إشراقات الحق والنور والتجليات
كويتيون ورحلة القرآن
مشعل مطر المطيري: بدأتُ الحفظ في المرحلة الابتدائية في سن التاسعة
عبدالقادر وائل العبدالجادر: للأسرة دور كبير في الحث على هذه الرحلة الروحانية النورانية الجميلة
عبدالله أيمن العزّاز: شيء عظيم أن يصطفيني الله عز وجل لختم القرآن
عبدالله سالم الكندري: لم أواجه صعوبة في الحفظ لكن بعض العوائق تغلّبت عليها
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله تعالى أهلين من الناس، قالوا: يارسول الله مَن هم قال: هم أهل القرآن أهل الله وخاصته». وقال عليه الصلاة والسلام: «إنّ الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين». ولننظر إلى مقولته عليه الصلاة والسلام التي يقول فيها: «يجيء صاحب القرآن يوم القيامة، فيقول: يارب حله، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يارب زده فيلبس حلة الكرامة، ثم يقول: يارب ارض عنه، فيُقال اقرأ وارق ويزداد بكل آية حسنة».
حين يبدأ الإنسان بحفظ القرآن الكريم في سن مبكرة فإنه يتعرّف في مطلع حياته على الصالحين الذين ورد ذكرهم بالقرآن، وقصصهم في القرآن الكريم وعلى رأسهم أنبياء الله عز وجل، فيكونون قدوة له، ويسير على نهجهم، ويُطيع الله تبارك وتعالى كما أطاعوه.
كما أن الطفل بحفظه للقرآن يتعلم اللغة العربية بشكل متقن، ويتمكَّن منها، فيصبح قادرا على التحدّث بفصاحة وطلاقة، خاصّةً أنّ القرآن الكريم هو الذي يُسهم في حفظ اللغة العربية من الاندثار. وقبل أن نتجول في رحلة ثلاثة من حَفظة كتاب الله من خيرة شباب الكويت لنطالع معا هذا الحديث الذي يقول فيه الحبيب المصطفى: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» وقوله عليه الصلاة والسلام: «لاحسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار».
وثمة أحاديث أخرى كثيرة في قيمة القرآن العظيم في حياة الإنسان في الدنيا والآخرة، ولنا هذه الجمعة وقفة روحانية راقية ترتفع بنا إلى فضاء حب الله عز وجل، بمطالعة تجارب شبابية كويتية عقدت النية بحفظ كتاب الله عز وجل، واكتملت الرحلة بإتمام حفظه وتحقق حلم روحاني جميل.
بدوره، قال الحافظ لكتاب الله عز وجل مشعل مطر المطيري الطالب بقسم الهندسة الكيميائية بإحدى الجامعات البريطانية «بدأتُ الحفظ في المرحلة الابتدائية في سن التاسعة، وقد حفظتُ جزء عمّ في إحدى مراكز حفظ القرآن، ومن ثم تابعتُ حفظ القرآن المقررعلينا في المدرسة، وكنتُ للأسف في تلك الفترة قد ابتعدتُ عن الحفظ، ومع دخولي المرحلة الثانوية كانت محصلتي من القرآن ثلاثة أجزاء فقط».
وأضاف المطيري «التحقت بعدها برحلة ( كُن حافظاً ) لحفظ القرآن في المدينة المنورة في فترة العطلة الربيعية، ومن بعدها التحقتُ برحلة (حُفّاظ المدينة ) التابعة لمركز تاج الوالدين في فترة الصيف إلى أن أتممتُ حفظ كتاب الله كاملاً معهم في السنة السابقة مع التجويد والتدبر، وقد استغرقتْ رحلتي أربع سنوات تقريبا». وأكد على «سهولة حفظه لكتاب الله عز وجل، فقد كان ميسراً مع دعاء الوالدين مصداقاً لقوله تعالى (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)»،مضيفاً بالقول «كان لله عزّ وجل فضل كبير، ثم لوالديّ حفظهما الله فضل كبير في دعمي في مسيرتي القرآنية الجميلة، ولا أنسى شيوخي عبدالله سالم بن عاطف والشيخ فهد أحمد العنزي». وبسؤاله عن أثر القرآن في نفسيته أكد المطيري على أن«القرآن قد غيّر حياته بشكل ملحوظ وكبير، وهو بالنسبة له منهج حياة، وقد جعله إنسانا أفضل، ورفع من مقامه مقارنة بأقرانه، وهذّب أخلاقه، وكان له سراجا منيرا».
وأكد المطيري أنه «يقضي يومه مع القرآن بقراءته ومراجعته والاستماع إليه فهو غذاء للروح، فهل يعيش الإنسان يومه من غير غذاء؟»، لافتاً إلى «ضرورة رجوع الشباب لله عزّ وجل، والإقبال عليه بحفظ كتابه بالالتحاق بمراكز حفظ القرآن، وصحبة الأخيار الذين يعينون على الطاعة والخير».
من جانبه، قال الحافظ الآخر الشاب الكويتي عبدالقادر وائل العبدالجادر الطالب بقسم المحاسبة والتمويل في إحدى الجامعات البريطانية، «بدأت الحفظ في سن الخامسة في مدرسة خاصة ثنائية اللغة تدعم حفظ الطالب للقرآن»، لافتاً إلى أن«البعض يضع العراقيل لنفسه في مسألة حفظ القرآن، فيرى أنه صعب ولا يمكن تحقيقه، والحقيقة عكس ذلك تماما».
وأكّد العبدالجادر على أن «للأسرة دورا كبيرا في الحث على هذه الرحلة الروحانية النورانية الجميلة»، حيث إنه وُلد في أسرة ترى القرآن الكريم كتابا مهما، وتحث بعزيمة قوية على حفظه، وكان هو الرابع بعد إخوته الثلاثة الذين أتموا بفضل الله تعالى حفظ القرآن. ويهتم بمراجعة القرآن بصفة مستمرة حتى لا يتفلت منه، ويشدد على ضرورة تدبر القرآن، وفهم معانيه لأنّ ذلك يساعد على تغيير معايير الحياة النفسية والعملية ويصحح إطار العلاقات مع الآخرين. وقال «حين أقرأ القرآن أشعر بالطمأنينة وراحة النفس»، لافتاً إلى أنه «يواصل مراجعته اليومية للقرآن في بريطانيا حيث مقر دراسته الجامعية، وذلك بحضور حلقات أسبوعية مخصصة للقرآن».
وأعرب عن استغرابه من غفلة الشباب عن هذا الكتاب العظيم، قائلاً«ماذا لو سمعتم كلام الله عزّوجل بدلاً من الغناء ولهو الكلام؟ بلاشك ستكسبون أجراً عظيماً، وستتضاعف حسناتكم عند الله عز وجل». العبدالجادر الذي يعتبر الشيخ محمود الحصري رحمه الله قدوته في التلاوة القرآنية، ختم حديثه بشكر أساتذته الذين أعانوه على حفظ القرآن، ومن بينهم الشيخ سمير والشيخ سيد والشيخ أيمن.
المحطة الثالثة كانت لتجربة شاب كويتي آخر ذي عزيمة قوية ما شاء الله فقد ختم القرآن حفظا بسن مبكرة وهو عبدالله أيمن العزّاز، الطالب بثانوية صالح شهاب، فقد سار على نهج والده وجدّه اللذين حفظا القرآن. بدأ العزازالحفظ وهو في سن السادسة، وأتمه وهو في سن الخامسة عشرة، وقد بدأ متقطعا، في مراكز قرآنية مختلفة مع شيوخ مختلفين.
وأشار العزّاز أنه«واجه صعوبة في حفظ سورة النحل وسورة يونس ولكن بفضل الله عز وجل تغلب عليهما، وحقق حلمه بالوصول لهدفه بالعزيمة القوية والمثابرة المستمرة، ثم بتشجيع الوالد والوالدة والشيوخ الذين حفظ عليهم القرآن»، مؤكداً على «اهتمامه اليومي بالمراجعة، وأثرها في نفسيته». وقال «أشعر بأنه شيء عظيم أن يصطفيني الله عز وجل لختم القرآن، فهذا أمر أفتخر فيه، والقرآن بصحبتي دائما، ولا يمكن أن أتركه أبداً»،ناصحاً«شباب المسلمين ممن ينشغلون باللهو والطرب، وممن ينصرفون لشهوات الدنيا وملذاتها والذين يدركون تماما أنهم على غير صواب، ويؤجلون التوبة، بضرورة التعجيل، وعدم التسويف، فبمجرد الإقبال على الله عز وجل ستتيسر الرحلة إليه تبارك وتعالى، وتبدأ الهداية التي تنفعهم بالدنيا والآخرة، فعقد النية بحفظ القرآن تجعلك متحمسا، وتخلق في نفسك الإحساس بضرورة إنجاز هذا الهدف الجميل، وبعدها تشعر بالتعلق بكتاب الله عز وجل، ومن يراه هدفا صعبا سيكون كذلك، ومن يراه سهلا سيكون سهلا».
ووجه العزّاز شكره لشيوخه من المحفظين الشيخ خيري والشيخ أبهاه والشيخ آدم والشيخ ابراهيم، والمشرفين سعد السعدي وسعود العرادة، داعياً الله أن يجزيهم خير الجزاء ويرزقهم أعلى مراتب الجنة.
الجولة القرآنية الأخيرة مع محب القرآن الصغير في عمره الناضج بعقله عبدالله سالم الكندري، البالغ من العمر أربعة عشر عاما وهو طالب بمدرسة خاصة ثنائية اللغة، وقد بدأ الحفظ في الصف الثاني الابتدائي، وكان بشكل خفيف، ولكنه تعمق بالحفظ بصورة جدية حين كان في الصف السادس، وبدأت الرحلة في المنزل، وفي مراكز التحفيظ القرآنية، وانتهى بحفظه مع التجويد والتدبر في رحلة (حفاظ المدينة) التابعة لمركز تاج الوالدين.واستغرقت رحلة الكندري في الحفظ ثلاث سنوات، فختمه وهو في سن الثالثة عشرة.
وأكد الكندري على أنه «لم يواجه صعوبة في الحفظ، لكن واجهته بعض العوائق ومنها تعارض أوقات اختبارات المدرسة واختبارات المركز القرآني، ولكنه بتنظيم الوقت، وطلب تغيير وقت الاختبارات بما لا يتعارض مع اختبارات المدرسة فتمكن بفضل الله عز وجل من التغلب عليها»، مشيداً بـ«جهود والدته التي اهتمت بدعمه في رحلته القرآنية، وشجعته على المثابرة حتى تحقيق الحلم». وفيما أشار إلى «اهتمامه بالمراجعة اليومية التي تحفظ القرآن في ذاكرته وتقيه من النسيان»،قال متحدثاً عن الأثر الذي كسبه من حفظه القرآن «لقد عزّز القرآن ثقتي بنفسي، وأدخل النظام في حياتي، وملأ نفسي بالراحة النفسية والطمأنينة». ووجه نصيحته للأطفال والشباب بضرورة «الانصراف عن اللهو والطرب بما لاينفعهم في شي، والتوجّه بنية سليمة نحو القرآن لأنه كلام الله عز وجل، ففيه الراحة والسكينة، وهو الطريق الموصل للجنة، وشدد على الحفظ في سن صغيرة، حيث يكون الدماغ مهيئا للحفظ بشكل أكبر، وهذا ما أحسه في تجربة الحفظ التي عايشها وبدأها في سن صغيرة».