كتاب أصدره رجا طلب عرفاناً بالجميل ولإعادة ترتيب بعض أوراق التاريخ
«الكويت والفجر الفلسطيني»... إضاءة مخلصة على علاقة أساسها الوفاء
الكويت لم تكن لمئات
الآلاف من الفلسطينيين
مجرد مكان للإقامة
بل بمثابة مصنع الأمل
الذي يتجدد على الدوام
يتمتع كتاب «الكويت والفجر الفلسطيني» للكاتب في جريدة «الرأي» الأردنية الزميل رجا طلب، برؤية موضوعية وشاملة، لمسألة غاية في الأهمية تتعلق بالعلاقة شديدة المتانة والقوة بين الكويت وفلسطين، بأبعادها التاريخية والاجتماعية والأدبية، وهي علاقة لم تلهها عن الترابط والالتصاق بعض ما شابها من غبار في مرحلة قصيرة من مراحلها الطويلة والممتدة.
وعلى هذا الأساس جاء كتاب طلب كي يؤكد هذه الحقيقة، من خلال طرح جاد ومقنع، استخدم فيه لغة أدبية راقية، ومصادر موثوق في صحتها، ومعلومات لا يمكن لأحد التشكيك فيها، وتناغم تاريخ متواتر مع الأحداث والأفكار التي أرادها المؤلف ان تكون مرتبة، كي تتلاءم مع قضيته التي يريدها أن تكون جلية واضحة، لا لبس فيها.
والكتاب صدر عن الدار الأهلية في الأردن ويتكون من 175 ورقة من القطع المتوسط، ويضم الكثير من الموضوعات التي تعكس جوانب مهمة في العلاقة الكويتية الفلسطينية منذ زمن بعيد.
يتحدث طلب عن كتابه في حوار خاص مع «الراي» ليقول: «هذا الكتاب يحكي تاريخ العلاقات الكويتية الفلسطينية بداية من عشرينات القرن الماضي إلى يومنا هذا، والمحطات الطويلة التي مرت بها، كما يركز على العلاقات التي ربطت الشعبين- الفلسطيني والكويتي- في مجالات مختلفة مثل التعليم والصحة والثقافة وخلافه».
وتابع: «أثبتت الأيام والتاريخ أن الكويت من أكثر الدول التصاقا بالشعب الفلسطيني، فقد كانت أول بعثة وصلت إلى الكويت عام 1922 من الكويت، وتشكلت من رجال الدين لجمع تبرعات من أجل ترميم المسجد الأقصى».
وأشار طلب في حديثه إلى استقبال الكويت للفلسطينيين خلال تاريخها المتعاقب خصوصا بعد احتلال فلسطين في 48 ثم نكسة 67 ومساهمات الفلسطينيين في قطاعات التعليم والصحة والبلدية والجيش والشرطة وغيرها، ونمو مجتمع فلسطيني داخل الكويت بكل ما حظي به من رعاية.
وكشف طلب أنه تحصل على معلومات كتابه من مصادر موثوق فيها، وتتمتع بالصدق والمصداقية، كما أنه استخلص بعض هذه المعلومات من خلال نقاشاته وحواراته مع شخصيات عاشت وعاصرت الأحداث.
وحول الفكرة التي دفعته لإصدار كتابه قال: «خلال القمة الخليجية الأخيرة التي شهدت وقائعها أرض الكويت... وجدت أن حضرة صاحب سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد كان متطلعا إلى أن تكون هذه القمة هي قمة المصالحة مع كافة الأطراف، ولكن البعض لم يرد للمشروع النجاح، وخلال هذه الأحداث المتعاقبة تأكد لي أكثر أن سموه يسعى في كل خطواته ومشاريعه إلى تحقيق الوفاق، وهذا مبدأ الكويت الثابت في كل مساعيها، خصوصا مع القضية الفلسطينية، والشعب الفلسطيني الذي وجد الإنصاف من الكويت».
وأضاف: «خطرت في بالي فكرة هذا الكتاب، بينما كانت سيرة سمو أمير البلاد حاضرة في ذهني منذ أن كان وزيرا للخارجية، ودعمه للقضية الفلسطينية، ومن ثم أردت رد الجميل لهذه المساعي الحميدة، من خلال توثيق طبيعة الجهود والعطاءات التي قدمتها الكويت لفلسطين وقضيتها».
وأوضح أن الفلسطينيين لم يكونوا يشعرون بالغربة داخل الكويت، لأنهم كانوا في وطنهم الرديف، بل بالعكس كانت غربتهم وهم خارج الكويت، وقال: «الكويت هي المتضرر الأول من الغزو الصدامي الغاشم، وفلسطين هي المتضرر الثاني».
وحينما نقرأ مدلول العنوان «الكويت والفجر الفلسطيني»، سنجد أن الأمل الذي يمثله الفجر، جاء مقرونا بالكويت ومتبوعا بفلسطين، وهو أمل يمكن استشرافه من خلال العنونة، تلك التي توحي بالانفراج والخلاص، من وطأة الظلم الذي يعيش تحت ظلامه الشعب الفلسطيني، وعلى هذا الأساس فإن العنوان هو عبارة عن إضاءة وافية لمحتوى الكتاب وملخص مكثف ومتقن لما فيه من معلومات وطرح.
فيما اتسم غلاف الكتاب بنظرة أو رؤية فنية تستشرف المستقبل، وتنظر إلى الواقع بعيون متفحصة، وهذه الأمور عبر عنها الغلاف من خلال الرمز الذي تمثله صورة حضرة صاحب سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد على الغلاف بنظراته الطموحة والفضاء الذي شمل الغلاف وهو يتسع للأمل بكل إضاءاته.
وأهدى طلب كتابه إلى «الرجل الذي استحق ألقابا عالمية لم تسبقه إليها أي شخصية أخرى في عالمنا الحالي سواء كانت عربية أو عالمية، إنه حضرة صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد... أمير الحكمة وقائد الإنسانية، وشيخ العروبة، وأحد ينابيع الأصالة النادرة في زمن يشكو القحط والردة».
وقال المؤلف في التوطئة: «هذا الكتاب هو مجرد نقطة في سفر العرفان الطويل والعميق للكويت، الحضن الدافئ للشعب الفلسطيني الذي وجد في شاطئ الكويت الجميل وصحرائها الساحرة ما يذكره بحيفا ويافا والنقب وبئر السبع وغيرها من المدن الفلسطينية». موضحا أن الكويت احتضنت كل ما يتعلق بإبداعات ومعاناة الشعب الفلسطيني على أرضها منذ عام 1948 حتى عام 1990 وصولا إلى يومنا الحاضر.
وفي مقدمة الكتاب قال طلب: «جاءت فكرة الكتاب بعد واحد وعشرين يوما من قرار ترامب المشؤوم والصادر في 6 ديسمبر عام 2017 بالاعتراف بالقدس عاصمة موحدة وأبدية لدولة الكيان الغاصب، وجوهر الفكرة إنصاف الكويت دولة وشعبا وحكاما على تاريخهم الطويل في دعم الشعب الفلسطيني ونضاله الممتد منذ بداية العشرينات من القرن الماضي إلى يومنا هذا، دعما سياسيا وماليا وتعليميا واقتصاديا».
وطرح سؤاله: «لماذا الكويت دون غيرها من الدول ليجيب: لأن الكويت ربما تكون الدولة العربية الوحيدة التي لم تطاردها شبهة التطبيع مع الكيان الصهيوني المغتصب لفلسطين، سواء على الصعيد الرسمي أو على الصعيد الشعبي، فلسطين كانت وما زالت في الوجدان الكويتي قضية العرب الأولى».
وأشاد طلب- بفخر- إلى تصدي رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم لرئيس الكنيست الإسرائيلي والوفد المشارك معه وقام بطرده من قاعة المؤتمر خلا انعقاد الدورة 137 للاتحاد البرلماني الدولي في مدينة سان بطرسبورغ في روسيا، ومن ثم أشاد سمو أمير البلاد بهذه الجرأة وبعث إليه ببرقية يحييه فيها على موقفه.
وفي متن الكتابة تحدث المؤلف عن الجذور التاريخية للعلاقة والتي لا يمكن ضبط إيقاعها في لحظة زمنية محددة، ولكن يمكن تحديدها في ظرف اجتماعي وآخر سياسي، ومن ثم اشار إلى ما أورده خيري ابو الجبين- وهو من الرعيل الأول من الفلسطينيين الذين وصلوا الكويت للعمل- في إحساس الكويتيين بنكبة فلسطين وتشريد أهلها، وإيفاد بعثة تعليمية فلسطينية إلى الكويت عام 1936.
ثم تناول طلب بالبحث نشأة حركة فتح في الكويت التي كانت بوتقة وحاضنة ثقافية وسياسية في تاريخ المنطقة، خصوصا تاريخ القضية الفلسطينية ونضال الشعب الفلسطيني، ومن ثم أورد المؤلف شهادات برجس البرجس- مؤسس وكالة «كونا»- وسليم الزعنون- رئيس المجلس الوطني الفلسطيني وعضو اللجنة المركزية لفتح وممثلها الإقليمي في الخليج عام 1991، وشهادة صلاح خلف- في كتابه «فلسطين بلا هوية»، وشهادة أول مدير لمكتب منظمة التحرير الفلسطينية خيري أبو الجبين التي يؤكد فيها أن الكويت أول دولة عربية تسمح للفلسطينيين بإجراء انتخابات لاختيار أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني... وأول دولة تصدر قانونا باستقطاع 5 في المئة من رواتب موظفي الدولة لصالح الصندوق القومي الفلسطيني.
وفي مساحة أخرى من الكتاب تحدث المؤلف عن «الكويت ورعاية التعليم والثقافة الفلسطينية» ليقول: «من المفارقات الجديرة بالاهتمام أن الشعب الفلسطيني الذي كان من أوائل الشعوب العربية التي ذهبت إلى الكويت لتعليم أبنائها في عام 1936- 1937، كانت الكويت هي في المقابل من أوائل الدول العربية التي فتحت ذراعيها لهذا الشعب من أجل التعليم وتطوير قدراته الثقافية من دون أي منة أو شرط».
وأشار طلب إلى الأنشطة الثقافية والفنية والرياضية التي برع فيها فلسطينيون على أرض الكويت، والرياضيون والفنانون الفلسطينيون الذين تخرجوا في الكويت، وإعلاميون من أصول فلسطينية.
في ما توقف المؤلف عند:«الاحتلال العراقي للكويت وأثره على الفلسطينيين»، كي يكشف في لقاء أجراه مع سليم زعنون – الذي لم يغادر الكويت أثناء الغزو في عام 1991- التعذيب والاعتقالات لأبناء الجالية الفلسطينية من قبل جيش الاحتلال.
وأوضح المؤلف أن القيادة الفلسطينية في تلك الفترة - وبسبب سياستها - وقعت رهينة للطاغية صدام حسين ولنظامه وتحولت إلى ورقة سياسية في يده.
وفي سياق آخر قال المؤلف: «مثلما قلت وبحكم تجربتي كأحد الاردنيين من أصل فلسطيني عاش في الكويت منذ نكسة عام 1967 إلى عام الكارثة 1991، فإن الكويت تحولت لأجيال كثيرة إلى وطن رديف، فالكويت لم تكن لمئات الآلاف من الفلسطينيين مجرد مكان للإقامة بل كانت بمثابة مصنع الأمل يتجدد على الدوام».
وأوضح ان الفلسطينيين نقلوا إلى الكويت كل ما يلزمهم للعيش في بيئة أحسوا فيها بالأمان مثل التراث والفلكلور والمطبخ، وغير ذلك، وقال: «لم ينجح الأردنيون من اصل فلسطيني في التحرر من العشق العميق للكويت... راصدا هذا العشق الذي ظل عالقا في الأذهان من خلال الذكريات»، مشيرا إلى حنين الملكة رانيا إلى طفولتها في الكويت لتقول:«للكويت مكانة خاصة في قلبي».
كما تحدث عن غسان كنفاني الذي التحق للتدريس في المعارف الكويتية عام 1955، وروايته «رجال في الشمس»، وهي أولى رواياته وأكثر أعماله الأدبية التصاقا بالكويت، ورسام الكاريكاتير الأكثر شهرة في العالم ناجي العلي... وشخصيته «حنظلة» التي ولدت واخترعها أثناء عمله في الكويت.
وأفرد المؤلف مساحة لشهادات تتعلق بالإنتاج الثقافي في الكويت، من خلال ما أفاد به وليد ابو بكر ومصطفى أبو لبدة، ومحمد عكوش، وتيسير نظمي، وجهاد الرنتيسي، ونظمي أبو بكر.
وقال طلب في حديثه عن الكويت والنضال الفلسطيني:«من المفارقات التي يجب أن يتم تأريخها- بخصوص العلاقة بين الكويت وفلسطين- هي أن هذه العلاقة- وعلى عكس مجمل العلاقات التي بدأت بين الكويت وغيرها من البلدان بعيدا عن محيطها الخليجي- لم تبدأ عبر حكومات أو جهات رسمية، فهذه العلاقات استثنائية وبامتياز، حيث بدأت من أسفل إلى أعلى، بمعنى من الشعب وإلى الشعب، وفرضت نفسها على الجهات الرسمية لاحقا».
وأكد أن موقف ياسر عرفات من احتلال الكويت كان موقفا خلافيا داخل المنظمة، ولم يكن موقفا فلسطينيا جامعا، متحدثا عن اعتذار محمود عباس للكويت في 3 ديسمبر من عام 2004 بصفته رئيسا لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيسا لحركة فتح... ومهد الاعتذار الفلسطيني إلى عودة العلاقات الرسمية بين الشعبين الكويتي والفلسطيني.
خلاصة القول
خلص طلب في كتابه إلى حقائق عدة لعل من أبرزها أن العلاقة الكويتية - الفلسطينية انطلقت من الأسفل إلى الأعلى عبر الجهود الشعبية، وتوجت بعد ذلك بقرار من الرسميين.
ومن أبرز ميزات العلاقة منذ بداية نشأتها في عشرينات القرن الماضي أنها بنيت على مصالح متبادلة وقيم قومية صادقة.
وأن هذه العلاقة لم تكن طفيلية أو انتهازية أو موسمية، بل دفعها الشعبان بوعي ومن دون وعي نحو الحالة الأكثر رقيا بين الأشقاء ألا وهي لا منة ولا معايرة.
وخلص طلب إلى أن الاحتلال الغاشم للكويت لم يشوه العروبة، التي تربى عليها الكويتيون والعراقيون وبقية الشعوب العربية، بل شوه قيمة فلسطين وقضيتها في الخلق العربي العام لدى بعض فلسطينيي الكويت الذين صدمتهم الأحداث بكل مجرياتها.
وأوضح المؤلف في خلاصته أن الجرح الكويتي - الفلسطيني اندمل في وقت سريع نسبيا، قياسا بحجم الكارثة وما خلفته من آثار على الصعد المختلفة في العلاقة بين الشعبين الشقيقين.
مبارك الدعيج استقبل رجا طلب
كونا - استقبل رئيس مجلس الإدارة المدير العام لوكالة الأنباء الكويتية «كونا» الشيخ مبارك دعيج الإبراهيم الصباح في مكتبه أمس الكاتب في جريدة «الرأي» الأردنية رجا طلب، الذي يزور البلاد حاليا للمشاركة في الملتقى الإعلامي العربي حيث أهدى له نسخة من كتابه الذي حمل عنوان «الكويت والفجر الفلسطيني».
وأعرب مبارك الدعيج عن شكره للكاتب طلب على هذا الاهداء القيم وهنأه على صدور هذا الكتاب المهم الذي يوثق طبيعة العلاقات النموذجية بين الشعبين الكويتي والفلسطيني والدعم المتواصل الذي قدمته الكويت للقضية الفلسطينية والمساعدة الكبيرة للشعب الفلسطيني.
وأكد حرص أبناء الكويت على مساندة الأشقاء الفلسطينيين ومؤازرتهم في الدفاع عن القضية الفلسطينية العادلة مشيرا إلى أن الدعم الكويتي للشعب الفلسطيني بدأ منذ العشرينات من القرن الماضي.
من ناحيته، قال طلب إن «كتاب الكويت والفجر الفلسطيني يعتبر شهادة للتاريخ من اجل تسجيل مواقف الكويت الخالدة في مناصرة القضية الفلسطينية ودعمها المتواصل للشعب الفلسطيني منذ أوائل القرن الماضي وجهودها المستمرة في تقديم العون والمساعدة له».