ملحمة غنائية اختتمت فعاليات «الكويت عاصمة الشباب العربي 2017»
«شروق الشمس»... وطن النهار يسطع حضارةً
الكويت تسطع حضارةً!
هذا ما حصل، أول من أمس، في المسرحية الملحمية «شروق الشمس» التي جسدت حضارة الكويت من خلال عيون عربية!
فمن شروق الشمس نقطف ثمار حقيقة وطن النهار، وتاريخ حضارته، الذي يحاكي منبت كل شجرة وموضع كل حبة رمل، ويتتبع تلك الأشرعة المبحرة عبْر حكايات الزمان... فرحلة الإنسان إلى القلب والمعاني، تجلَّت بعيني حقيقة وطن، إنها رحلة الكويت والإنسان التي تبحر في عمق الزمن لنصل إلى مرفأ الحضارة والتاريخ، هنا بلاد النور وأرض المحبة والسلام، التي يطيب لها المجد والشروق.
ربما تكون هذه المعاني جزءاً من الرسالة التي بعثت بها الملحمة المسرحية العربية الغنائية «شروق الشمس» رؤية وسيناريو وإخراج عبدالله عبدالرسول، التي عُرضت على مدار ثلاثة أيام كان آخرها الثلاثاء فوق خشبة «المسرح الوطني» في «مركز جابر الأحمد الثقافي» بمناسبة احتفالية ختام «الكويت عاصمة الشباب العربي 2017»، بتنظيم من الهيئة العامة للشباب وبشراكة استراتيجية مع وزارة الإعلام.
العمل المسرحي، الذي يقام بدعم من مجلس وزراء الشباب العرب في جامعة الدول العربية، بدأ رحلته في البحرين قبل ثلاث سنوات، وتابع مسيرته إلى المغرب، قبل أن يحطّ رحاله أخيراً في الكويت، تتويجاً لخبراتها في مجال العمل الشبابي، ليستأنف رحلته مجدداً، كي يسلِّم الراية إلى مصر للعام المقبل، في حلقة جديدة من سلسلة الإبداع الذي يواصل مسيرته متنقلاً بين مختلف بلدان الدول العربية.
وفي ما يتعلّق بـ «شروق الشمس» هذا العمل المسرحي الملحمي الضخم الذي لم يأتِ من فراغ، بل جاء بعد جهد كبير بذله فريق عمل ضخم اجتهد طوال الفترة الماضية، ليقدمه للجمهور بهذه الصورة، فقد ضمّ في ثناياه نجوماً شكلوا أجمل صور التلاحم والإبداع من خلال 12 مشهداً مختلفة، بدأ مع أبيات شعرية نطقت بها راوية، وكتبها الدكتور حسان الشناوي قائلاً فيها:
«في خطى التاريخ نرتاد دروبه/ وهي تشدو أشرقت شمس العروبة/
والحضارات تساقى نورها قيماً عُليا/ وأخلاقاً رحيبة وعلى أرض الكويت/ الخير من أنفس تنهل إحساناً وطيبة عمّروها
فغدت أرجاؤها واحة للأمن غنّاء رطيبة».
وفي المشهد الثاني أطلّ طارق العلي مع علي الحسيني وأحمد العوضي مكملين مشوار ذلك الشروق بكلمات صاغها عبدالله عبدالرسول، منها:
«يا زهرة النور يا شمس الحقيقة، التاريخ... الحضارة... أعماق الزمن،
تتخطى حواجز السنين والقرون، رحلة البحث عن الذات الأزلية، الإمعان والتنوير ومعالم شيدها الإنسان، أرض الكويت... بلاد العرب... طريق الحرير، العقد الزمردي... المستقبل الجديد، إرساء قواعد العصر الحديث».
وبعده جاء المشهد الثالث، الذي قدمه كل من محمد الحملي وإبراهيم الشيخلي وموسى كاظم، ليسلط الضوء على جزيرة إيكاروس والحضارة القديمة، حيث كان استعراضاً لهذه الجزيرة التي تعتبر مهد الحضارات بين النهرين ورأس الخليج العربي، فاستعرضت مرور قوافل التجارة من المنطقة إلى الهند وفارس، ووصول القائد العظيم الإسكندر المقدوني إلى فيلكا أثناء حملته المشهورة التي أطلق عليها إيكاروس.
وانتقالاً إلى المشهد الرابع، وقدمه خالد أمين وعبدالمحسن العمر إلى جانب عبدالله البدر، فقد تكلم عن أرض كاظمة، مستقياً حواراته من كتاب «تاريخ كاظمة في الكويت» للدكتور يعقوب الغنيم.
ومن الكتاب ذاته أطلّ عبدالله الزيد وميثم الحسيني وخالد السجاري ليقدموا المشهد الخامس الذي حمل عنوان «كاظمة والشواهد الأدبية في التاريخ العربي»، فألقى هذا المشهد الضوء على هذه الأرض الكويتية التي كانت منارة للشعر وواحة للأدب، إذ تغنى بها كثير من أشهر الشعراء العرب منهم الفرزدق وجرير وذو الرمة وامرؤ القيس والحمداني وغيرهم، مستذكراً أحداث معركة كاظمة أو ذات السلاسل التي وقعت أحداثها على أرض الكويت بين المسلمين والفرس.
بعدها جاء المشهد السادس حاملاً الطابع الأندلسي، إذ أطلت مجموعة من الفتيات بزيّ موحّد اللون وقدّمن رقصة من ذلك الزمان بموشح أندلسي كتب كلماته الدكتور حسان الشناوي، قال فيه:
«شادت بلادي حضارة للعلم فيها مناره/ والشعر فيها غناء يعطي الحياة نضاره/ تاريخنا صفحات تكسو الزمان فخاره/ من الكويت سناها حول العروبة داره».
أما المشهد السابع فحمل عنوان «الكويت في الوجدان العربي»، وقدمه كل من يعقوب عبدالله وحمد أشكناني إلى جانب بدر البلوشي وأحمد العوضي وفرح الحجلي وإبراهيم بوطيبان ومشاري المجيبل بحوار كان فيه كثير من الاعتزاز بالإنجازات التي تصنع التاريخ، كما أبرزت دور الكويت الإنساني في مجالات الإغاثة ودعم المحتاجين حول العالم، مبرزة الشخصيات الكويتية التي قدمت الكثير في هذا المجال والتي توجّت بتسمية حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد (حفظه الله ورعاه) بلقب «قائد العمل الإنساني»، كما تابع المشهد إبراز دور الكويت الأدبي وتأثيره الثري في الساحة الثقافية شعراً، مستذكراً أهم رموزها على مرّ تاريخها الحديث.
ومنه حان المشهد الثامن الذي حمل عنوان «القدس الشريف في وجدان الكويت»، حيث جسده كل من سماح ويوسف الحشاش ومحمد رمضان ونصار النصار ومحمد عبدالرزاق، بالمشاركة مع مجموعة من الفتيات اللاتي قدمن لوحة راقصة تعبّر عن البيئة الفلسطينية، إلى جانب ذلك لم يغب هذا العمل عن واقع وحال دمشق، فكان لها نصيب من خلال مشهد أوضح معاناة الشعب السوري مبرزاً دور الكويت قيادة وشعباً في تخفيف ما يعانيه هذا الشعب من الرعب والدمار.
أما في المشهد التاسع «مصر أرض الحضارة»، الذي قدمه كل من حمد العماني وأحمد إيراج، فقد لفت الأنظار إلى الحضارة المصرية ذات السبعة آلاف عام، لتطل بعده مغنية الأوبرا الدكتورة أماني الحجي إلى جانب بدر الشعيبي وراوية بالمشهد العاشر «نشيد النصر في أوبرا عايدة»، ليقدموا لوحة تشع ببهجة الانتصار التي تجسد هذا الجزء الملحمي من الأوبرا المشهورة التي ألفها الموسيقار جيوسيبي فيردي، مبرزين دور مصر في عهدها الفرعوني، باعتبارها أرض الحضارة.
كان لافتاً في هذا العمل الملحمي ذلك الإبهار البصري الذي استعان به المخرج، مستغنياً بذلك عن كتل الديكور الضخمة، إذ كان لهذه الشاشات الكبيرة دور كبير في إيصال الفكرة وتعايش الحضور مع كل مشهد، حيث استمرت إلى الحادي العاشر حاملة عنوان «الطريق إلى العالم العربي»، وقدمها طارق العلي بحوار قال فيه: «من أرض الكويت العربية، من ضفاف بحر الخليج العربي، هنا بلاد النور والسلام، منبت الحضارة وعزم الشباب، هنا كانت قصص الأيام، وعيون المستقبل المشرقة، هنا رمال الشواطئ التي تغفو هادئة على الأمل وهمم الرجال، هنا تعانق الزمان والمدى، وما كان للإنسان سوى الكفاح، كفاح العمل والقوة لبناء الأوطان، هنا يطيب لنا المجد والشروق».
ليأتي بعدها المشهد الثاني عشر والأخير الذي أطلّ به كل من الفنانين خالد سليم ومروى بن صغير ومطرف المطرف وإبراهيم دشتي إلى جانب شيماء الكويتية وأمير دندن، حيث تغنّوا جميعاً بكلمات الدكتور حسان الشناوي، بالكويت أرض المحبة والسلام، والعرب والعروبة مقدِّمين تحيتهم إلى القدس وفلسطين الحبيبة، ومسدلين ستارة الختام على ملحمة أشرقت فيها حضارة الكويت من خلال عيون عربية.