التلاحم الأسري (2)
الأسرة العصرية أو الأسرة النووية هي التي تتضمن الأب والأم والأبناء وتتكون على أساس الأواصر الزوجية وتقتصر على الزوجة الوحيدة.
إن قراءة واقع بعض الأسر في العصر الحديث، ودورها في صناعة الأجيال (تربية الأبناء) يكشف عن أدوار انهزامية وخاسرة مارسها الآباء والأبناء استطاعوا من خلال ذلك تشكيل أسرة ينتج عنها بعض السلبيات المؤثرة على شكل المجتمع. مثال: قطع العلاقات الرحمية والانطواء العائلي والسعي للمصلحة الشخصية مما أوصل الأمر إلى أن يلتقي أبناء العمومة من دون التعرف على بعضهم البعض، وهجر الأبناء لآبائهم، أو طرد الآباء لأبنائهم، وغياب الحوار الأسري وكذلك المشاورة.
الحقيقة التي علينا إدراكها أن الآباء يمثلون البناء المعرفي والقدوة التي تؤثر في سلوكيات وتعامل الأبناء سلباً أم إيجابا، ولكن مع تقدم الحياة مادياً وتكنولوجيا تراجع الدور التربوي عند بعض الآباء. ولا نعلم هل الأسرة تخلت بإرادتها عن الدور التربوي الحقيقي أو سلب منها بفعل مواكبة التطور والتغيرات المدنية والحياتية وتأثيراتها التي شملت كل مناحي الحياة! والجدير بالذكر إلى ما رآه الأستاذ يوسف حكمي في الإجابة عن الأسئلة السابقة في صحيفة «الرياض» العدد 78841.
فرحلات الاب المكوكية لتوفير لقمة العيش وسد احتياجات الأسرة المادية، كذلك خروج المرأة الأم ومشاركتها في العمل والقيام بدورها الوظيفي خارج المنزل، كل ذلك أدى إلى تزايد فرص تواجد الأبناء خارج الوسط الأسري وتنامي العلاقات بين الأقران، وكذلك التشاور ووسائل الإعلام السمعية والمرئية والتلفاز، برامج الانترنت، التي أصبحت بدورها تجتذب الأبناء وتشغل أوقاتهم وتصبح وسيلتهم الفضلى في الاطلاع على ما يجري حولهم من أحداث وعوالم كانت مجهولة بالنسبة لهم، بالإضافة إلى انتشار ظاهرة استقدام الخدم والمربيات لتحل مكان الأم وتقوم بدور المربي والمعلم.. كل هذا ساهم في تقلص دور الأسرة وتزايد المسافة والتباعد بين الأبوين والأبناء وبروز العديد من المشكلات الاجتماعية مثل التسرب الطلابي من المدارس، جرائم الأحداث كالسرقة والإدمان والتحرش الجنسي وغيرها.
أفكار لنماء التلاحم الأسري
لتنمية التلاحم الأسري وبعث الحياة في الأسرة لا بد من الاعتبار بالأمور التالية:
1 - توحيد المعتقد:
الكفاءة في النكاح، أن يكون الزوج مساوياً للمرأة في حسبها ودينها ونسبها. واتفق المسلمون على ضرورة أن يكون زوج المسلمة مسلماً، وأنه لا يجوز أن تتزوج غير المسلم، لأنه ليس كفؤاً لها. لكن الاختلاف حصل في اشتراط خصال أخرى ضمن إطار الكفاءة. مع الأخذ بالاعتبار بأن الفارق في كفاءة الزوجين الدينية عامل طبيعي لإدارة أسرة سوية، كأن يكون الزوج على عقيدة الإسلام والزوجة على عقيدة أخرى فتكون النتيجة صعوبة التفاعل والانسجام إلا إذا قدم أحدهما تنازلات عن مبادئ وقيم معتقده الديني ويعد ذلك استخفافا بالمعتقد ومهما يكون من الأمر فاختلال السلوك لا يقتصر على الزوجين فقط بل يشمل طريقة تربية الأبناء، ويساهم بشكل كبير جدا في تأجيج العزلة والانفصال بين أفراد الأسرة، فرغبة الأب لتربية أبنائه على المبادئ والقيم الإسلامية من جهة بينما تجتاز الأم لتنشئة الأبناء على مبادئ وقيم دينها من جهة أخرى.
هذا الخلاف يوفر مناخاً صحراوياً يتسم بالجفاف وعدم القدرة على النماء ولا يحقق التواصل بين أفراد الأسرة فيحول التلاحم والترابط، ويجعل الأبوين فاقدي السيطرة على إدارة الأسرة و تعزيز اللحمة الأسرية محفوف بالمتاعب مما يوحي بانهيار الأسرة وتفكك عناصرها.
وقد يكون الزوجان على عقيدة واحدة إلا أن عدم التوافق الفكري بينهما يحتل مساحة المد والجزر فينجذب الأبناء إلى مبادئ وقيم الأب المتحررة من الأخلاق الإسلامية بسبب سلطته. بالإضافة إلى النظرة الدونية للزوجة تقلل من احترام الأبناء للأم وتضعف سلطتها وتغيب فاعلية أخلاقها الإسلامية.
لهذا السبب رأينا ضرورة مراعاة الكفاءة في الزواج لقول الرسول الأعظم: «أنكحوا الأكفاء وانكحوا فيهم واختاروا لنطفكم» ما رواه الكليني من «أن النبي صلى الله عليه وآله صعد المنبر ذات يوم وأمر بتزويج الأبكار إذا أدركن فقام إليه رجل وقال: يا رسول الله فمن نزوج؟ فقال: صلى الله عليه وآله الأكفاء، فقال: من الأكفاء؟ فقال المؤمنون بعضهم أكفاء بعض، المؤمنون بعضهم أكفاء بعض»، فالمسألة هنا تنص على أن الإيمان وحده كاف حتى وان لم تتوافر في أحدها الجوانب الأخرى الاقتصادية أو الاجتماعية أو النسب. إلا أننا نرى أحقية استمرار ونجاح العلاقة الزوجية التي تقوم وتنشأ على التوافق الفكري، لأنه منشأ الإدارة الناجحة لأفراد الأسرة بأبعادها النفسية أو الروحية أو الاجتماعية فهذا المنشأ يستجلب بلا شك مشاعر الرضا على الصعيد الفردي، والألفة والسلام على المحيط الأسري.
2 - تقديم القدوة:
إن تقديم القدوة الحسنة للأبناء بصورة سليمة يتطلب من الآباء التدريب والتمرس على ممارسة سلوكيات والحد من إظهار الغضب وتقديم تغذية راجعة للأبناء إنما يعزز الثقة في نفوس الأبناء، لان وجود الثقة تعني الاحترام والتجاوب السريع مع توجيهات الآباء فقد تعايشوا مع صدق الكلمة وطيبها، ولمسوا الصفح عن أخطائهم والتحسس لآمالهم وآلامهم والتركيز على ايجابياتهم قبل سلبياتهم يقول علماء التربية النفسية: «ما تركز عليه تحصله» بالإضافة إلى تفهم مراحلهم العمرية وإشباع حاجاتهم وفق ما تتطلبه المرحلة العمرية التي يمر بها الأبناء، مع الإدراك باختلاف تربية الذكور عن الإناث. بهذا و بغيره من العطاء المحدود وجدوا أنفسهم ينشؤون ضمن حاكمية رشيدة تتمتع بقدرتها على الحزم بزمام الأمور من دون إهمال أو ضعف يذكر.
* كاتب سعودي ومدرب في شؤون الأسرة