خصّ الله تعالى من شهور العام أربعة عظم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن والعمل الصالح والأجر أعظم، والمراد من الأربعة الحرم ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب، فهي أشهر قد شرفها الله تعالى، وجعل لها مكانة عظيمة وضاعف فيها الحسنات والسيئات، ولذلك يقول تعالى فيها: «فلا تظلموا فيهن أنفسكم»، فلا تظلموا أنفسكم في هذه الشهور بارتكاب المعاصي والكسل عن العمل الصالح، لأنها آكد، وأبلغ في الإثم من غيرها، قال الصالحون: إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزراً من الظلم في سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيماً، ولكن الله يعظم في أمره ما يشاء، فهي شهور اصطفاها الله تعالى، فمن احتاط فيها من السيئات والوقوع في المعصية، وأَكَثر فيها من الذكر وأعمال الخير والطاعات عظُم فيها ثوابه وضوعفت له الحسنات.
وفيها أيام مباركة وهي العشر الأوائل من ذي الحجة، قال فيها رسولنا الكريم: «أفضل أيام الدنيا العشر- يعني عشر ذي الحجة»، فإنها شريفة مفضلة يضاعف العمل فيها، ويستحب في هذه العشر الأوائل الاجتهاد في العبادة والإكثار من الأعمال الصالحة، كالاعتكاف والقيام، وقراءة القرآن الكريم وذكر الله تعالى، والاستغفار والصدقة، وصلة الأرحام، وصيام تلك الأيام، بل إن الصيام هو من أجلّ القربات، وهو سرٌ بين العبد وربه ولذلك كان أجره غير محدد بأضعافٍ معينةٍ، كما في الحديث الشريف: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به».
وأولى الأيام صوماً يوم عرفة، يوم مغفرة الذنوب، ويوم العتق من النيران، ولو لم يكن في عشر ذي الحجة إلا يوم عرفة لكفاها ذلك فضلاً، لما فيه من تكفير للسيئات، يقول رسول الله عليه الصلاة والسلام: (صيام يوم عرفة أحتسب على الله أنه يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده)، ففي صيام هذا اليوم العظيم تكفير سيئات سنة ماضية وسنة قادمة وزيادة في الأجر وتكثير للحسنات ورفعة في الدرجات، وأما الحاج فقد نُهي عن صيامها من باب دفع جهد البدن والسفر والعبادة وحتى يتفرغ الحاج للذكر والدعاء.