| علي الرز |
صدق الرئيس السوري بشار الاسد عندما اسر للعماد ميشال عون انه قال لزعماء اجانب وعرب ان سورية تفضل النار على ان تعود الى لبنان ولو كان قطعة من الجنة... فما حققته سورية في العامين الاخيرين لبنانيا والجيش السوري في سورية يفوق ما حققته في الاعوام العشرين السابقة والجيش السوري في لبنان.
كان المزاج الشعبي اللبناني، حتى في المناطق التي يسيطر عليها حلفاء سورية، معارضا بتعاظم للوجود العسكري السوري. ويتذكر السياسيون الذين واكبوا تسلم بشار الاسد الملف اللبناني على ايام والده انه كان يتساءل امام المسؤولين الامنيين السوريين و«جماعتهم» المحليين عن سبب خروج نصف مليون لبناني لاستقبال البابا يوحنا بولس الثاني مع المعاني السياسية لذلك، وعن دلالات الاشتباك بالسلاح الابيض اثر مباراة لكرة القدم في المدينة الرياضية بين فريق سوري وآخر لبناني وما تبعها من هجمات على سوريين في ضاحية بيروت الجنوبية. وبالطبع تساءل عندما اصبح رئيسا كيف لم تستطع تظاهرة المليون التي دعا اليها حلفاء سورية في لبنان جمع اكثر من بضعة آلاف فقط رغم كل التجييش السياسي والامني ورغم السيطرة الحديدية للنظام الامني المشترك، ثم فوجئت القيادة السورية اثر استشهاد الرئيس رفيق الحريري بان اول تمثال للرئيس حافظ الاسد تم تدميره كان في قانا الجنوبية، وان عدد الاعتداءات على العمال السوريين في مناطق «الحلفاء» كان الاكثر.
ماذا حصل بعد خروج الجيش السوري من لبنان؟ نشطت الاجهزة الامنية في اطار عمل سري ومحكم لا احتكاك مباشرا فيه بالعلاقات مع الناس، وتعهدت قوى لبنانية رئيسية بتحقيق ما عجز الجيش السوري عن تحقيقه بعدده وعديده لاسباب كثيرة اهمها انها اصبحت جزءا لا يتجزأ من محور اقليمي يواجه بطريقته الخاصة جملة استحقاقات... ويقتضي المنطق القول بان ادارة بعض اللبنانيين للملف السوري في بيروت كانت افضل بكثير من ادارة بعض السوريين للملف اللبناني في دمشق.
كثرت الاغتيالات وتم سجن اللبنانيين في دائرة الخوف ردا على الحركة السيادية الاستقلالية التي انتجت غالبية في المجلس النيابي. صارت السلطة معارضة والمعارضة سلطة. طرف يملك السلاح والاعتراض والانسحاب وتجميد الحكم وشل الحكومة وقرار الحرب والسلم، وطرف لا يملك سوى سلاح التوافق حرصا على مكتسبات السيادة والاستقلال والحدود الدنيا من وحدة داخلية لا تعيد عقارب الزمن الى الوراء.
هاجم الرئيس الاسد الرئيس فؤاد السنيورة فانسحب وزراء طرف سياسي من الحكومة. اعلن بعد حرب يوليو ان الغالبية منتج اسرائيلي ويجب ان تسقط احتل «حزب الله» و«أمل» والتيار العوني واطياف اخرى وسط بيروت بتظاهرة ضمت مئات الآلاف وحوصر رئيس حكومة الغالبية التي وصلت الى الحكم بانتخابات نيابية. اقفل رئيس مجلس النواب مبنى البرلمان ومنع انتخاب رئيس للجمهورية. دخلت مجموعات اسلامية متطرفة من سورية الى شمال لبنان وخاضت حربا استنزفت الجيش اللبناني. انتهت حرب مخيم نهر البارد ليجد الجيش اللبناني نفسه في حروب الزواريب ومحارق الاطارات تارة بسبب «طائفية التيار الكهربائي» وطورا باحتجاج على «الغلاء المذهبي». وقع الجيش في كمين احداث مار مخايل ولجان التحقيق التي تلتها فشلت يده في 7 مايو حين احتل «حزب الله» وحلفاؤه العاصمة بيروت في ثلاث ساعات... ثم تغير المشهد السياسي بعد اتفاق الدوحة ودخل الثلث المعطل مختالا الى التركيبة الحكومية تماما مثلما دخلها رموز من عهد الوصاية.
لماذا سيعود الجيش السوري الى لبنان ما دام الذي يحققه حلفاء سورية في غيابه افضل الف مرة مما يمكن تحقيقه في وجوده؟ لماذا سيعود ويكون مسؤولا في الواجهة والعلن عن شل الحكم واغلاق البرلمان واحتلال العاصمة؟ ولماذا سيعود ويكون مسؤولا في الواجهة والعلن عن سلسلة من الاحداث الامنية ضد اي شخصية لبنانية او سفارة او سفير؟ لماذا سيعود ويكون مسؤولا في الواجهة والعلن عن انتشار عناصر التطرف الاسلامي؟ ولماذا سيعود ويكون مسؤولا في الواجهة والعلن عن سلسلة من المواقف السياسية التي يشنها حلفاؤه ضد هذه الدولة العربية او تلك الاجنبية؟ ولماذا سيعود ويكون مسؤولا في الواجهة والعلن عن سلسلة من التطورات التي قد تحدث مثل خطف رعايا اجانب او عمليات ضد قوات اليونيفيل في جنوب لبنان؟ ولماذا سيعود ويكون مسؤولا في الواجهة والعلن عن تفجيرات تبدأ في المخيمات الفلسطينية لتنتقل الى خارجها لاحقا؟ ولماذا سيعود ويكون مسؤولا في الواجهة والعلن عن اي تحريك لجبهة الجنوب ضد اسرائيل فيما النظام يخوض مفاوضات مثمرة مع اسرائيل وبامكانه الاستفادة من الورقة اللبنانية في التوقيت المناسب؟
اسئلة كثيرة اجاباتها معروفة... لكن السؤال الذي تصعب الاجابة عليه هو: متى يعود بعض اللبنانيين الى لبنان؟.
alirooz@hotmail.com