سلسلة تُسلّط أضواء على الأعضاء والأنسجة البشرية الداخلية الأكثر عُرضة للاستئصال جراحياً (2 من 10)
الرَّحِم... من «الرَّحمـ?نِ الرَّحيم»
يفرض علينا موضوع حلقة اليوم الدخول إلى موضوع طبي من خلال كلام ديني.
فمن بين جميع أعضاء الجسم البشري، اختص الخالق سبحانه وتعالى الرَّحِم بأن اشتق اسمه من اثنين من أسمائه الحسنى، ألا وهما «الرَّحمن» و«الرَّحيم»، وهو الاشتقاق الذي يدل على أن الرَّحِم (كعضو) يجسِّد بطبيعته التشريحية والفسيولوجية أعظم وأوضح معاني الرحمة التي تكتنف الجنين وتحيط به منذ مرحلة النطفة وحتى خروجه مولودا.
ومن بين الأدلة على ذلك أنه رُوى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال فيما حدَّث عن رب العزة سبحانه وتعالى: «يقول الله عزّ وجلّ: أَنَا اللهُ، وَأَنَا الرَّحْمَنُ، خَلَقْتُ الرَّحِم وَشَقَقْتُ لَهَا مِنِ اسْمِي، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُه، وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ» (بَتَتُّهُ: أي قطعته وبترته من رحمتي).
وكلمة «الرَّحِمَ» تنطوي على معنيين أحدهما مادي والآخر اجتماعي وإنساني، لكن كليهما يكمل الآخر. أما المعني المادي فهو الذي يشير إلى الرَّحِم كعضو تشريحي يقوم بوظيفة إيواء الجنين برفق وحنان متناهيين حتى يولد. أما المعنى الاجتماعي فيشير إلى صلات التراحم والتعاطف والمودة التي ينبغي أن تكون موجودة ومستمرة بين الأقارب.
استنادا إلى هذه الخلفية، نتصفح معكم في التالي معلومات متنوعة عن الرَّحِمَ، وعن حالات ودواعي استئصاله جراحيا...
هيئته... ووظائفه
تشريحيا، الرَّحِم هو عبارة عن عضو تناسلي أنثوي يبدو خارجيا على هيئة ثمرة كمثرى (أجاص) مقلوبة رأسا على عقب، وهو يوجد في منطقة الحوض وتحديدا بين المثانة البولية والمستقيم، وفي الأحوال الطبيعية، يكون الرَّحِم متدلياً إلى جهة الأمام قليلا بحيث ينسدل جسمه على جسم المثانة.
وتتمثل وظيفة الرَّحِم في أن تجويفه يقوم بإيواء واحتضان وتغذية النُّطفة المُخصّبة التي تنمو وتتطور تدريجيا إلى أن تصير جنينا. كامل التخليق.
لكن هناك وظائف أخرى للرَحِم، بما في ذلك أنه يفرز افرازات الحيض، كما أن عُنق الرَّحِم يهيئ البيئة للحفاظ على حيوية ونشاط الحيوانات المنوية (الحيامن) في طريقها إلى البويضة. وخلال فترة الحمل، يقوم الرَّحِم أيضاً بوظائف دعم وحماية الجنين وتزويده بالدم والمغذيات من خلال الحبل المشيمي.
حجمه... ووزنه
يتفاوت حجم ووزن الرَّحِم تبعاً لسن الأنثى وللتغيرات الفسيولوجية التي تطرأ على جسمها.
وفي المتوسط العام، تتراوح قياسات الرَّحِم بين 7 و 8 سنتيمترات طولاً و4 إلى 5 سنتيمترات عرضاً لدى الأنثى البالغة التي لم يسبق لها الحمل أو الولادة. أما خلال فترة الحمل، فإن الرَّحِم يتمدد ويتضاعف حجمه بمعدل 22 مرة تقريبا، حيث يكون وزنه حوالي 50 غراماً قبل الحمل، بينما يصل وزنه إلى 1100 غرام في نهاية الحمل، وذلك كي يتسع لاستيعاب الجنين خلال مراحل نموه.
أما في فترة ما قبل بلوغ الأنثى، فان وزن وحجم الرَّحِم يكونان أقل وأصغر بطبيعة الحال.
أقسامه... وبطانته
يتألف الرَّحِم من 3 أقسام رئيسية، هي:
• القاع: المنطقة الواسعة التي توصل بين قنوات فالوب والرَّحِم.
• البدن: الجزء الرئيسي من الرَّحِم، ويبدأ مباشرة من عند تحت مستوى قناة فالوب ويستمر بالانخفاض نزولا حتى جدران الرَّحِم، ويبدأ تجويفه بالتضيُّق وصولا إلى عُنق الرَّحِم الذي يعتبر بمثابة مضيق.
• تجويف المهبل: يشكِّل مع تجويف الرَّحِم ما يعرف باسم «قناة الولادة».
وبدن الرَّحِم هو ذلك الجزء الذي يشكِّل الثلثين العلويين منه، وهو الجزء الذي يوجد في وسط الحوض ويجعل بطن المرأة الحامل يبرز متكورا. وبدوره ينقسم بدن الرَّحِم إلى القسمين التاليين:
• القاع: القسم العلوي المحدب الذي يتصل بقنوات فالوب. أما الجزء الممتد نحو قنوات فالوب فيسمى «قرون الرَّحِم».
• البرزخ: القسم السفلي الذي يتصل مباشرة بعُنق الرَّحِم، ويبلغ طوله 1 سنتيمتر تقريبا. ويبدأ جوف الرَّحِم في التضُّيق عند بداية البرزخ، ونقطة التضيق تُعرف تشريحيا باسم «فتحة الرَّحِم الداخلية».
وتكسو تجويف الرَّحِم من الداخل بطانة مخاطية رطبة. ويتفاوت سُمك تلك البطانة على مدار الشهر، لكن سُمكها يصل إلى ذروته خلال فترة نضوج البويضات وخروجها من المبايض.
طبقات جداره
يتألف جدار الرَّحِم من 3 طبقات من الأنسجة والألياف العضلية التي تتراكب وتتداخل طوليا ودائريا والتفافيا بشكل فائق الدقة، متشابكة بين أنسجة ضامة وأوعية دموية وألياف مرنة وألياف من الكولاجين. وبطبيعة الحال، يتمدد جدار الرَّحِم ويصبح أرق سماكة كلما ازداد حجم الجنين. لكن بعد الولادة، يستعيد جدار الرَّحِم حجمه وسماكته الطبيعيين في غضون من 6 إلى 8 أسابيع تقريبا.
وهذه التركيبة المتميزة تسمح للرَحِم بالقيام بوظائفه بسلاسة، بما في ذلك ايواء واحتواء وتغذية الجنين، والتمدد أثناء فترة الحمل كلما ازداد حجم ووزن الجنين.
وطبقات جدار الرَّحِم الثلاثة هي كالتالي:
• طبقة الظِهارة أو الطبقة المصلية (أي الطبقة الخارجية التي تتألف من غشاء واق رقيق لكنه قوي)
• الطبقة العضلية: هي الطبقة الوسطى من جدار الرَّحِم، وتتكون من طبقات عضلية عدة تقوم بالتمدد والتقلص وفقا للحاجة. كما تحوي هذه الطبقة أعصاب الرَّحِم وأوعيته الدموية. وتتأثر عضلات جدار الرَّحِم بافرازات هورمونية معينة، وخلال عملية المخاض والولادة، يتقلص ذلك الجدار ليلفظ الجنين إلى خارج الرَّحِم. وتتقلص عضلات جدار الرَّحِم بشكل طفيف خلال فترة الحيض كي يتمكن الرَّحِم من طرد إفرازات وبقايا غشاء بطانته المخاطي.
• طبقة البطانة الداخلية: هي الطبقة الداخلية المبطنة لتجويف الرَّحِم، وهي مخاطية القوام وتتضخم خلاياها وتصبح أكثر سماكة على مدار الشهر لدى الأنثى البالغة، وذلك بسبب تأثير الهورمونات الأنثوية، وخصوصا هورمون الاستروجين. فعند حدوث الحيض، يتفتت ويتساقط مُعظم غشاء البطانة ويخرج متسربا من مخرجه الطبيعي في ما يُعرف بنزيف وإفرازات الدورة الشهرية. أما في الشهر الذي تحمل فيه الأنثى، فان بطانة الرَّحِم تستقبل النطفة ولا تتفتت أو تتساقط.
شبكته الدموية
يتغذى الرَّحِم بشكل مباشر من خلال شبكة دموية تتفرع من شريانين رئيسيين، وهما: الشريان المبيضي والشريان الرَّحِمي الذي هو أحد فروع الشريان الحرقفي السفلي الغائر.
يتغذى الرَّحِم من خلال شبكة إمدادات دموية غزيرة نسبيا. والشريان الرئيسي الذي يزود الرَّحِم بالدم هو الشريان الرَّحِمي الذي يتفرع إلى فرعين من الشريان الحرقفي الغائر. وهناك شريان رئيسي آخر يزود الرَّحِم بالدم، وهو الشريان المبيضي. وتزداد كثافة تدفق الدم في الشرايين المغية للرحم خلال فترة الحمل.
شبكته العصبية
تمتد تفريعات شبكة عصبية الى الرَّحِم انطلاقا من 3 مراكز توزيع توجد في منطقة الحوض، وهي الشبكة التي تنبثق بدورها من أسفل النخاع الشوكي.
وتتألف تلك الشبكة من تشعبات عصبية لاسمبثاويّة (لا وديّة)، وهي التشعبات التي تتولى باستمرار وظيفة ابقاء عضلات الرَّحِم مشدودة عند درجة معينة وتوسيع أوعيته وشعيراته الدموية. وهناك أيضا تشعبات عصبية سمبثاوية (وديّة) تتولى مهمة شد عضلات الرَّحِم وارخائها وتوسيع وتضييق الأوعية الدموية وفقا للحاجة بناء على زيادة ونقصان افرازات هورمونات معينة.
أما في منطقة ما حول الرَّحِم، فتنتشر شبكات أخرى من الأعصاب، بما في ذلك الشبكة العصبية المهبلية الرَّحِمية.
أربطته الداعمة
أربطة الرَّحِم هي مجموعة من الأغشية المتينة التي تربط بين الرَّحِم والحوض وبأعضاء محيطة أخرى. كما أن لتلك الأربطة دورا مهما في المحافظة على استقرار وثبات الرَّحِم.
ومن بين أبرز تلك الأربطة:
• الرباط المبيضي: يربط الرَّحِم بين المبايض وقنوات فالوب.
• الرباط الدائري: أطلقت عليه هذه التسمية نسبةً إلى مساره الدائري، وهو أيضاً يربط بين الرَّحِم وقنوات فالوب.
• الرباط العريض: يمتد من جانبيّ الرَّحِم، ويرتبط بأرضية الحوض، ويساهم في استقرار الرَّحِم في مكانه، ويحوي في داخله أوعية دموية.
• توجد أربطة عدة تربط بين عُنق الرَّحِم والحوض، وتحافظ أيضاعلى استقراره.
عُنق الرَّحِم... ورعشة الجماع
عُنق الرَّحِم هو الجزء السفلي من الجهاز التناسلي الأنثوي، ويعتبر بمثابة قناة تربط بين الرَّحِم والمهبل، وهو عبارة عن تركيب نسيجي اسطواني الشكل، ويبلغ متوسط طوله حوالي 2.5 سنتيمتر لدى الأنثى البالغة، وهو مجوف من داخله، وتوجد في ذلك التجويف قناة عُنق الرَّحِم التي تشكل بدورها جزءاً من قناة الولادة التي يولد منها الجنين.
ومن بين وظائف عُنق الرَّحِم: السماح لدم الحيض بالتدفق خارجا من الرَّحِم إلى المهبل، كما أنه يوجه ويدفع الحيامن إلى داخل الرَّحِم خلال عملية الجماع.
وصحيح أن فتحة قناة عُنق الرَّحِم ضيقة جداً في الأحوال العادية، لكن الهورمونات التي يفرزها الرَّحِم أثناء الولادة وضغط رأس الجنين أثناء الولادة هما أمران يسهمان في توسيع فتحة عنق الرحم حتى يصل اتساعها إلى 10 سنتيمترات تقريبا لتسمح للجنين بالخروج.
وهناك تفسيرات عدة لظاهرة «رعشة الجماع» وعن دور عنق الرحم تحديدا في حدوثها. وهي التفسيرات التي تتمحور حول رد الفعل الانعكاسي العفوي الذي يصدر عن عنق الرحم تحديدا عند الوصول إلى نقطة «الذروة». وترى إحدى النظريات أن رعشة الجماع تنجم عن سلسلة تقلصات سريعة ومتتالية تحدث في عُنق الرَّحِم عند بلوغ الأنثى ذروة النشوة، وهي الرعشة التي تلعب دورا مهما في تحريك ودفع السائل المنوي بقوة لينتقل إلى داخل تجويف الرَّحِم كي يكمل طريقه إلى البويضة.
النُّطفة... والحيض
عندما يتم تلقيح البويضة بحيوان منوي في إحدى قناتي فالوب، فإنها تُصبح «نُطفة» مخصّبة تبدأ في الانقسام الثنائي حتى تتخذ شكل ثمرة التوت ويصبح اسمها «مٌضغة» وفي تلك الأثناء تنتقل تدريجيا متدحرجة عبر أحد قناتي فالوب حتى تدخل إلى تجويف الرَّحِم وتتعلق ببطانته المخاطية، وعند ذلك يصبح اسمها «عَلَقة» حيث تستمد تغذيتها من البطانة وتبدأ رحلة النمو والتطور التخليقي.
أما إذا لم يتم تخصيب البويضة الناضجة ولم تتحول إلى نطفة مخصبة، فإن ما يحصل هو أنها بمجرد وصولها إلى تجويف الرحم فإنها تحفزه على أن يبدأ في افراز هورمونات معينة تحثه على التقلص ليتخلص من الطبقة الخارجية من بطانته، فتكون نتيجة ذلك بدء تدفق الإفرازات الدموية الشهرية عبر مخرجها الطبيعي، وهي الإفرازات التي تُعرف بنزيف الحيض.
استئصال الرَّحِم: جُزئيّاً... وكُليّاً... وجذريّاً
لا شك في أن استئصال الرَّحِم جراحيا هو واحد من أصعب القرارات التي قد تُضطر إليها أي امرأة، إذ ان تنفيذ مثل ذلك القرار ينتزع منها عضوا فائق الأهمية والحساسية لطبيعتها النفسية والغريزية كأنثى، وإن كان فقدانه لا يؤثر كثيرا على مظهرها الأنثوي الخارجي.
لذا فمن المهم تسليط إضاءة على أبرز جوانب هذه الجراحة الاستئصالية الحساسة:
أبرز الأسباب
في معظم الحالات، يستند قرار إجراء عملية استئصال الرَّحِم جراحيا إلى واحد أو أكثر من الأسباب التالية:
• الإصابات السرطانية في الرَّحِم، أو عُنق الرَّحِم، أو المبايض.
• الأورام الليفية، والتي هي الأورام الحميدة التي تنمو في الرَّحِم.
• مرض التهاب الحوض، وهو عدوى خطيرة تصيب الأعضاء التناسلية.
• هبوط (سقوط) الرَّحِم، والذي يحدث عندما يسقط الرَّحِم من خلال عُنق الرَّحِم ويبرز من المهبل.
• بطانة الرَّحِم المهاجرة، وهو اضطراب في البطانة الداخلية للرَحِم ينمو خارج تجويف الرَّحِم، مما يتسبب في الألم والنزيف.
• نزيف مهبلي لا يمكن السيطرة عليه.
• آلام الحوض الحادة المزمنة.
لكن خيار استئصال الرَّحِم لأسباب غير سرطانية لا يتم اللجوء إليه إلا بعد تجريب جميع الخيارات العلاجية الأخرى.
درجاتها
هناك درجات عدة لعمليات استئصال الرَّحِم، ويحدد الجراج المعالج كل درجة في ضوء معطيات الحالة.
و كما تُبيّن الإطارات ذات الألوان الثلاثة في الرسم التوضيحي المقابل، فإن تلك الدرجات هي:
• الاستئصال الجزئي (داخل الإطار الأخضر): يتم بموجبه إزالة بدن أو كيس الرَّحِم فقط، وعادة يُترك عُنق الرَّحِم وبعض ملحقات الرحم الأخرى دون استئصال.
• الاستئصال الكُلي (داخل الإطار الأزرق): يقوم الجراح في هذه الحالة بإزالة الرَّحِم كاملا، بما في ذلك عُنق الرَّحِم وأجزاء من القنوات والأنابيب الملحقة.
• الاستئصال الجذري (داخل الإطار الأحمر): في هذه الدرجة القصوى، تستهدف الإزالة استئصال منظومة الرحم من جذورها، بما في ذلك المبايض وقناتي فالوب وعنق الرحم. وقد تحتاج المريضة إلى معالجة بالهرمونات البديلة في مثل هذه الحالات نظرا لاستئصال المبيضين.
مضاعفات محتملة
هناك بعض المضاعفات المحتملة التي قد تنجم عن الخضوع إلى عملية استئصال الرحم، ومن بين تلك المضاعفات والمخاطر نذكر التالي:
• سلس البول (عدم القدرة على التحكم في عضلة المثانة البولية).
• هبوط المهبل (جزء من المهبل يتدلى من مكانه).
• نشوء ناسور (Fistula)، وهو ممر غير طبيعي ينشأ بين المهبل والمثانة).
• التهابات في الأعضاء المحيطة، كالمثانة، والأمعاء، لكن هذه المضاعفات غير شائعة.