كان المسلمون يتطلعون بعد سقوط الدولة الأموية وبدء الخلافة العباسية إلى دولة أكثر عدالة وبرجال دولة يتطلعون إلى إثبات الحق والعمل به. وعندما دخل عبدالله بن علي - عم الخليفة أبي العباس الملقب بـ «السفاح» لشدة بطشه وجبروته - دمشق، أذل الناس وفتك أرواحهم وكان كل من له صلة ببني أمية يلقى حتفه على يده، وكان آخر الخلفاء الأمويين مروان بن محمد قد سقط على يده في موقعة الزاب، فكان ذلك مبعث فخر شديد له!
ضاق الناس ذرعاً بتصرفاته وجبروته وبدأ الحديث ينتشر في أرجاء الشام عن سوء أعماله وتسلطه، فما كان له إلا أن لجأ إلى شيوخ الدين ليجعلهم سنداً له في مواجهة الشعب. كان حينها الإمام الأوزاعي سيد زمانه وفقيههم، فقد تتلمذ على يده الإمام مالك بن أنس وكذلك سفيان بن عيينة، كما قال عنه الإمام الشافعي: ما رأيت رجلاً فقيهاً بحديثه من الأوزاعي. ويروى عن الوليد بن مسلم أن امرأة دخلت على امرأة الأوزاعي فرأت الحصير الذي يصلي عليه مبلولاً، فقالت: لعل صبياً بال هنا، فردت زوجته: هذه دموع الشيخ من بكائه في سجوده، هكذا يصبح كل يوم!
يقول ابن كثير نقلاً عن الأوزاعي: دخلت على الأمير عبدالله بن علي - بعد أن استدعاه - وبيده خيزرانة وكان العبيد واقفين عن يمينه وشماله، ومعهم سيوف حادة، فسلم الأوزاعي عليه ولكنه لم يرد السلام! ضرب الأمير الخيزرانة التي بيده في الأرض، ثم قال: يا أوزاعي ما ترى في ما صنعنا من إزالة أيدي أولئك الظلمة - ويقصد هنا بني أمية - من العباد والبلاد، أجهاداً ورباطاً هو؟ فرد الأوزاعي: إن الرسول قال: إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى، فمن كان هجرته لله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كان هجرته لدنيا يصيبها أو أمرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هجر إليه!