهكذا يصبح لدينا في كل مستوى أربع مجموعات، لتخوض منتخبات كل مجموعة منها منافسات في ما بينها (ذهاب وإياب) لنحصل، في النهاية، على أربعة أبطال للمجموعات في كل مستوى من المستويات الاربعة.
المستوى الأول يشهد دوراً نصف نهائي بين المنتخبات الأربعة التي حلت اولى في مجموعاتها ومن ثم نهائي يتوج على اثره أحدها بلقب أول بطل لدوري الأمم الاوروبية.
وسيقام ما يشبه الملحق للمستويات الأخرى كي يتأهل منتخب واحد من كل منها الى «يورو 2020»، وهذا يعني بأن الفرصة باتت سانحة أمام الفرق المغمورة، في المستوى الرابع تحديداً، للتأهل الى النهائيات الأوروبية.
وفي حال كان بطل أحد المستويات قد ضمن تأهله الى «يورو 2020» عبر تصفياتها الاعتيادية، فإن الفريق الذي يليه ترتيباً هو من يتأهل الى الـ «يورو» من بوابة دوري الأمم.
لقد أراد الاتحاد الاوروبي للعبة من هذه البطولة، تفعيل حضور المباريات الودية، جذب الجماهير إليها، وتحقيق ارباح مادية، غير أن ثمة عدداً من الملاحظات على هذه المسابقة «الوليدة».
صحيح أن دوري الأمم الأوروبية يمتد موسمين، بيد أن الاتحاد الاوروبي، الذي كشف سابقاً بأن فكرة قيام هذه البطولة ولدت في 2011 وخضعت للعديد من الدراسات قبل اقرارها في 2014، لم يتنبّه لأمور عدة.
معظم المجموعات تضم ثلاثة منتخبات، وهذا يعني بأن الجولة الاخيرة من منافساتها ستشهد إقامة مباراة واحدة تجمع منتخبين فيما يركن الثالث للمشاهدة. هذا الواقع لا يصب في خانة تحقيق العدالة وتكافؤ الفرص، خصوصا ان طرفي المباراة الاخيرة يدركان ما عليهما القيام به لانتزاع الصدارة، وهما بالتالي يحصلان على ميزة لا يمتلكها المنتخب الثالث.
ونذكر في هذا السياق مباراة ألمانيا «الغربية» والنمسا في الدور الأول من كأس العالم 1982 في إسبانيا عندما تواطأ طرفاها كي يفوز الالمان ويتأهلان سوياً الى الدور الثاني على حساب الجزائر التي خاضت مباراتها الاخيرة امام تشيلي في توقيت سابق.
وابتداءً من مونديال المكسيك في 1986، ودرءاً للمزيد من «السرقات»، قرر الاتحاد الدولي اقامة مباراتَي الجولة الثالثة الاخيرة من منافسات الدور الاول في توقيت واحد.
كان على الاتحاد الاوروبي هنا إيجاد آلية مختلفة، بينها تشكيل مجموعات من أربعة منتخبات بدلاً من ثلاثة، وذلك في المستويات الأربعة كافة.
مسألة أخرى تضرب منطق الامور في مقتل. نحن نعلم بأن قوة الصراع تتدنى من مستوى الى آخر في دوري الأمم الأوروبية. ويشير نظام المسابقة الى ان اصحاب المركز الاخير في كل مجموعة يهبطون الى المستوى الادنى في النسخة التالية. وفي هذه الحالة، قد يحرص هذا المنتخب أو ذاك، على الهبوط الى المستوى الأدنى، عنوةً، كي تكون له حظوظ أكبر في التأهل الى الـ «يورو» في النسخة التالية، خصوصاً وان النظام يشير الى ان ثمة منتخباً واحداً من كل مستوى سيتأهل «بالتأكيد» الى الـ «يورو».
نقطة ثالثة تستوجب التوقف عندها، وتتمثل في واقع أن فريقاً من أيّ من المستويات الأربعة، قد يخسر كل مبارياته في المجموعة ويحتل المركز الاخير بين كل منتخبات هذا المستوى، ويخسر أيضاً كل مبارياته في تصفيات الـ «يورو»، ورغم ذلك، يتأهل الى الـ «يورو». لكن كيف؟
لنفترض ان كل منتخبات المستوى الاول في دوري الامم الاوروبية تأهلت الى الـ «يورو» من خلال التصفيات الاعتيادية، باستثناء منتخب انكلترا مثلاً الذي خسر كل مبارياته في البطولة وفي التصفيات. لكن طالما ان هناك منتخباً من المستوى الاول لدوري الأمم سيتأهل، حكماً، الى الـ «يورو»، فإن انكلترا «التي خسرت كل شيء» ستكون هي المتأهلة الى الـ «يورو» عن المستوى الأول من دوري الأمم.
ثمة إجماع على أن هذه البطولة ستؤثر سلباً على مردود اللاعبين بسبب الإرهاق الذي ستفرضه المشاركة في مباريات تنافسية إضافية لم تعد ودية بنسبة 100 في المئة، بل دخلت في نطاق النقاط والتصنيف والتأهل والارتباط بالبطولة الاوروبية.
صحيح ان البطل سيحصل على 6.5 مليون جنيه استرليني من مجمل 67 مليوناً جرى رصدها للبطولة ككل، الا ان المكاسب ليست بتلك الوضوح.
وإذا كانت منتخبات كبيرة، كألمانيا مثلاً، لا تستفيد بشيء من مباراة ودية تجمعها بجزر فارو، وأنه لذلك جرى وضعها في مستوى أول تلتقي فيه بمن هم من طينتها، فكيف لجزر فارو أن تستفيد وترتقي اذا ما حُرمت من الاحتكاك بفرق أفضل منها بعد أن جرى زجّها في المستوى الرابع «الضعيف»؟
تبقى النسخة الاولى من دوري الأمم الأوروبية مجرد تجربة غامضة لن يُعرف مدى امكانية نجاحها... من فشلها.