سلسلة تُسلّط الأضواء على الأعضاء والأنسجة البشرية الأكثر عُرضة للاستئصال جراحياً (9 من 10)

حُويصلة المرارة... مستودع عُصارة

تصغير
تكبير

هي «مستودع» شبه بيضاوي الشكل وظيفته تخزين عُصارة هاضمة خاصة يُفرزها الكبد وتتسم بكون طعمها شديد المرارة. وإذا تم استئصالها من جسمك، فسيفقد جهازك الهضمي جزءا كبيراً من قدرته على تفتيت وهضم الدهون. وإذا حصل فيها انسداد بسبب حصوات أو أصيبت بالتهاب، فإنك ستشعر بآلام مبرحة قد تحرمك النوم، ناهيك عن معاناتك من أعراض مزعجة أخرى...
إنها «حُويصلة المرارة» أو «حُويصلة العُصارة الصفراوية»، التي نطلق عليها عادة «المرارة» من باب الاختصار.
وتلك الحُويصلة هي كيس صغير شكله الخارجي قريب الشبه بثمرة الكمثرى، وتوجد لدى الإنسان أسفل الكبد من الجهة اليمنى، وتبلغ سعتها التخزينية لدى الشخص البالغ نحو 60 مليلتر تقريبا.
وإذ تلعب «المرارة» دورا حيويا في عملية الهضم، نصاحبكم من خلال حلقة اليوم في رحلة تعريفية تسبر مزيدا من أغوار هذه الحويصلة الفائقة الأهمية...

وصفها... تشريحياً ووظيفياً

يبلغ متوسط طول حُويصلة المرارة لدى الأشخاص البالغين 8 سنتيمترات، ويبلغ متوسط طول محيطها 4 سنتيمترات تقريبا، وهي مجوّفة ومُغطّاة بنسيج طلائيّ يكسوها طوليا ويخفي أسفله طبقة تتألف من أنسجة ضامّة تتخلّلها مسام جيبية تسمح للمرارة بالامتصاص، وهذه المسام تعرف تشريحيا باسم «جيوب أشكوف روكي تانسكي».

والوظيفة الأساسية التي تقوم بها حُويصلة المرارة هي كونها مستودعا للعصارة الصفراوية التي يفرزها الكبد، حيث تبقى مخزنة هناك ليسحب منها الجهاز الهضمي تدريجيا حسب احتياجاته، فخلال مراحل عملية هضم الطعام، وتحديدا عند دخول الدهون إلى الاثني عشر، تبدأ حُويصلة المرارة بالتقلّص تلقائياً بفعل هورمون يعرف باسم «كوليسيستوكيتين»، وهكذا فإن العصارة الصفراوية تبدأ بالانسياب من الحُويصلة لتختلط مع الطعام وتبدأ في تفكيك الدهون قبل انتقالها إلى الأمعاء الدقيقة. وما يحصل تسلسليا هو أنه عندما يتناول الإنسان مواد دهنية ووصولها إلى الإثنى عشر، تنساب العُصارة الصفراوية من قناة الحُويصلة المرارية منتقلة عبر القناة المرارية العامة ومنها إلى الإثنى عشر حيث الدهون المطلوب تفكيكها.
وصحيح أن الجهاز الهضمي لا يحتاج إلى هذه العصارة خلال الفترات الفاصلة بين وجبات الطعام، لكنها مع ذلك تستمر بالانسياب من الكبد وتصّب في القناة الصفراوية العامة وتبقى محتجزة هناك بواسطة عضلة خاصة شبه مائلة ومستديرة، وهذه العضلة هي التي ترغم العصارة على الرجوع متدفقة إلى داخل حُويصلة المرارة ليتمّ تخزينها إلى حين الاحتياج إليها.
وعند وصول العُصارة الصفراوية إلى الأمعاء، فإنها تقوم بدور مهم في هضم وامتصاص الدهون والكولسترول والفيتامينات ذات الذوبان الدهني A و K و D وE.
وخلال مرورها في الأمعاء الدقيقة والغليظة، تتعرض العُصارة الصفراوية إلى تفاعلات ينتج عنها تغيير لونها الأصلي إلى لون أصفر مائل إلى البني بدلا من الأصفر المائل إلى الأخضر. وهذا اللون هو الذي يكسب البراز لونه التقليدي. أما عند الإصابة بالإسهال فانه قد لا يتاح وقت كاف لهذا التغيير في لون العُصارة، فتكون نتيجة ذلك هي أن لون البراز قد يكون أخضر اللون  كما يحصل عادة في حالات إسهال الأطفال.
ويمكنك مشاهدة اللون الحقيقي للعُصارة الصفراوية عندما يتقيء شخص ويفرغ محتويات معدته ومحتويات الإثنى عشر، فيخرج من جوفه القئ مخلوطا بسائل أصفر يميل إلى الاخضرار، ويشعر المتقيء بمرارة العصارة الصفراوية في حلقه تحديدا.

التهابها... وأعراضه

أحيانا تتبلر العصارة الصفراوية إذا تراكمت وركدت داخل حُويصلة المرارة، ما يؤدي إلى إصابتها بالتهاب حاد نتيجة لتبلور ونشوء حصوات صغيرة قد تنمو ويكبر حجمها مع مرور الوقت.
وعادة ما يكون التهاب المرارة الحاد بسبب أن حصاة قد تسببت في انسداد القناة الواصلة من حُويصلة المرارة إلى القناة الصفراوية العامة، وهذا يُعرف طبيا بـ«بالتهاب المرارة الحصوي الحاد» ويكون في 90 في المئة تقريبا من حالات التهاب المرارة، بينما تنشأ الـ10 في المئة المتبقية لأسباب أخرى من بينها إصابة حُويصلة المرارة بجرثومة السالمونيلا البكتيرية.
ومن بين أبرز العوامل التي تساعد على التهاب المرارة الحصوي الحاد: مرض السكري، والحمل، والوزن المفرط، والفقدان السريع للوزن، وبعض الإصابات الجرثومية، وأمراض القلب، والأنيميا المنجلية، ومرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز).
أما أعراض وعلامات التهاب المرارة الحاد فتشمل ما يلي:
? ألم حاد شديد في المنطقة اليمنى أعلى البطن، وقد يمتد الألم وصولا إلى مفصل الكتف الأيمن. والفرق بين ألم التهاب المرارة الحاد وألم المغص المراري هو ان ألم الناجم عن الالتهاب يستمر عادة لأكثر من 6 ساعات .
? الغثيان والقيء والإعياء.
? ارتفاع طفيف في درجة حرارة الجسم.
? الفحص السريري للمريض يكشف عن ألم عند الضغط في المنطقة اليمنى أعلى البطن مع زيادة معدل نبضات القلب.
لكن ليس كل ألم حاد في المنطقة اليمنى أعلى البطن يعني بالضرورة وجود التهاب حاد في المرارة. فقد يكون ذلك الألم ناجما عن مشاكل أخرى لا يستطيع سوى طبيب متخصص أن يحددها، بما في ذلك على سبيل المثال:
 ? قرحة في المعدة
? المغص المراري
? التهاب الكبد الفيروسي الحاد
? التهاب البنكرياس الحاد
? حصوة الكلية اليمنى والمغص الكلوي الحاد
? التهاب الكبد الأميبي
? جلطة القلب وجلطة القولون الأيمن
? الأنيميا المنجلية.

حصواتها... ومسبباتها

تنشأ الحصوات في عدد من أعضاء الإنسان، فهناك حصوات تتشكل في الكليتين وأخرى في المثانة وفي غدة البروستات بل وأحيانا حتى في الغدد اللعابية. وينطبق الأمر على حُويصلة المرارة التي تتبلور فيها حصوات في بعض الحالات المرضية.
وفي حال حدوث ذلك، يشعر المريض بألمٍ شديد نتيجة انحصار كتلة صغيرة قاسية جداً في قناة الصفراء العامة، وتؤدّي بدورها إلى إغلاق مخارج قناة الصفراء العامة وهذه الكتل يطلق عليها حصوات المرارة.
ومن الممكن أن يؤدّي استمرار انسداد القناة الصفراوية إلى الإصابة بمرض اليرقان الذي يتسبب في اصفرار جسم المريض وشحوبه بالكامل. وفي مثل تلك الحالات، يلجأ الأطباء عادة إلى التدخل الجراحي بإخضاع المريض لعملية استئصال حُويصلة المرارة جراحيا بعد فشل الأدوية في تفتيت الحصوات. وبفضل تطور التكنولوجيا الطبية، أصبح من الممكن اللجوء إلى استخدام أجهزة خاصة لتفتيت الحصى المرارية من دون تدخلات جراحية؛ وهي الأجهزة التي تطلق موجات تصادمية تفتت الحصوات إلى جزيئات صغيرة جداً فيصبح من السهل انجرافها مع العصارة الصفراوية إلى الإثنى عشر وبهذا ينتهي الانسداد.
وحصوات المرارة هي عبارة عن تكتلات لأجسام صلبة وخشنة، وهي قد تكون صغيرة جدا بحجم حبة الذرة، لكنها قد تتضخم تدريجيا وتكاد تملأ جوف كيس حُويصلة المرارة. وتتفاوت الأحجام بين هذين الحجمين.
لكن كيف تتشكل حصوات المرارة أساسا؟ للإجابة عن هذا السؤال، ينبغي أولاً توضيح أن العُصارة الصفراوية التي يتم تخزينها في كيس حُويصلة المرارة هي سائل مذاب فيه عدد من المواد الصلبة بما في ذلك دهون كولسترول وأملاح وصبغات صفراوية وسكريات. فإذا زاد تركيز هذه الأجسام الصلبة، فإنها تترسب وتتجمع مع بعضها البعض مكونة حصوات متبلرة فتتشكل الحصوات.
وفي التالي نذكر عددا من أهم الأسباب التي تؤدي إلى زيادة تركيز وترسيب هذه المواد وبالتالي نشوء حصوات المرارة:
? حدوث إصابات بكتيرية أو طفيلية في القنوات التي تنقل العُصارة الصفراوية من الكبد إلى الأمعاء.
? الأنيميا المنجلية المسببة لتكسر خلايا الدم الحمراء، وذلك بسبب زيادة تركيز الصبغات الصفراوية التي تنتج عن تكسر الخلايا الحمراء.
? زيادة تركيز وكثافة العُصارة الصفراوية بسبب قلة شرب السوائل
? احتباسها العُصارة الصفراوية في حُويصلة المرارة لأي سبب
ومن بين العوامل الأخرى التي تلعب دورا مساعدا في نشوء حصوات المرارة:
? السن: يزداد احتمال الإصابة بحصوات المرارة في ما بعد سن الأربعين
? الوزن: يزداد احتمال ظهور حصوات المرارة لدى ذوي الوزن الزائد أكثر من نظرائهم ذوي الوزن الطبيعي
? حبوب منع الحمل: هذه الحبوب فيها تركيز مرتفع من هورمون الاستروجين الذي يسهم في زيادة فرص نشوء حصوات في حُويصلة المرارة
? نوع الجنس: تظهر حصوات المرارة لدى النساء أكثر من الرجال.


ما مصير العُصارة... بعد استئصال «المرارة»؟

على الرغم من أن عمليات استئصال حويصلة المرارة شائعة نسبيا، فإن هناك تساؤلات حائرة ما زالت تدور في أذهان كثيرين من دون أن يجدوا إجابات عنها، ومنها: ما مصير العصارة الصفراوية بعد أن يتم استئصال حويصلة المرارة جراحيا؟ هل يوقف الاستئصال إفراز تلك العصارة؟ أم أنها تستمر وتتدفق في مسالك أخرى؟ أم أن الجراح الذي يجري العملية يصنع لها قناة خاصة تؤدي إلى الإثنى عشر؟
تبدأ الإجابة عن تلك التساؤلات بتوضيح أنه من الممكن أن يصاب المريض بمجموعة من الأعراض بعد الخضوع لعملية استئصال حويصلة، وهي الأعراض التي يطلق عليها مجتمعة اسم «متلازمة ما بعد الاستئصال»، وهي المتلازمة التي تشبه إلى حد كبير أعراض حصوات المرارة.
وتنشأ هذه الأعراض بسبب أن العُصارة الصّفراء لا تجد المستودع الذي كانت تتخزن فيه (حويصلة المرارة) فتبدأ بالتسرب إلى أماكن متفرقة قريبة، وفي مقدمها المعدة وما حولها.
كما أن جزءا من تلك العصارة الصفراوية المتسربة هنا وهناك قد يتكتل مكوّنا حصوات بين أنسجة الأعضاء المجاورة، وهي الحصوات التي تكون سببا في ظهور أعراض «متلازمة ما بعد الاستئصال»، بما في ذلك الآلام المبرحة والغثيان.
وقد تصل تسريبات العصارة الصفراوية إلى الجزء الأعلى من الجهاز الهضميّ، وهو الأمر الذي يتسبب في الاصابة بالتهابات في المريء والمعدة. وتكون نتيجة ذلك شعور المريض بمغص حاد في أسفل البطن مع امكانية حدوث إسهال متكرر.
وفي الماضي كان لابد من اللجوء إلى الجراحة المفتوحة (من خلال شِق جراحي كبير) لاستئصال حويصلة المرارة، لكن التطورات الهائلة في مجال التقنيات الجراحية باتت تتيح إمكانية إجرا عملية استئصال المرارة بتقنية «التنظير البطني» عن طريق إدخال كاميرا جراحية صغيرة عبر شق جراحي صغير جدا، ثم إدخال أدوات جراحية خاصة عبر شقوق جراحية صغيرة أخرى لتمكين الجراح من مشاهدة المرارة وما حولها كي يتمكن من استئصالها.
ومن بين أبرز المخاطر والمضاعفات التي قد تحدث بعد الخضوع لاستئصال حويصلة المرارة جراحيا: حدوث تسرب للعصار الصفراوية إلى أنسجة أخرى والتهابها، والنزيف الداخلي، ونشوء تجلط دموي داخلي، وبعض مشاكل القلب، والالتهاب الرئوي.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي