«مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ»... سلسلة مفتوحة تستعرض أعشاباً ومزروعات فيها فوائد علاجية ووقائية

الأدوية النباتية... نظرة تمهيدية

تصغير
تكبير

بدايةً، فلنتفق على أن الأعشاب والمزروعات الطبية بشكل عام تشمل أي شيء ينبت من الأرض ويمكن استخدامه جزئيا أو كليا لأغراض الاستطباب أو الحصول على فوائد علاجية أو وقائية محددة.
وانطلاقاً من أن هذه السلسلة سنهتم تحديدا بتسليط الضوء على الفوائد والمنافع العلاجية التي يمكننا الحصول عليها «مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ» (أي من الأعشاب والمزروعات عموما سواء كانت مثمرة أو غير مثمرة) فإنه من الضروري أن نشير في مستهل رحلتنا المفتوحة هذه إلى أن علم خصائص الأعشاب والمستخلصات النباتية الطبية قد أثبت أن «ما تنبت الأرض» ينطوي على مواد ومكونات طبيعية كثيرة يمكننا أن نصنع منها أصنافا عدة من المستحضرات التركيبية الطبيعية التي يمكن الاستفادة منها علاجيا واستشفائيا في مجالات كثيرة، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر معالجة أمراض يصاب بها أو على الأقل كبح بعض الأعراض المؤلمة أو المزعجة إلى حين مداواتها بأساليب أكثر فعالية أو حتى استئصالها جراحيا.
فحتى الآن، نجح عشَّابون وباحثون مختصون في هذا المجال في اكتشاف ما لا يقل عن 12 ألف مادة دوائية طبيعية فعالة توجد في أعشاب ونباتات طبية، وهو الرقم الذي تتوقع تقديرات أنه يعادل 10 في المئة فقط من إجمالي تلك المواد المحتملة الكامنة في «ما تنبت الأرض».
في إطار هذه الصورة الكبيرة، سيصحبكم ملف «نبض العافية» ابتداء من اليوم في رحلة أسبوعية تسعى كل حلقة فيها إلى التعريف بمختارات من الأعشاب والمزروعات مع محاولة توضيح بعض أهم الفوائد الاستشفائية والعلاجية والوقائية الكامنة في مستخلصاتها الطبية.

الأدوية النباتية... تاريخياً

الواقع أن استخدام الأعشاب والنباتات الطبية كأدوية هو أمر قديم جدا إلى درجة أنه يسبق حتى التاريخ البشري المدون. كما أن هناك حاليا اعترافا عالميا بدراسة استخدام الإنسان للأدوية النباتية والعشبية كطريقة مقبولة لاكتشاف أدوية مستقبلية ناجعة لمواجهة أمراض تهدد البشرية.  ومنذ قرون بعيدة، اكتشف عشابون وأطباء لكل عُشبة أو نبتة طبية خواصا تفيد علاجيا أو وقائيا أو تلطيفيا في أمراض عدة، فمنها مثلا ما يصلح لمداواة تقرحات المعدة، ومنه وما يساعد في تطهير الجروح وتجفيفها، وما يخفف آلام أمراض العظام والمفاصل، وما يسهم بفاعلية في تطهير العينين وتخفيف التهاباتهما، وما يلطف احتقان الحلق والحنجرة، وما يعالج أعراض أمراض الكليتين، وما يفيد كمقو عام للجسم.
وما زال استخدام «الأدوية النباتية» منتشرا على نطاق واسع نسبيا بين المجتمعات الريفية والبدوية على مستوى العالم الثالث تحديدا، حيث غالباً ما تكون تكلفتها أقل بكثير من تكلفة شراء العقاقير الصيدلانية الحديثة. فتقديرات منظمة الصحة العالمية تشير إلى أن 80 في المئة تقريباً من سكان بعض الدول والمجتمعات الفقيرة في قارتي آسيا وإفريقيا تحديداً ما زالوا يستخدمون أدوية مستخلصة من أعشاباً ونباتات.
في هذا الإطار، من المفيد أن نوضح أن لكثير من العقاقير الصيدلانية المتاحة حالياً تاريخاً طويلاً من ناحية كون أصلها علاجات عشبية، بما في ذلك عقاقير الاسبيرين والديجيتال والكينين والأفيون.
معناها... وكيفية تأثيرها

يشير مصطلح «الأدوية النباتية» إلى جميع المستحضرات والمستخلصات التي يتم إعدادها بمقادير ونسب مدروسة من مكونات طبيعية توجد في أعشاب أو مزروعات معينة. ولا ينطبق لقب «دواء» على أي من تلك المستحضرات إلا إذا كان قد تم توليفه على يد أو تحت إشراف اختصاصي معتمد يتولى الاشرف على تعاطيه مع تحديد دواعي ومحاذير الاستعمال، والجرعة المناسبة، إلى جانب توضيح الأعراض الجانبية المحتملة. والمستخلصات النباتية الطبية تنفذ تأثيراتها على الجسم البشري من خلال عمليات مشابهة لتلك التي نعرفها في ما يتعلق بالمركبات الكيميائية التي تتألف منها الأدوية العقاقيرية، وبهذا فإنه يمكن القول إن الأدوية العشبية لا تختلف كثيرًا عن العقاقير الصيدلانية في ما يتعلق بـ«طريقة» العمل والتأثير. وهذا يعني أن تأثيرات المستحضرات الدوائية العشبية مشابهة لتأثيرات الأدوية العقاقيرية... سلباً وإيجاباً.
وهذا يعنى أنه في موازة فوائدها فإنها أيضا قد تتسبب في تأثيرات جانبية ضارة إما بسبب وجود حساسية لدى المريض ضد المادة الفعالة، أو بسبب زيادة الجرعة المأخوذة، أو بسبب الاستخدام الخاطئ، أو بسبب تداخلها عكسياً مع عقاقير يتعاطها المريض بالتزامن.

نطاق انتشارها... وأمثلة

وصحيح أن دراسات أجريت في الولايات المتحدة ودول أوروبية قد أظهرت أن استخدام الأدوية النباتية والعشبية أقل شيوعاً في تلك الدول، لكن لوحظ في الوقت ذاته أن استخدامها شهد تزايداً ملموساً ومطّرداً على مدار السنوات الأخيرة الماضية في ظل التوصل إلى أدلة بحثية وعلمية أثبتت أن لتلك الأدوية الطبيعية فاعلية لا يستهان بها.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، استفادت البشرية كثيراً جداً منذ أن اكتشف باحثون في أواخر القرن التاسع عشر أن لحاء شجر الصفصاف يحتوي على مقادير كبيرة من حمض الساليسيليك الذي هو المستقلب النشط والمادة الفعالة الأساسية للاسبيرين الذي طالما أسهم في تسكين آلام مليارات من البشر وتخفيض حرارة أجسامهم المرتفعة على مدار أكثر من قرن من الزمان، فضلاً عن أنه تم استخدام لحاء شجر الصفصاف على مدار آلاف السنوات كدواء طبيعي فعال لتخفيف الألم وكبح حدة الحمى. وسنخصص حلقة كاملة من هذه السلسلة للحديث عن هذه القصة تحديداً.
ومن بين الأمثلة الأخرى نذكر أيضاً عشبة المريمية التي من بين فوائدها العلاجية أنها تفيد في تنشيط الأعصاب، وتنظيم دورات الحيض، والتخفيف من آلام حالات انقطاع الحيض، وتطهير الرحم، وتنقية الأسنان من البكتيريا، وتقوية اللثة ومعالجة التهاباتها لدى المدخنين خصوصاً، فضلاً عن كونها تساعد في تخفيف المغص المعوي.

? في الحلقة المقبلة:
 «العَشّاب... كيف تميز بين الخبير والنصّاب؟ »


تنبيه... احترازيّ

صحيح أن تعاطي الأعشاب والنباتات الطبية آمن نسبياً في معظم الأحوال، وذلك لكونها تتألف من مواد ومركبات عضوية طبيعية. لكن التنبيه الاحترازي التالي يجب أن يصاحب حلقات هذه السلسلة:

? ما تستعرضه هذه السلسلة ليس وصفات علاجية يمكن للقارئ أن يعتمد عليها من تلقاء نفسه للتداوي من أي مرض أو لمكافحة أعراض أمراض، بل إن ذلك التداوي ينبغي أن يكون دائما تحت إشراف دارس خبير ومتخصص في هذا المجال، مع مراعاة جميع الاحتياطات والاعتبارات اللازمة لضمان عدم حصول أضرار أو تأثيرات عكسية على صحة المريض.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي