مُختارات من مُفاكهات الصائمين عبر التاريخ الإسلامي... ترويحاً عن النفس
ابتسامات رمضانية: طرائف... ولطائف... و«قطائف»
أمَا وقد بِتنا في العشر الأواخر من شهر رمضان...
وأمَا وقد بدأ البدر يتناقص تدريجياً متحولاً إلى منزلة «التربيع الثاني» في رحلة عودته إلى أن يصبح «كالعرجون القديم»... وأمَا وقد بدأ الصائمون العد التنازلي لتوديع الشهر الفضيل واستقبال عيد الفطر السعيد مستبشرين بالعفو والمغفرة...
فإننا نخصص حلقة اليوم للترفيه والترويح عن الصحة النفسيّة بالابتسام من خلال استعراض مختارات متنوعة من الطرائف واللطائف و«القطائف» الظريفة التي وردت في كتب التراث الإسلامي قديما وحديثا عن الصيام والصائمين في شهر رمضان، متمنين لكم ديمومة السعادة والصحة النفسية:
رجل... «معذور»!
كتب أحدهم التالي عبر أحد مواقع التواصل الاجتماعي: ذهبت أنا وعدد من أصدقائي في زيارة جماعية إلى صديق مريض في المستشفى، وكان ذلك في نهار أحد أيام شهر رمضان، واصطحبت معي ابني ذي السبع سنوات. وفي أثناء جلوسنا حول المريض، استغرب ابني عندما رأى جارنا المريض وهو يأكل من دون أي إنكار من جانب زائريه، فخرج الطفل ببراءة عن صمته سائلا المريض بصوت مرتفع: «هل أنت مفطر يا عم لأنك معذور؟»، فانفجر الجميع ضاحكين بمن فيهم المريض الذي أكد أن هذه الضحكة أشعرته بتحسُّن كبير، ثم أوضح الأمر للصغير بلطف.
شرطي المرور... والتمر
وكتب آخر الطُرفة التالية: كنت عائدا بسيارتي إلى المنزل في أحد أيام شهر رمضان وكان ذلك قبل موعد أذان المغرب بدقائق قليلة، واضطررت للتوقف بالسيارة عند إشارة مرور حمراء. ولأن الشوارع كانت خالية تقريبا من الحركة المرورية، فإنني قررت أن أقطع الإشارة الحمراء كي لا أضطر إلى الانتظار لدقائق اضافية. لكن بعد أن اخترقت الإشارة، رأيت في المرآة الخلفية سيارة شرطة تقترب مسرعة من خلفي وأشار لي الشرطي الذي كان يقودها بأن أتوقف، فتوقفت. في تلك اللحظة، انطلق صوت الأذان ورحت أوبخ نفسي على هذه الورطة. واقترب الشرطي مني وأنا أفكر بيني وبين نفسي في عذر كي أنجو به من تلك المخالفة الجسيمة. لكنه عندما وصل إلى نافذة سيارتي انحنى قليلا وقال لي: «كل عام وأنت بخير. من فضلك يا الطيّب، هل معك بعض التمر كي نفطر عليه؟».
جحا... وتمر رمضان
يُحكى في قصص النوادر أن امرأة جاءت نهاراً إلى جحا قبل أيام قليلة على بداية شهر رمضان لتشترى منه تمرًا وطلبت أن يبيعها بالأجل، فوافق مبدئيا وأعطاها تمرة لتتذوقها فاعتذرت وقالت: «إنى صائمة قضاء أيام كنت أفطرتها في رمضان قبل 5 سنوات»، فخطف جحا التمرة من يدها وقال: «والله لا أبيعك شيئا بالأجل! أتماطلين ربك 5 سنوات وتطلبين الشراء مني بالأجل؟».
هلالان في السماء!
يُقال إن مجموعة من أهل بلدة اجتمعوا ذات ليلة على جبل لاستطلاع رؤية هلال رمضان وراحوا يدققون النظر في الأفق لساعتين لكنهم لم يروا شيئا. وبعد طول انتظار استعدوا للمغادرة، لكن رجلا من بينهم صاح قائلا وهو ينظر من خلال منظار فلكي: «لقد رأيته! لقد رأيته!» ولما نظر قاضي المدينة إلى الجهة التي أشار اليها الرجل رأى الهلال فعلا، فأمر بصرف مكافأة فورية للرجل. عند ذلك أمسك الرجل المنظار الفلكي مرة ثانية ونظر من خلاله في الجهة الأخرى من الأفق وصاح: «وهناك هلال ثانٍ!» فضحك الناس من قوله وانصرفوا ليبشروا أهل البلدة بظهور هلال شهر الصيام.
صيام... بالنيابة!
جاء في قصص الطرائف والنوادر الخيالية إن رجلا دخل بلدة في نهار رمضان فوجد أهلها يأكلون ويشربون على الملأ، فسأل متعجباً: ألا تصومون رمضان؟، قالوا: إن زعيم القرية يصوم عنا بالنيابة. فازدادت دهشة الرجل وذهب إلى بيت ذلك الزعيم ليستوضح منه حقيقة الأمر، لكنه وجد الزعيم جالساً وأمامه مائدة عامرة بالأطعمة ويلتهم منها التهاما. فتعجب الرجل وسأل الزعيم: كيف بك جالس تأكل في نهار رمضان، وقد قيل لي إنك تصوم بالنيابة عن أهل البلدة؟، فقال الزعيم: يا جاهل، الذي يصوم عن أهل بلدة كاملة، أَلاَ ينبغي له أن يتسحَّر مرة كل نصف ساعة ليقوى على مواصلة ذلك العبء الثقيل؟
مُدّعي المُعجزات
كان الخليفة العباسي المأمون سهران يتسامر في إحدى ليالي رمضان مع بعض مقربيه بمن فيهم القاضي يحيى بن أكثم الذي كان مشهورا بقساوة أحكامه القضائية. وكان من بين الجلساء رجل من الظرفاء ادّعى خلال المسامرة أنه يستطيع أن يأتي بمعجزات كالتي جاء بها الأنبياء. فقال له الخليفة مجاريا إياه من باب الاستدراج: حسنا، لقد كانت لنبي الله إبراهيم معجزة هي أن النار تكون عليه بردًا وسلامًا. فسآمر الآن بإلقائك في هذه النار، فإن لم تمسّك آمنا بك وبمعجزاتك.
فقال الرجل الظريف: بل اطلب معجزة أخرى ليس فيها نار يا مولاي.
الخليفة: فمعجزة من معجزات النبي موسى بأن تلقي عصاك هذه التي في يدك فتصير ثعبانًا، أو تضرب بها البحر فينشق.
الرجل: وهذه أصعب من الأولى. اطلب معجزة أخرى أسهل يا مولاي.
الخليفة: فمعجزة المسيح عيسى عليه السلام، وهي إحياء الموتى بإذن الله.
الرجل (رافعا عصاه عاليا): إني أقبلُ بهذه المعجزة يا مولاي. سأضرب رأس القاضي يحيى الآن بعصاي فأميته ثم أحييه أمامكم بعدها. فنهض القاضي يحيى من مكانه مذعورا وتأهب للفرار من المجلس قائلاً: «لا حاجة لك بهذا يا رجل! فأنا قد آمنت بمعجزاتك».
فضحك المأمون وجلساؤه، وأمر للرجل بجائزة وصرفه بعد أن نهاه عن الممازحة بالمعجزات.
لا أصبِر حتى شوّال!
ومن القصص الحقيقية أنه كان هناك رجل قاسٍ لا ينفك عن ضرب زوجته بسبب وبلا سبب. وذات مرة فعل ذلك في أول يوم من شهر رمضان وهي صائمة، فهاج عليه جيرانه ووبخوه قائلين: «كيف تضربها وهي صائمة؟ يا رجل عندك 11 شهرا أخرى على مدار العام. انتظر مثلا حتى يأتي شهر شوال». فقال معترضا: «هذا كثير! أتريدونني أن أكبح نفسي وأنتظر الى أن ينتهي رمضان؟ لا أستطيع أن أصبر حتى يأتي شهر شوّال؟»، ثم واصل ضربها.
صوموا... لـ «رؤيته»
كان الولاة في ما مضى يمنحون جائزة مالية لأول شخص يأتى ببشرى استطلاع هلال شهر رمضان، فجاء رجل متنطع إلى الفقيه والقاضي حسين فقال له: «يا فضيلة القاضي... لا داعي لاستطلاع رؤية الهلال، فلقد رأيت النبي في منامي آنفا وقال لي: إن هذه الليلة هي ليلة أول يوم في رمضان». فقال له القاضي الحصيف: يا هذا، إن النبي محمدا الذي تزعم أنك رأيته في منامك قد رآه صحابته في اليقظة، ومع ذلك فإنه قال لهم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته (أي الهلال)، أفيزورك في منامك ليقول لك صوموا لرؤيتي وأفطروا لرؤيتي في المنام؟».
قوة «الإغراءات»
سأل رجل فقيهاً: لقد أفطرت يوما من أيام رمضان بعذر؟ فماذا أفعل؟
الفقيه: اقضِ يومًا مكانه وتصدّق بصدقة؟
الرجل: حاولت أن أقضي، لكنني يومها أتيت أهلي وقد صنعوا ثريدا دسما (أكلة شهية) فلم أستطع أن أقاوم إغراءه وأكلت منه متعمدا.
الفقيه: اقضِ يوما آخر.
الرجل: قد حاولت ثانية، لكنني يومها أتيت أهلي وقد صنعوا هريسة لذيذة فغلبتني شهيتي إليها وأكلت منها متعمدا أيضا.
الفقيه: كرر المحاولة يا بني إلى أن تقضي اليوم الذي عليك.
الرجل: كررتها عشرين مرة حتى الآن، وفي كل مرة تغلبني قوة إغراءات للطعام فأفطر. فما الحل؟
الفقيه: فالحل الوحيد هو ألا تصوم إلا ويداك مغلولتان إلى عُنقك!
ابن سيرين... والمؤذِّن
يقال إن رجلاً رأى في منامه أنه قد ختم على أفواه الناس وعلى فروج الأزواج، فسأل عن ذلك ابن سيرين البصري الذي كان أشهر مفسري ومعبري الرؤى في زمانه، فقال له ابن سيرين: «هذه الرؤيا التي رأيتها في منامك تعني أنك مؤذن وأنك أذّنت ذات مرة في رمضان قبل موعد طلوع الفجر، فمنعت الناس بذلك الطعام والجماع قبل الأوان».
فأقر الرجل بأن ذلك حصل فعلاً، مؤكدا أنه لم يكن قد أخبر أحدا مطلقا بأمر الخطأ الذي أدى إلى تبكيره في رفع أذان صلاة الفجر في ذلك اليوم.
الشُعراء... والصيام
في التالي نورد نماذج من أطرف ما قيل شعرا في شؤون ذات صلة بالصيام.
• في كتابه «الأغاني»، سرد أبو الفرج الأصفهاني حكاية طريفة عن محمّد بن سلاّم جاء فيها أنّ شهر رمضان في أيام الخليفة العباسي المهدي (والد هارون الرشيد) جاء في ذروة فصل الصيف، وكان الحر في ذاك العام شديدا. وكان الشاعر خفيف الظل أبو دُلامة إذ ذاك طامعا في الفوز بجائزة كان وعدها المهدي لكل من يصوم شهر رمضان كاملا غير منقوص. فلما انقضى شهر الصيام، كتب أبو دلامة إلى الخليفة رُقعة ملتمسا الجائزة، وسطر فيها أبيات شعر جاء في مستهلها:
أدعُوك بالرَحِمِ التي جمعت لنا
في القُرْبِ بين قريبنا والأبعَدِ
ألّا سمعتَ وأنتَ أكرمُ مَن مشى
مِن مُنشِد يرجو جزاء المُنشَدِ
ولما قرأ الخليفة الرُقعة، استدعى أبا دلامة وسأله متعجباً: أي رَحِم (قرابة) بيني وبينك؟ فقال أبو دُلامة: إنها القرابة التي من رَحِم أبينا آدم وأمنا حوّاء يا مولاي! فضحك المهدي منه، وأمر له بجائزة ثم صرفه.
• وفي كتابه «يتيمة الدهر»، أورد الأديب أبو منصور الثعالبي أبيات الشعر الغزلي العفيف التالية التي نظمها شاعر عاشق ولهان مناجيا محبوبته خلال شهر رمضان:
راسلتُ مَن أهواهُ أطلبُ زورةً
فأجابني: أولستَ في رمضانِ؟
فأجبتُه والقلب يخفق صَبوَة
أتصوم عن برٍّ وعن إحسانِ؟
صُمْ إن أردتَ تعففاً وتحرّجاً
عن أن تكِدَ الصبّ بالهجرانِ
أو لا، فزرني والظلام مُجلل
واحسبهُ يوماً مرَّ مِن شعبانِ
• وأدرك الشاعر العباسي ابن الرومي الصيام في شهر أغسطس (آب) فصامه، لكنه عانى كثيرا من شدة العطش والجوع، فقال واصفا ما تكبّده:
شَهْرُ الصّيامِ مُبَارَكٌ
ما لم يَكُنْ في شَهْرِ آبْ
خِفْتُ العَذَابَ فَصُمْتُهُ
فَوَقَعْتُ في نَفْسِ العَذَابْ