قراره النهائي يرتبط بـ «بنكِ أهداف» محور الممانعة في المنطقة
«حزب الله» الإقليمي لم يحْسم خيارَه بعد من عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة أو... إقصائه
يقف لبنان، المهجوس بالغليان الإقليمي غير المسبوق من حوله، أمام أسبوعٍ يصح القول إنه «مفصليّ»، فهو يأتي بعد أسبوع واحد على انتخاباتٍ أَفْضتْ إلى خريطةٍ جديدة من التوازنات السياسية، أَوْضَحُ ما فيها خروجُ «حزب الله» بحصةٍ مرجحة وعودة «حصة الأسد» (الرئيس السوري) إلى البرلمان. كما يأتي قبل أسبوع واحد من انطلاق مسار ولادة الحكومة الجديدة، رئيساً وتوازنات وصراع حقائب، والأهم أيضاً بيانها الوزاري وما ينطوي عليه من «ألغام» ترتبط بـ «السطر» المتعلق بالاسم الحرَكي لسلاح «حزب الله»، أي معادلة «الجيش والشعب والمقاومة».
ورغم أن صراعاً، لم ينتظر «حصْر إرث» نتائج الانتخابات، أَطْلَقَتْ نفيرَه القوى السياسية لحجْز حصصها في «كعكة» الحكومة في ضوء الترسيمات الجديدة للأحجام، والمسارعة إلى تركيب كتل لتطويع التوازنات، ومحاولة صوغ تحالفات «منفوخة» لفرض وقائع وشروط، فإن اللافت هو «إهمال» العامل الاقليمي غير الخفي في صنْع الترتيبات الجديدة في لبنان، في لحظة طغيان احتمالات المواجهة الكبرى في المنطقة بعد «الاشتباك الصاروخي» الأول من نوعه وجهاً لوجه بين اسرائيل وإيران في سورية، والغموض الملغوم بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي مع طهران.
والسؤال، الذي يختزل التقاطع بين الداخلي والاقليمي في اللحظة الانتقالية في لبنان، من الانتخابات التي جرتْ الى الحكومة العتيدة، هو هل يعود زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري رئيساً للحكومة؟ وتالياً هل سيُصار الى تكليفه؟ وهل ينجح في التشكيل أم أن ثمة قراراً بإحراجه لإخراجه؟ وفي ضوء أي دوافع سيتم تحديد التوجهات النهائية حيال لون الحكومة وإمْرتها وتوازناتها؟
المؤشرات «المتداولة» عشية أسبوعٍ، يمكن أن يتضح معه «الدخان الأبيض من الأسود»، توحي بأن التسوية التي جاءت بالعماد عون رئيساً للجمهورية وبالحريري رئيساً للحكومة وبضمانةِ «حزب الله» ما زالت سارية المفعول، ولعل أبرز تلك المؤشرات:
• بقاء الحريري «رقماً صعباً». فرغم فوزه الناقص في انتخاباتٍ أدت الى انكماش كتلته، فانها استمرّت من الأكبر في البرلمان، وحافظ فيها على الحصة السنية الأكبر (17 نائباً من أصل 27) بعدما نجح خصومُه في كسر «حصريته» للتمثيل السني.
• استمرار التحالف «على ما يرام» بين الحريري والرئيس ميشال عون، المدعوم بتكتل نيابي من 27 نائباً، وخصوصاً أن هذا التحالف، الذي تَسبب بمتاعب داخلية وإقليمية للحريري، أصبح أكثر تماسكاً بعد أزمة استقالة رئيس الحكومة من المملكة العربية السعودية في 4 نوفمبر الماضي.
• إعلان رئيس البرلمان نبيه بري، شريك «حزب الله» في «الثنائية الشيعية» دعمه عودة الحريري الى رئاسة الحكومة رغم «الودّ المفقود» بين بري والعماد عون وحزبه (التيار الوطني الحر) والأزمة المبكرة في شأن حقيبة المال في الحكومة مع الإصرار الشيعي على الاحتفاظ بها.
ورغم أن علاقة الحريري المهتزة بأطراف أخرى كان على تحالف معها أيام «14 آذار» لن تشكّل عائقاً دون تسميتها لزعيم «المستقبل» لتشكيل الحكومة في نهاية المطاف، فإن المسألة في مكان آخر وتتجاوز أحجام الكتل في البرلمان الجديد وشهياتها المفتوحة.
فرئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، الذي ضاعَف عدد أعضاء كتلته، ولمح إلى صداقته مع رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي من باب «المناورة»، رَبَط حسْم الموقف من تسمية الحريري بتفاهم مسبق على إدارة الدولة ربْطاً بـ «أولويات داخلية» لا بأبعاد تتصل بمسائل ذات طبيعة استراتيجية لا خلاف حولها.
أما العلاقة المأزومة بين الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، فمرشَّحة لتعقيداتٍ إضافية. وقد شكلت السجالات «التويترية» أمس عيّنة لمسار «طالع نازل» بين القطبين يَصعب تصور بلوغ تأزّمها الحد الذي يدفع جنبلاط الى النأي عن تسمية الحريري لرئاسة الحكومة.
وبهذا المعنى، فإن السياق الداخلي للوقائع اللبنانية يضمن نصاباً سياسياً - دستورياً يصبّ في مصلحة تسمية الحريري، ومن دون منازع رئيساً مكلفاً لتشكيل حكومةٍ لن تكون ولادتها إلا قيصرية وبعد مخاض عسير وشائك وموجِع.
غير أن الغالبية الموصوفة التي تفتح الطريق أمام عودة زعيم «المستقبل» إلى السرايا الكبيرة لا تعني بالضرورة وصوله إلى رئاسة الحكومة ما دام «حزب الله»، الناظم السياسي - الأمني في البلاد لم يحسم بعد «كلمة السر» حيال مصير الرئاسة الثالثة وكرسيها.
فدوائر القرار في «حزب الله» ما زالت على مناقشتها المفتوحة لـ «المفاضلة» بين تسهيل عودة الحريري الى رئاسة الحكومة وبين إقصائه من السلطة، استناداً إلى حسابات إقليمية تتصل بمستوى المواجهة مع المملكة العربية السعودية والغرب.
ويخضع تقويم الحزب لـ «بنك أهدافه» في المرحلة المقبلة، لاعتباراتٍ تتصل بما ستكون عليه خيارات «محور الممانعة» بقيادة إيران في الصراع المتعاظم في المنطقة، وخصوصاً في حال تَقرّر توجيه رسائل قاسية الى السعودية والولايات المتحدة.
فالمسألة، في نظر الذين يفهمون «حزب الله» وسلوكه لا تتصل بالحريري، الذي لم يخطئ في إدارته منذ التسوية التي أعادتْه إلى السلطة، وهو رغم أنه حليف للرياض، لكنه لم يعمل تبعاً لأجندة سعودية في لبنان.
وهذه المقاربة واضحة في المناقشات الدائرة لما سيكون عليه موقف «حزب الله»، لكنها ليست بيت القصيد، فأي توجه لإقصاء الحريري، على غرار الانقلاب عليه في العام 2011، سيكون بقصد «إعلان حرب» على الرياض.
وثمة انطباعٌ في بيروت بأن قراراً من هذا النوع لن يكون سهلاً لأن «حزب الله» يدرك أن مجيء حكومة موالية له تماماً يجعله وجهاً لوجه في مواجهة مع العالم العربي والمجتمع الدولي يصبح معها لبنان «غزة ثانية» في ضوء شبح الحرب الزاحف في اتجاه المنطقة.
ومن هنا، ربما يريد «حزب الله» في حال قرّر إقصاء الحريري من جديد، إعلان حرب ناعمة مع تفاديه للحرب المدمّرة، وذلك في إطار الردّ على الهجمة المتمادية التي تتعرّض لها طهران، في الملف النووي وعلى جبهات نفوذها في المنطقة.