سلسلة ترسم كل حلقة منها خارطة طريق إلى تحسين أحد جوانب الصحة والعافية... بدنياً ونفسياً
كيف... «تقرأ» لُغة الجسد؟
لُغة الجسد هي تلك اللُغة التعبيرية التي لا تتألف مفرداتها من كلمات منطوقة باللسان، بل من حركات أو إشارات أو إيماءات أو وضعيات جسدية معينة أو تعبيرات بالوجه أو حتى نبرات الصوت إما بشكل متعمد وإما على نحو عفوي غريزي.
ومثلما تُعبّر لُغة الكلام المنطوقة باللسان عن معانٍ ورسائل محددة، فإن لُغة الجسد تنطوي هي الأخرى على شيفرات ورموز تعبيرية يمكن قراءتها وترجمتها في محاولة لفهم حقيقة ما يدور في أذهان الذين نتعامل معهم.
ومن المدهش أن نتائج دراسة موسعة حديثة أجراها باحثون نفسيون تحت إشراف «الجمعية الأميركية لعلم النفس» (APA) كشفت عن أن 15 في المئة فقط من مجمل التواصل اليومي بين الناس يكون من خلال الكلمات المنطوقة، و35 في المئة تقريبا من خلال تأثيرات نبرات الصوت، أما نسبة الـ 50 في المئة المتبقية فهي من نصيب لُغة الجسد بمفهومها العام الذي يشمل أي رسائل غير صوتية، بما في ذلك الحركات والوضعيات والإيماءات سواء بأطراف الجسم أو بالعينين أو غير ذلك.
وخلصت تلك الدراسة إلى نتيجة مدهشة أخرى مفادها أنه إذا كان هناك تناقض بين لُغة الكلام المنطوق ولُغة الجسد فإن الشخص يميل عادة إلى تصديق لُغة الجسد. فعلى سبيل المثال، إذا قال لك أحدهم إنه راضٍ عن شيء معين بينما بدت على وجهه تعبيرات السخط فإنك تميل أكثر إلى تكذيب ما قاله بلسانه وتصديق ما «قالته» تعبيرات وجهه. وهذا يعني ببساطة أنه يمكن في حالات معينة الاعتماد على لُغة الجسد وليس على لُغة اللسان.
في ضوء هذه الأهمية التي تنطوي عليها لغة الجسد، نُسلّط في حلقة اليوم ضوءا تعريفيا وتثقيفيا على بعض جوانبها...
خلفية تاريخية
على الرغم من حقيقة أن لُغة الجسد تُستخدم منذ بدء التاريخ البشري، إلا أن تلك اللغة لم تخضع إلى الدراسة الأكاديمية إلا منذ منتصف ستينيات القرن الماضي، وتُرجِم هذا الاهتمام إلى حيز الوجود عندما نشر المؤلف الأميركي الدكتور جوليوس فاست أول كتاب تحليلي بعنوان «لُغة الجسد» في العام 1970، وهو الكتاب الذي يحلل ويسبر أغوار كيفية التعبير غير الشفهي عن مشاعر وعواطف الإنسان.
ومنذ ذلك الحين، أجريت مئات من الدراسات حول لُغة الجسد وتعبيرات الوجه والعينين. وحتى الآن رصد الباحثون في هذا المجال نحو مليون إشارة وإيماءة غير شفهية. وكان أستاذ علم النفس الأميركي من أصل إيراني ألبرت محرابيان أول من توصل من خلال إحدى دراساته إلى أن التواصل بين الناس يتم من خلال النسب التأثيرية التالية: 7 في المئة فقط للكلمات المنطوقة، و38 في المئة لنبرات الصوت، و55 في المئة للغة الجسد غير الشفهية).
لكن دراسات إضافية توصلت إلى أن تلك النسب متفاوتة من مجتمع إلى آخر وأن المتوسط العام الأقرب إلى الواقع هو: 15 في المئة من خلال الكلمات المنطوقة، و35 في المئة تقريبا من خلال تأثير نبرات الصوت، و50 في المئة من نصيب لُغة الجسد بمفهومها العام الذي يشمل أي رسائل غير صوتية، بما في ذلك الحركات والوضعيات والإيماءات سواء بأطراف الجسم أو بالعينين أو غير ذلك.
وبشكل عام، يتفق معظم الباحثون النفسيون حول العالم على أن اللغة الشفهية تستخدم أساسًا لنقل المعلومات أو الأوامر أو الرسائل المحددة والمباشرة، بينما تُستخدم اللغة غير الشفهية (لغة الجسد) لأغراض كثيرة أخرى من بينها: توجيه رسائل ضمنية، والتأثير على المتلقي، وتعزيز الموقف خلال المفاوضات والمساومات، وكبديل للغة الشفهية.
نطاق استخدامها
يستخدم جميع الناس لُغة الجسد، سواء بشكل إرادي أو لا إرادي. وعلى سبيل المثال، يستعين بها المعلم في غرفة الدراسة كأداة إضافية لتساعده في نقل المعلومات إلى التلاميذ، كما أنه يشيع استخدامها في تعاملات أخرى بما في ذلك بين الطبيب ومرضاه، والمهندس وعماله، ورئيس العمل ومرؤوسيه. وتكون لُغة الجسد مفيدة أكثر لضعاف السمع الصم والبكم متمثلة في لُغة الإشارات.
وقد خلصت استنتاجات دراسات بحثية إلى أن النساء أكثر قدرة من الرجال على قراءة وترجمة لُغة الجسد، إذ ان للنساء قدرة غريزية على التقاط الإشارات غير الشفهية وفك رموزها فضلًا عن تمتعهن بعين دقيقة ترصد التفاصيل الصغيرة. ولهذا السبب فإنه من الملاحظ أن الرجال لا يفلحون كثيرا في الكذب على زوجاتهم، بينما تستطيع معظم النساء حجب الحقيقة عن الرجال دون أن يدركوا ذلك.
ويرى بعض العلماء أن هذه القدرة المتميزة لدى النساء قد تكون نابعة من الدور الاجتماعي الذي يتوجب على المرأة القيام به، وهو الدور الذي يستلزم منهن أن يكن حساسات إزاء انفعالات جميع أفراد الأسرة. ويتجلى هذا الحس النسوي بشكل واضح لدى الأمهات لكونهن يعتمدن على القنوات غير الشفاهية أثناء الاتصال بأطفالهن. ويُعتقد أيضا أنه الفضل يعود إلى هذه القدرة المتميزة في كون معظم النساء ماهرات في المساومة والتفاوض (خاصة في أمور البيع والشراء) أفضل من الرجال.
أدواتها... وأمثلة
للغة الجسد أدوات تعبيرية كثيرة ومتنوعة. وقد رصد باحثون مختصون عشرات الآلاف من المعاني والدلالات التي يمكن استنباطها من إشارات لغة الجسد، إلى درجة أنه أصبح هناك قاموس عالمي متخصص في تلك اللغة. ومن بين تلك الأدوات والدلالات نذكر ما يلي:
• العينان: في مجال لُغة الجسد وعلم الفراسة، تُعتبر العينان بمثابة نافذتين يمكن من خلالهما استقراء كثير من انفعالات وما يدور في عقل صاحبهما. (طالع مزيدا من التفاصيل في الكادر أدناه المعنون: «العينان... نافذتان ناطقتان بغير لسان».)
• الحاجبان: إذا رفع شخص حاجبًا واحدًا فإن ذلك يدل على أن ما سمعه للتو لا يصدقه أو يراه مستحيلًا تماما، أما إذا رفع كلا الحاجبين معا فإن ذلك يدل على الاندهاش. وإذا تقاربا مع ظهور تجاعيد بينهما فتلك علامة تدل على الاستياء.
• الأذنان: إذا مرر شخص إحدى يديه على إحدى أذنيه ساحبًا إياها بينما يقول لك أنه يفهم ما قيل له، فهذا يعني أنه متحير بخصوص ما قيل ومن المحتمل أنه لم يفهمه أو أنه متشكك في صحة ما قيل.
• الجبين: إذا عقّد شخص جبينه ونظر إلى الأرض في عبوس، فهذا يعني أنه متحير أو مرتبك أو أنه لم يستسغ ما سمعه أو رآه، أما إذا عقّد جبينه مع رفع رأسه إلى جهة الأعلى فإن ذلك يدل على اندهاشه مما سمع أو رأى. وإذا ضرب شخص ضربة خفيفة براحة يده على جبهته، فهذا يعني أنه يحاول استدعاء معلومة معينة من ذاكرته.
• الكتفان: عندما يرفع شخص كتفيه معا إلى أعلى قليلا فهذا على الأرجح يعني أنه متحيّر ولا يفهم ما سمعه أو رآه.
• أصابع اليدين: إذا بدأ شخص بالنقر بأطراف أصابعه على أقرب سطح في متناول يده فإن ذلك من علامات التوتر أو نفاد الصبر.
• الأنف: عندما يلمس الشخص البالغ أنفه وهو يتحدث فهذا دليل على أنه يكذب في ما يقول.
• الفم: حينما يضع شخص إحدى يديه على فمه، فذلك قد يكون دلالة على أنه يحاول إخفاء توتره أو امتعاضه الشديد أو سخريته مما يسمعه أو يراه. كما لوحظ أن المراهق يلمس فمه لمسة خفيفة عندما يكذب.
• القدمان: عندما يضع شخص قدماه فوق بعضهما مع فركهما وتحريكهما باستمرار، فهذا من شواهد الشعور بالملل أو التوتر.
• اتجاه القدمين: اتضح من الملاحظة الدقيقة أن قدما الشخص تنبئان عادة عن تفكيره. فعلى سبيل المثال، إذا تعرض تلميذ للتوبيخ من معلمه في الصف أمام أقرانه فإن اتجاه قدماه يتحول تلقائيا صوب باب غرفة الدراسة، وتلك إشارة جسدية تدل على رغبته في مغادرة المكان. كما لوحظ أن قدما الشخص غير الراغب في دخول مكان تشيران عادة إلى اتجاه منحرف عن مدخل أو باب ذلك المكان.
• الذراعان: عندما يضم شخص ذراعيه معا على صدره، فهذا قد يعني أنه يحاول عزل نفسه عن المحيطين به، أو أنه متوتر، أو غير واثق من ذاته.
• اليدان: عندما يفرك شخص يداه ببعضهما فهذا من علامات الترقب أو الانتظار. أما إذا أسند خده على أحد كفيه، فذلك إشارة إلى الاستغراق في التمعن والتأمل. وعندما يقبض شخص إحدى يديه بالأخرى خلف ظهره فهذه دلالة على عصبية داخلية شديدة وأنه يخشى أن تنفلت أعصابه ويعتدي على من أمامه.
• التثاؤب: إذا كنت تتحدث مع شخص وبدأ يتثاءب، فمن المرجح أن هذه إشارة جسدية تدل على أنه بدأ يشعر بالضجر ويرغب في إنهاء الحوار.
• حك فروة الرأس: إذا حك شخص فروة رأسه، فقد يعني هذا أنه يحاول أن يتذكر شيئا معينا أو أنه يحاول التهرب من الإجابة عن سؤال معين.