قراءة / خلال ديوان شعري رسمت نصوصه بالكلمات

ثريا البقصمي... تضع «عباءة عشق على كتف القمر»

تصغير
تكبير

لم تتوقف الكاتبة والفنانة التشكيلية الكويتية ثريا البقصمي عند حدود الفنون التشكيلية -تلك التي أنتجت فيهـــا أعمالاً اتسمـــت بقدر كبير من الخصوصية والتميز- ولكــنها تجـــاوزت ذلك كــي تتحاور مــــع الإبـــــداعات الإنسانية الأخرى في أنساق تفاعلية، وبحرارة لا تقل قيمة عن منتجها التشكيلي، ونقصد في هذا السياق الأدب شعرا ونثرا... ذلك الذي اقتحمت هدأته كي تحرك سكونه، بكتابات تتناغم مع الحياة بأكبر قدر من التكثيف والإيحاء... لتكون محصلة هذا الاقتحام الإبداعي قصصا ونصوصا شعرية ضمنتها في مجموعات.
وفي ديوانها الشعري «عباءة عشق على كتف القمر»- الصادر عن مسارات للنشر والتوزيع- حرصت البقصمي على أن تكون لغتها الشعرية قريبة من التشكيل، ومتفاعلة مع ألوانه، وتكويناته وأشكاله ومضامينه، كي تستخدم -في هذه الحالة- الكلمات بدلا من الفرشــات فـي رسم مشاعر بدت متوهجة بالحيوية والحركة، ومتفـــاعلة مع الواقــع بقدر كبيــــر من الخــــيال:
ليمنحني قمري كتفه
فأدثره بعباءة عشقي
لعلها تحميه
من صقيع الهجر.
هكذا لخصت البقصمي -بقليل من الكلمات- محتوى ديوانها، الذي تتحاور فيه مع الجمال الذي اتخذت من القمر رمزا له، ومن الخيال مساحة بهية لا نهائية، تسبح فيها بكلماتها، تاركة لمشاعرها حرية اختيار المفردات من دون ترتيب أو تصنع، لنقرأ نصوصا شعرية، مترابطة فيما بينها، غير أنها تحمل في عناوينها ومضامينها وأخيلتها، صورا تتواتر فيها الرؤى في أنساق جمالية جذابة.
وأرادت الشــاعرة أن تضمن ديوانها بعناوين تندرج تحتها عناوين أخرى لنصوص قصيرة تحكي الخيال، وتتحاور معه لنقرأ «مزار العشق»، و«تابة في المقهى»، و «قوارير العشق»، و «قلادة للقمر»، و «شجرة الوهم»... وهذا الشكل الذي أرادته البقصمي لديوانها تأكيدا لوحـدة المــوضـــوع الذي تتناولـــه بالحـــديث خلال مدلولاتها الشعرية، التي وضعتها بعناية في متون نصوصها القصيرة لتقول في نص «زخرفة»:
في كل الأوراق
التي زخرفتها
لم أنقش اسمه
حول صورته
بنيت جدارا
شاهقا
كنخلة مجنونة
تصارع لظى
شمس الظهيرة.
والديوان كتبت معظمه البقصمي -كما كشفت في المقدمة- في مقهى «كافيه دي نيرو» في مدينة «برايتون»، محتفية بالضجيج الذي تحدثه حركة فناجين القهوة والأحاديث الجانبية لرواد المقهى بمختلف لغاتهم، ورائحة الأطعمة، وغير ذلك من المظاهر التي تراها الشاعرة منفتحة على العالم الخارجي... لتقول في نص «خيال»:
حولت الخيال
لقوارب
أبحر بها من موانئ الحلم
لحصان خشبي
تأرجح وحيدا
على أنغام الزمن
لحكايات متشابكة
نسجت رداءها
من خيوط
جدائل الفجر.
وما يلفت النظر في نصوص البقصمي القصيرة أنها تتضمن حالات صوفية خاصة، كتبتها الشاعرة بأدوات فنية مفعمة بالحركة في أكثر من اتجاه: «أنا دائرة/‏ خطوطي تنحني/‏ لمربع عواطفك».
بينما تتألق المفردات في أنساقها الحياتية في توهج فني وشعري ملحوظ، وذلك وفق حالات إنسانية شفافة لتقول في تكثيف إيحائي عبر نص «اقترب»:
كيف اقتربت
من شفاه الحقيقة
لتنطق بأسرار صغيرة
تطوق ضفائر البنات
وسنهتم ونحن نقرأ نصوص الديوان باللوحات التشكيلية التي ترسمها الشاعرة بالكلمات، وتتحدث فيها مع نفسها أولا ثم مع محيطها الخارجي، بمفردات بسيطة، وفي الوقت نفسه متواصلة مع مضامين حسية منتقاة من حركة الحياة لتقول في نص «إعلان»:
إعلان قديم
عن رجل خرج ولم يعد
امرأة
تعرض عاشقها
 للبيع
وأخرى تبيع
قطة
لم تعد تؤنسها
السلة ازدحمت
بإعلانات ممزقة
مغسولة
بدموع ناشريها.
والبقصمي... شاعرة وقاصة وروائية وفنانة تشكيلية، أصدرت الكثير من الكتب التي تهتم بالأدب شعرا ونثرا، كما أن معظم أعمالها قد ترجم إلى لغات أجنبية عدة مثل الإنكليزية والفرنسية واليابانية والصينية والفارسية والألمانية وغيرها، كما أن لوحاتها تجوب مختلف بلدان العالم.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي