سلسلة ترسم كل حلقة منها خارطة طريق إلى تحسين أحد جوانب الصحة والعافية... بدنياً ونفسياً
الصيام في العقائد غير الإسلامية: تعدّدت الأشكال... والنفعُ واحدُ
تشير بعض النصوص التوراتية إلى أن أول إنسان صام كان «أبو البشرية» آدم (عليه السلام) وامرأته، وأن أول صيامهما كان عقب هبوطهما إلى الأرض وقبول الله توبتهما. ويبدو أن آدم صام شكرا لله على قبول توبته وتكفيرا عن إقدامه هو وامرأته على الأكل من الشجرة المحرّمة التي كان الله قد نهاهما عنها.
ومن منظور الرسالات السماوية المتعاقبة، لم يقتصر فرض الصيام على أمة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، بل فرضه الله أيضا على الأمم التي سبقتها؛ والدليل على ذلك في قول الله سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُم لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» (سورة البقرة: الآية 183).
أما من المنظور الإنساني الأوسع نطاقا، فلقد شهد تاريخُ الأمم والحضارات - منذ فجر التاريخ البشري وحتى يومنا هذا - أشكالا وأنماطا عدة من الصيام لأسباب وأهداف متنوعة منها ما هو على أساس تعبُّدي ديني (سواء كان دينا سماويا أو وضعيا)، ومنها ما هو من منطلق الرغبة الفلسفية التطوعية في تهذيب النفس والارتقاء بالروح، ومنها ما هو طبيّ بهدف الاستشفاء ومعالجة علل البدن التي تنجم عن الإفراط في استهلاك الطعام.
وفي حين تعددت أشكال الصيام عبر التاريخ البشري، فإن القاسم المشترك الذي يجمع بينها هو السعي إلى تحقيق شكل من أشكال «النفع» الصحيّ، سواء للنفس أو للبدن.
ولأن نمط صيام المسلمين معروف لدى الجميع تقريبا، نخصص حلقة اليوم لتسليط ضوء تعريفي على أشكال وأنماط الصيام في عدد من أبرز المعتقدات غير الإسلامية... سواء كانت معتقدات سماوية أو وضعية.
صيام اليهود
يتشابه الصيام في الديانة اليهودية مع الصيام عند المسلمين في جوانب عدة، بما في ذلك الامتناع عن الطعام والشراب والجماع وكل مذموم من الأقوال أو الأفعال. لكن الصيام اليهودي يزيد على ذلك الامتناع خلال ساعات الصيام عن الاستحمام، وانتعال الأحذية الجلدية، وغسل الفم، وتغيير الملابس، والعمل، والتعطُّر.
وهناك نوعان رئيسيان من الصيام في اليهودية. أولهما هو الصيام الفردي للتكفير عن خطيئة أو ذنب ارتكبه الشخص. أما ثانيهما فهو الصيام الجماعي الذي يلجأ اليه اليهود جماعيا في ذكرى المناسبات الحزينة أو عند وقوع مصيبة عامة كهزيمة في حرب، أو عند التعرض لكارثة طبيعية كحدوث زلزال أو دمار محصول أو أي بلاء عام آخر يقع بهم.
ويوم الغفران (يوم كيبور) هو من أيام الصيام الجماعي، وهو يبدأ قبل غروب اليوم التاسع من رأس السنة العبرية ويستمر إلى ما بعد غروب شمس العاشر اليوم التالي بنحو ربع ساعة، وبهذا تصل مدة صيام يوم الغفران إلى 25 ساعة متتالية.
وهناك أيضا «الصيام الأربعيني»، وهو معروف أيضًا بـ«الصيام الموسوي» نسبة إلى نبي الله موسى. ويمتد هذا الصيام لمدة 40 يومًا اقتداء بالفترة التي صامها موسى عليه السلام قبل أن يتلقى الوحي من الله في الوادي المقدس طوى.
وهناك «الصيام الأبدي» عن أنواع معينة من الطعام المحرمة تماما على اليهود، بينما يحرّم بعضها في ظروف خاصة، ومن ذلك نذكر:
• القرابين: أي لحوم الذبائح التي يتم تقديمها عن طريق كاهن. وتحرق القرابين بعد تقديمها، لكن يحل للكاهن فقط الأكل منها بينما يحرم على بقية اليهود الأكل منها.
• بعض الحيوانات: حرم العهد القديم على اليهود الأكل من كل حيوان مجتر أو مشقوق الظفر، وحرم عليهم من الحيوانات البحرية كل ما ليس له زعانف أو حراشف، كما حرم عليهم أنواع معينة من الطير كالنعام والحدأة مثلا، إلى جانب كل الزواحف.
• شحوم الأنعام والأغنام والدم المسفوح.
صيام المسيحيين
يختلف ويتنوع الصيام لدى المذاهب والطوائف المسيحية عنه عند المسلمين. لكن أمر تحديد نطاق ومدى الصيام يعود إلى الكنيسة التي يتبعها الصائم المسيحي. فالكنيسة الأرثوذوكسية الروسية مثلا تمنع أكل اللحوم والأسماك في أثناء فترة الصيام، في حين تسمح الكنيسة الكاثوليكية في إنكلترا لأتباعها بأكل اللحوم والسمك في أيام الصيام باستثناء أيام مقدسة معينة.
وأيام الصيام عند الطائفة الأرثوذوكسية هي:
• الصيام الكبير: جزء من صيام الأربعين يوما المقدسة التي صامها السيد المسيح، إلى جانب صيام أسبوع الآلام.
• صيام التطوع: يوما الأربعاء والجمعة من كل أسبوع.
• صيام الرُسل: يكون تمهيدا لعيد الرسل.
• صيام عيد الميلاد: مدته 43 يومًا، ويبدأ في 16 من شهر هاتهور (25 نوفمبر) وينتهي في ليلة عيد الميلاد (6 من يناير) وفقا للمذهب الأرثوذوكسي.
• صيام السيدة العذراء: مدته 15 يومًا.
• صيام النبي يونان أو «يونس»: مدته 3 أيام متتالية، ويكون قبل بدء الصيام الكبير بأسبوعين.
لكن لدى الطائفة الكاثوليكية، لا يوجد سوى الصيام الكبير الذي يبدأ من منتصف الليل إلى منتصف النهار، ثم يُسمح للصائم بأكل أطعمة خالية من المنتجات الحيوانية. ويبدأ الالتزام بالصيام من بعد سن الخامسة عشرة، وينتهي فرض الصوم عند بلوغ 60 عامًا للرجال و50 للنساء.
ويتشابه صيام أتباع الكنيسة الإنجيلية مع صيام المسلمين إلى حد ما، إذ ينقطعون عن الطعام والشراب والشهوات. والصيام في المذهب الإنجيلي هو نوع من التعبد الذي يهدف إلى تحقيق أغراض خاصة بالتوبة وإصلاح العلاقة مع الله.
أما لدى الطائفة البروتستانتية، فقد قررت الكنيسة منذ قرون أن الصيام ليس فرضا دينيا، مع أنها أقرته في الوقت ذاته كرغبة شخصية مع التأكيد على أنه عبادة ترقى بالنفس والروح، ولكنها لم تقيده بميقات زمني ولا بعمر ولا بامتناع عن أنواع معينة من الأطعمة.
صيام الصابئة المندائيين
لدى طائفة الصابئة صيامان، أحدهما كبير والآخر صغير. وإجمالا، يصومون 36 يومًا موزعة على مدار السنة. ويكون صيام الصابئة عن الطعام وتحديدًا لحوم الحيوانات ومشتقاتها، كما يمتنعون خلال أيام صيامهم عن نحر أو قتل أي حيوان وعن كل ما يشين من أفعال وأقوال.
ومن النوافل لدى الصابئة صيام أيام الأحد والأربعاء والخميس من كل أسبوع، وصيام أيام شهر ناتق القمري الذي يتزامن مع شهر رمضان، لكنهم يعتبرونه صيام نافلة وليس فريضة.
صيام البهائيين
وفقا لعقيدة الديانة البهائية، يكون الصيام في شهر يُعرف في تقويم السنة البهائية باسم «شهر العلاء»، ويبدأ عادة في يوم 2 من مارس وينتهي بالتزامن مع عيد النيروز أي في يوم 21 من شهر مارس.
وهناك تشابه بين أحكام الصيام لدى البهائيين وأحكام صيام المسلمين. ففي العقيدة البهائية، الصيام فرض على الجنسين ابتداء من سن 15 عاما ويقتضي الإمساك عن الطعام والشراب والتدخين من الشروق الى الغروب.
ويُعفى من الصيام البهائي المريض ومن كان على سفر، ومن تجاوز الـ70 عاما، والحامل، والمرضع، والنفساء، والحائض، والمشتغلون بأعمال شاقة. ونذر الصيام جائز لدى البهائيين وينبغي الوفاء به.
صيام الايزيديين
يعتنق أتباع الديانة الايزيدية عقيدة تعذيب النفس سعيا إلى إرضاء الخالق، ويرون أن الصيام هو واحد من أساليب هذا التعذيب. ويستحب الايزيديون صيام الأيام التي يكتمل في لياليها القمر ويصبح بدرا في منتصف الشهر، وهذا صيام نافلة.
وخلال فترة صيامه، يمتنع الايزيدي عن تناول الطعام والشراب والتدخين وممارسة الجماع، إلى جانب عدم إتيان أفعال مذمومة أو التفوه بكلمات بذيئة.
صيام البوذيين
يصوم البوذيون المتدينون من شروق الشمس إلى غروبها في 4 أيام متفرقة من كل شهر قمري. وتُعرف تلك الأيام باسم «أيام يوبوذانا»، وهي الأول والتاسع والخامس عشر والثاني والعشرون.
ويكون ذلك الصيام بالامتناع تماما عن تناول الطعام، وعن العمل، وحتى عن إعداد الطعام. ولذلك، يقوم البوذيون بإعداد طعام الإفطار مسبقًا قبل شروق شمس يوم الصيام ليتناولوه بعد غروب شمس اليوم ذاته.
صيام الهندوسيين
تختلف طقوس الصيام اختلافا كبيرا بين أتباع طوائف ومذاهب الديانة الهندوسية. ففي مناطق جنوب الهند، يصوم معظم الهندوسيين عن الطعام من شروق الشمس إلى مغربها، لكن يمكنهم أن يشربوا سوائل خلال تلك الساعات. أما لدى هندوس المناطق الشمالية، فمسموح لهم بتناول الفواكه والحليب فقط خلال أيام فترة الصيام.
وهناك «صيام الفصول» لدى الهندوسيين، حيث يمتنعون بموجبه عن تناول أي طعام ابتداء من غروب الشمس وحتى شروقها لمدة تسعة أيام متتالية في بداية كل فصل من فصول السنة.