ركلة الجزاء... براءة
- ثمة أصول يتوجب الالتزام بها... فالقانون يبقى قانوناً ولا استنسابية في تطبيقه
- في العام 1890 تم ابتكار ركلة الجزاء باقتراح من الأيرلندي ويليم ماكروم
- عامل المناجم الألماني كارل فالد اخترع ركلات الترجيح قبل 48 عاماً
أثار احتساب العديد من ركلات الجزاء في كأس العالم 2018، سخط شريحة كبيرة ممن يرى بأن العدد الهائل، غير أنه غاب عن هؤلاء بأن ثمة قوانين مرعية الإجراء في كرة القدم يستوجب الالتزام بها، مهما كان الثمن.
بعيداً عن العاطفة والتحاليل السطحية التي لا تجد لها حيزاً على رفوف المنطق، فإن لاحتساب ركلة الجزاء أصولاً يتوجب الالتزام بها، وإن استلزم الأمر اتخاذ القرار باحتساب 10 منها في مباراة واحدة، فالقانون يبقى قانوناً، ولا استنسابية في تطبيقه.
صحيح أنّ البعض غمز من قناة «تقنية مساعدة الحكام» (VAR)، ورأى بأنها تستخدم لحساب «الكبار فقط» (المنتخبات الكبرى)، غير أن الحصيلة العامة لهذه التكنولوجيا حتى الساعة، تؤكد بأنها حسّنت مستوى التحكيم، وفرضت العدل على حالات كان من شأنها تغيير مسار البطولة برمّتها.
لا خلاف على ان توجّه حكم الساحة الى الشاشة المركزة على حافة الملعب لمراجعة هذه الحالة او تلك، يُعتبر بالنسبة لكثيرين عنصراً من شأنه قتل اللعبة، غير أن قتل اللعبة لثوانٍ يبقى أفضل من «قتل» منتخبات صرفت الملايين، بأخطاء تحكيمية بات من الممكن تلافيها.
لكن هذا لا يعني بأن «VAR» لا يشوبها عيب، إذ يتوجب على الاتحاد الدولي التحرك لإيجاد آلية تواصل أسرع بين حكم الساحة والحكام المساعدين المسمّرين خلف عدد من «شاشات التكنولوجيا الجديدة».
بمعنى آخر، يجدر من الآن فصاعداً، عدم ذكر اسم الحكم على انه رئيسي أو غير رئيسي. هناك طاقم تحكيمي يقود المباراة، ويعتبر حكم الساحة عنصراً فيه. وفي الحالات التي تستحق الإعادة، تقوم لجنة الـ «VAR» بدارسة الحالة بسرعة من خلال الشاشات المزودة بها، على ان تمرر القرار الى الحكم الرئيسي. وهذا يعني بأنه لن يكون على الاخير ان يتوجه الى حافة الملعب وإضاعة الوقت وقتل حماسة اللقاء، مع كل حالة.
في النهاية، ثمة سعي مشكور من قبل الاتحاد الدولي لإحقاق الحق، وهنا لا مجال لمسايرة أحد. وبالتالي، لا مشكلة في تحويل الحكم الرئيسي الى منفّذ لتوجيهات لجنة «VAR» في الحالات التي تستعصي عليه.
ماذا سيفيد الفريق احتفاظُ الحكم الرئيسي بسلطاته؟ العبرة في إحقاق الحق، وليس في من يخوَّل اليهم اتخاذ القرارات النهائية.
ولكن ما هو أصل وفصل ركلة الجزاء التي تعتبر مع تقنية «VAR» نجمتي البطولة حتى الساعة؟
تعود أصول ركلة الجزاء أساساً إلى لعبة الركبي. وفي العام 1890، تم ابتكارها عندما تقدم رئيس نادي ميلفورد إيفرتون الإيرلندي، ويليم ماكروم، باقتراح الى الاتحاد المحلي بضرورة مخاطبة المجلس الدولي لكرة القدم (ايفاب)، وهي الجهة التي تضع قوانين اللعبة، تعتمد بموجبه ركلة الجزاء في حال تعمّد الإعاقة من خلال الاعتداء الجسدي أو توقيف الكرة باستعمال اليدين داخل منطقة الـ18.
من أكثر المباريات التي أثارت جدلا ودفعت الى البت في موضوع ركلة الجزاء، تلك التي جمعت بين نوتس كاونتي وستوك سيتي في ربع نهائي كأس الاتحاد الانكليزي العام 1890.
يومها، أوقف أحد لاعبي نوتس كاونتي هدفا محققا لستوك سيتي مستخدماً يديه لصد كرة امام المرمى. وانتهت يومها المباراة بخسارة ستوك بهدف.
وفي 1891، جرى اعتماد ركلة الجزاء من قبل «ايفاب» وتطبيقها في الموسم 1891-1892 في مختلف المسابقات.
اما ركلات الترجيح فيرجع الفضل في اختراعها قبل 48 عاما إلى عامل مناجم يدعى كارل فالد من فرانكفورت الالمانية حيث كان حكما سابقا.
قال فالد الذي اعتزل وهو في الـ 63 من عمره: «اشعر دائما بأنني كنت على صواب، انها الطريقة الوحيدة للخروج بنتيجة رياضية حقيقية. كل شيء اخر، لم يكن يمثل حلا واقعيا».
قبل اختراع فالد لركلات الترجيح، كانت معظم المباريات، التي تنتهي بالتعادل بعد الوقت الاضافي، تحسم من خلال عملة معدنية او قرعة بين الفريقين المتنافسين.
ويتفق اللاعب الالماني السابق هانز لوهر مع فالد تماماً. ويقول لوهر الذي كان احد ضحايا القواعد السابقة: «لم يكن هناك شيء اخر يمكن فعله ويرتبط بكرة القدم» في اشارة إلى مباراة ليفربول الانكليزي مع كولن الالماني في دور الثمانية لكأس اوروبا للاندية في 1965.
فقد انتهت مباراتا الذهاب والاياب صفر - صفر، والمباراة الفاصلة على ملعب محايد 2 - 2 بعد الوقت الاضافي، ولذلك استخدم الحكم عملة معدنية سقطت مستقيمة على الملعب الموحل بسبب الامطار، وفي المرة الثانية لالقاء العملة كان الفوز من نصيب ليفربول.
حصل فالد على رخصة التحكيم في 1936 وادار اكثر من 1000 مباراة خلال 40 عاما لكنه واجه معارضة لفكرته الخاصة بركلات الترجيح في البداية.
وقد رفض الاتحاد البافاري للعبة الطرح لدى تقديمه في 1970، ولم يوافق الا بعد موافقة معظم مندوبي الاتحادات المتفرعة منه، قبل ان يسير الاتحاد الالماني على النهج نفسه ثم اتبع الاتحاد الاوروبي القاعدة واخيرا الاتحاد الدولي بداية من 1976.
وكانت اول دورة كبيرة تحسم بركلات الترجيح كأس الامم الاوروبية 1976 عندما خسرت المانيا امام تشيكوسلوفاكيا.
اما اول مباراة في كأس العالم تحسم بركلات الترجيح فكانت في مونديال 1982 عندما فازت المانيا على فرنسا في نصف النهائي.
كما فازت المانيا بركلات الترجيح على انكلترا في نصف نهائي مونديال 1990 ونصف نهائي كأس الامم الاوروبية 1996.
وحسمت ركلات الترجيح لقب كأي العالم 1994 و2006 حيث فازت البرازيل على ايطاليا في الاولى، وايطاليا على فرنسا في الثانية.
واللافت ان المانيا لم تضيع اي ركلة ترجيح منذ 1982 في البطولتين الكبريين (مونديال و«يورو»)، ويقول اندرياس بريمه صاحب هدف الفوز على الارجنتين في نهائي مونديال 1990 في ايطاليا من ركلة جزاء: «عندما تستعد لتسديد ركلة ترجيح، خذ الكرة وحافظ على الهدوء وركز فقط على التسديد وليس على اي شيء آخر».
سعى الاتحاد الدولي إلى ايجاد حلول تحول دون الوصول إلى ركلات الترجيح بينها الهدف الذهبي الذي إذا ما سُجل في الشوطين الاضافيين، فإن المباراة تتوقف على الحال بفوز الفريق صاحب الهدف.
وبعدها بفترة، اعلن الاتحاد الاوروبي ان قاعدة الهدف الفضي، التسمية الجديدة للهدف الذهبي عند اتحاد القارة العجوز، سيطبق في مسابقاته.
نصت القاعدة الجديدة على انه في حال سجل الهدف الفضي في الشوط الاول الاضافي، فإن المباراة لن تتوقف مباشرة بعده كما هي الحال بالنسبة لـ «الهدف الذهبي»، بل يخوض الفريقان الشوط الاضافي بأكمله. واذا لم تتغير النتيجة، فإن الفريق الذي سجل الهدف يعلن فائزا، واذا لم يسجل اي هدف في الشوط الاضافي الاول يلعب الفريقان شوطا اضافيا ثانيا إذا سجل خلاله احدهما هدفا فيلعبان الشوط بأكمله ليفوز من سجل.
اما في حال انتهاء الشوطين الاضافيين بالتعادل فسيتم الاحتكام عندها لركلات الترجيح.
كان الهدف الذهبي حاسما في مباريات عدة خصوصا في نهائيي بطولتي امم اوروبا 1996 عندما احرزت ألمانيا اللقب على حساب تشيكيا 2-1، و2000 عندما توجت فرنسا على حساب ايطاليا بالنتيجة ذاتها.
وكان ليفربول احرز كأس الاتحاد الاوروبي 2001 بفوزه على الافيس الاسباني 5-4 في النهائي بالهدف الذهبي.
وبعدها بسنوات، جرى إلغاء قاعدتي الهدف الفضي والهدف الذهبي، ليعود الجميع الى اعتماد القاعدة السابقة، معلنين ضمناً انتصار ركلات الترجيح... وإن الى حين.
اختيار الخصم... «يضرب» مبدأ «تكافؤ الفرص»
تعتبر إقامة مباراتي الجولة الثالثة الأخيرة من منافسات الدور الاول لكل مجموعة في التوقيت نفسه، من الأمور الحسنة، خصوصاً إنها تنطلق من مبدأ «تكافؤ الفرص».
صحيح أن هذه الآلية لم تكن متّبعة منذ النسخة الأولى لبطولة كأس العالم في 1930 في الأوروغواي، غير «أن تصل متأخراً خير من ألا تصل أبداً».
اللافت أن الاتحاد الدولي للعبة يضم عدداً كبيراً من المستشارين الأكفاء على حسب ما يستدعيه الواجب. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ألم يكن يعلم هؤلاء بأن إقامة مباراة قبل الأخرى قد تمنح طرفاً أو أكثر أفضلية على الآخرين؟
ربما كانوا يعلمون... وتغاضوا، لأسباب بعيدة عن «المستطيل الأخضر».
نعتقد بأنه وبعد سنوات من الآن، سيصحو «الفيفا» على «سقطة جديدة» ومن النوعية ذاتها.
فقد جرى، بناءً على القرعة التي حظي بها مونديال 2018، تحديد مسار كل فريق في البطولة، مثل أن تحدد بأن بطل المجموعة الاولى يواجه ثاني المجموعة الثانية، في دور الـ 16، على ان يلتقي بطل المجموعة الثانية مع ثاني المجموعة الاولى.
مباراة روسيا والأوروغواي، وهي الأخيرة في المجموعة الاولى، اقيمت قبل مباراتي اسبانيا مع المغرب والبرتغال مع ايران، وهما الاخيرتان في المجموعة الثانية، وبالتالي كان يمكن لإسبانيا والبرتغال وإيران مثلاً أن تحدد ما تريده في مباراتها الاخيرة في الدور الأول واحتلال المركز الذي يقيها مواجهة «لا روخا» في الدور التالي.
صحيح أن اسبانيا عانت لتعادل المغرب، وكذلك البرتغال امام يران، إلا أن «التلاعب» كان جائزاً.
ليس هذا فسحب، بل إن المنتخب، أي منتخب، يبقى قادراً على تحديد «وجهة السير» التي سيسلكها في البطولة انطلاقا من اختياره صدراة المجموعة التي وقع فيها او وصافتها، وهو ما حصل مع المانيا الغربية في العام 1986 خلال مونديال المكسيك عندما تساهلت في الدور الاول فتعادلت مع الاوروغواي 1-1 وفازت على اسكتلندا 2-1 وخسرت امام الدنمارك بهدفين، كي تحتل المركز الثاني وتواجه المغرب في الدور الثاني والمكسيك في ربع النهائي، وهو ما حصل.
على الاتحاد الدولي التفكير في كل ذلك، مع العلم ان اجراء قرعة قبل كل دور من الادوار الإقصائية لا يعتبر فكرة سيئة.