مثقفون بلا حدود
الكويت في قلب شاعر (3)
... ذهبت وأخوتي إلى قسم الشرطة (المخفر) لتقديم أنفسنا دفاعا وذودا عن أرضنا وكرامتنا وهويتنا، وجدنا شباب المنطقة وقد تزاحموا وحشروا في باب المخفر، كانوا يستميتون للدخول وتقديم أنفسهم، كذلك نحن زاحمنا ودخلنا عنوة، وإذا بأفراد الشرطة يدوّنون الأسماء بكشوفات ويأمروننا بالرحيل لحين الاستدعاء، كان الكل يهتف بحب الكويت، يريدون سلاحا، يريدون الذهاب إلى جبهات القتال، ولكن الرؤية لم تكن واضحة حتى الساعة.
حوّط الجبناء على هذه الثلة الشجاعة الصابرة من بواسل الحرس الوطني الكويتي فاستشهد كثير منهم وأسر الكثير، لقد سلـّطوا عليهم بنادق الرش الآلي بواسطة الطائرات المروحية فوق المباني.. أيها الوغد البعثي لن تسرق الأرض إلا على جثثنا لترتوِ الأرض من دمائنا، لنخضب شفاهنا من طينك الطاهر حبيبتي الكويت، فلا تخافي ولا تجزعي، يا أزلام البعث البغيض قولوا لصاحبكم هون عليك.
*«الله أكبر... الله أكبر...
قولوا لمن قد تكبر
وقد طغى وتجبر
هون عليك قليلا
فقوة الله أكبر
لن يخذل الله شعبا
بحقه قام يثأر
فقد نقضت عهودي
ودست أرض جدودي
غدا بصخر صمودي
أحلامكم تتكسر
يا سارق الأرض مهلا
ففي غدا سوف تقهر
إني بعينيك جمر
وبين جنبيك خنجر
فسوف تمضي ونبقى
فنحن بالعيش أجدر»
(شعر عبد الله العتيبي شاعر الوطن والوطنية)
نعم يا طائر البشرى لن يخذلنا الله، لأننا أصحاب حق، فيد الخير الكويتية الندية بسطت راحتيها واحتوت مشارق العالم ومغاربه، لجان الخير الكويتية في كل مكان، في الشوارع والمحلات التجارية الكبيرة والصغيرة، أصغر بقالة في الكويت تضع أكثر من صندوق لأكثر من لجنة خيرية، لجميع بلدان العالم، استثمارات الكويت نشطت العالم العربي وبدأ يأخذ أنفاسه، آمن الكويتيون بأن الخير هو خير الله، والفضل يعود أولا وأخيرا لله عز وجل ان أنعم عليهم بهذا النفط الذي غير حالهم وغير حال فقراء العالم، واستفاد منه القاصي والداني وتقاسموا لقمة العيش بينهم وبين أبناء عروبتهم ودينهم الإسلامي السمح.
*«كويت يا كويت
يا وردة الصحراء والبحار
كويت يا كويت
يا رحلة الإنسان للنهار
كويت يا كويت
يا ضحكة الأقدار للبشر
كويت يا كويت
يا فرحة الربيع بالمطر»
(شعر عبد الله العتيبي شاعر الوطن والوطنية)
بدأ الظلام يخيم علينا... قلوبنا توزعت وتفرقت... انقسم قلبي إلى أربعة أقسام، قسم انشغل بمصير الكويت، وقسم انشغل بحال أمي الناظرة، وقسم انشغل بإخوتي الغائبين، وقسم انشغل بكينونتي وذاتي.
بسط الليل ذراعيه على أرضي الحنون، مازلنا ننظر إلى بعضنا البعض بصمت وحيرة، تراوحت خطواتنا بين صالة الجلوس وبوابة المنزل، نتفقد الشارع ونتمم على الجيران... وهم كذلك، تساؤلات مجنونة... لا بد أن يكون هناك خطأ ما حصل في هذا الفضاء، هناك خلل ما في الكون، أين الحقيقة؟! لماذا يحدث كل هذا؟! هل اقترفنا ذنبا؟ هل أخطأنا بحق الجوار؟ أم «اتق شر من أحسنت إليه»، نعم هو كذلك، لقد أحسنا إليك أيها الجار البعثي العاق المارق... وأرضعناك لبنا دسما... وأغدقنا عليك الأموال وأجزلنا لك من الهدايا... فماذا كانت النتيجة؟!
ما زلت أقاضي خلجات نفسي، أحاسب الزمن في بحر من المحن، ها هي سيارة أخي فتحي تدخل الشارع وتقف أمامنا.
نزل أخي بكل ثبات ليلقي علي التحية، فتحي؟ الحمد لله... هل أنت بخير؟ ماذا جرى بكويتنا يا فتحي لماذا؟ أحقيقة ما نرى ونسمع ؟ قل...لا... لا...
بل هي الحقيقة يا فهد... كويت من تحب فتاتك وحبك الأبدي تغتصب بخسة ونذالة، بغدر وخيانة... تعال إلى الداخل لأطمئن أولا على أمي وأبي وأخوتي، وسوف نتحدث بذلك بعدا.
لا... لا... ادخل أنت... سوف أنتظر أخوتي الغائبين.
ويحك... من الغائب منهم؟
مازال هناك ناجي وخليل وعماد...
لا حول ولا قوة إلا بالله... إنها كارثة يا رب ارجعهم إلينا سالمين.
* كاتب وباحث لغوي كويتي
- المصدر: رواية (الكويت في قلب شاعر- 2 /8 /1990حتى 26/ 2/ 1991 )
fahd61rashed@hotmail.com