أصدقاؤه وأحباؤه احتفوا به في أمسية ملهمة

ناصر الظفيري... وطنٌ يبحث عن أرض

u0646u0627u0635u0631 u0627u0644u0638u0641u064au0631u064a u0648u0633u0637 u0627u0644u0623u0635u062fu0642u0627u0621 u0648u0627u0644u0623u062du0628u0627u0621
ناصر الظفيري وسط الأصدقاء والأحباء
تصغير
تكبير

رغم تبريره- المكشوف- بأن الدموع التي في عينيه... ليست دموع فرحة بأصدقاء وأحباب، دفعتهم المحبة الخالصة للاحتفاء به... ولكنها الدموع التي تسيل بفعل إصابة في العينين!
ورغم ادعائه الثبات وهو يلقي أمام الجمهور كلمته... أو يوقع للأصدقاء والمحبين كتابه.
ورغم ما يظهره من ابتسامات خفيفة خاطفة، وإيماءات سريعة لأصدقاء يبادلونه التحية... إلا أن ملامح وجهه، التي نعرفها تمام المعرفة، تؤكد أنه يعيش في لحظات صادقة مع حلمه، تلك التي جعلته ربما ينسى- ولو لدقائق معدودة- آلامه وغربته ويعيش وسط صحبة عاشها لسنوات طويلة مضت، ومارس في ميادينها الفرح والحزن على حد سواء.
صحبة تشكلت بفعل الصدفة أحيانا أو بفعل الجوار أو المهنة أو التقارب الروحي والنفسي، لتنتج أصدقاء مخلصين... سعدية مفرح وجاسم الشمري وصالح النبهان وعبد الله البصيص وعبدالله الفلاح وعبدالوهاب السليماني وعيد الدويخ ومحمد النبهان، هؤلاء دفعتهم أمانة هذه الصحبة، ليكونوا محتفين ومبتهجين بالروائي ناصر الظفيري... إنسانا ومبدعا.
كي تصدح الألسنة بأعذب الكلام وأكثره حلاوة... خلال أمسية استضافتها رابطة الأدباء الكويتيين، وحضرها جمهور كبير، جاء مشاركا بمشاعره في هذا الاحتفاء، الذي يتوجه إلى مبدع عربي متميز، وإنسان محبوب، لديه مسيرة أدبية حافلة بالمنجزات والعطاءات.
والأمسية أدارها الأديب فهد المشعل، واستهلت بكلمة مؤثرة ألقتها الشاعرة الزميلة سعدية مفرح قالت فيها: «مسا الخير... من الجهراء، حيث البدايات البعيدة والأحلام المستمرة والطموحات التي تحقق بعضها وبقى بعضها الآخر معلقا على حبال العمر المنصرم... حتى هنا في قلب الكويت عاصمة الوطن، ومآل الروح مهما تغربت تلك الروح... دائما وأبدا».
ثم عادت بذاكرتها إلى العام 1995 وهو عام صدور رواية «سماء مقلوبة» للظفيري، والتي كتبت مقدمتها بطلب من مؤلفها، الذي كان زميل طفولة ودراسة وعمل ورفيق كتابة، وأشارت إلى رواية أخرى سابقة للرواية المذكورة عنوانها «عاشقة الثلج»، وقالت: «وإذا كان ناصر قد احتاج لعامين فقط كي تتبلور موهبته الروائية الأصيلة وتتطور بشكل يلاحظه بسهولة كل من قرأ روايته الأولى وروايته الثانية، فإن عقدين من الزمن تقريبا هما عمر تجربته الروائية حتى الآن، حريان بكشف المزيد من كنوز تلك الموهبة التي تعتقت في فيض من التدريب والمران المستمر في تشكيلات الكلمة كقصص قصيرة وروايات ومقالات أدبية ونقدية وقصائد أيضا».
واستطردت قائلة: «تعرفت على ناصر للمرة الأولى، بشكل جدي بعيدا عن أطياف الطفولة المشتركة في منطقة سكن واحدة، ضمن إطار مجموعة أدبية كنا قد ساهمنا في تأسيسها أثناء دراستنا في جامعة الكويت، كنت طالبة في التربية والآداب وكان طالبا في الهندسة. لكننا نهوى الكتابة فكانت تلك المجموعة التي تضم بضعة رفاق ورفيقات آخرين هي المحك الأول لتجاربنا الأولية في الكتابة».
وأضافت: «في شارع الصحافة زاملت أخي دائما ناصر الظفيري مرة أخرى وهذه المرة في إطار المهنة الواحدة كمحررين في القسم الثقافي لجريدة الوطن. ولم أفاجأ يومها أنه احتفظ بذلك الهدوء العميق الذي ميزه دائما حتى وهو يعمل في مهنة صاخبة بطبيعتها كمهنة الصحافة التي اتخذها مهنة إضافية له».
ثم سردت مشاعر الظفيري عندما قرر الهجرة إلى كندا لاحقا تحت وطأة شعوره بضرورة عمله على تأمين مستقبل أسرته الصغيرة.
وقالت: «غادرنا ناصر إلى كندا لكنه لم يغادر الإبداع. لم أشك يوما أن تلك الغضبة الممزوجة بدمعة حارقةٍ ستكون رواية… وكانت! بل أصبحت روايات... حاول فيها الروائي أن يستعيد ذاته بين الوطن والغربة في مشروع كتابي ما زال مستمرا باجتهاد ودأب على الرغم من إنهاك المرض الذي غافل جسده قبل عام ونصف تقريبا ليجعله أكثرَ إصرارا على المضي قدما في طريق الكتابة باعتبارها الحل الممكن».
وختمت مفرح بقولها: «نحن هنا الليلة... لا لنحتفي بتجربة تستحق الحفاوة وحسب، ولكن أيضا وأولا لكي نقول لناصر الظفيري: شكرا... لأنك وطن. ذلك أن الصداقة هي أجمل أوطان العمر».
ثم شاهد الحضور فيلما قصيرا من إعداد وإخراج صفاء ناصر الظفيري، احتوى على سيرة المحتفى به وشهادات لمفرح والروائي إسماعيل فهد إسماعيل، والأديب عبد الرحمن الحلاق، والكاتب عبدالوهاب السليمان، كشفوا عن شخصية الظفيري التي تتمتع- إلى جانب موهبتها الإبداعية- بالطيبة والإنسانية والهدوء.
وألقى الكاتب عبدالله البصيص كلمة قال فيها: «أول مرة قابلت فيها ناصر الظفيري كانت في معرض الكويت الدولي للكتاب سنة ألفين وأحد عشر، كنا مع مجموعة من الأصدقاء الكتاب في جلسة جاءت من غير موعد في بيت الصديق فارس كامل، وكنت قد قرأت اسمه قبلها بسنوات على رواية أغرار».
وأضاف: «حتى جاءت سنة ألفين وثلاثة عشر، كنت قد انتهيت من روايتي ذكريات ضالة، وقبل معرض الكتاب بأيام قليلة تناقل الأصدقاء خبر صدور رواية الصهد، ومع الخبر كانت كلمات الثناء من بعض من قرأها تحمل رائحة غيمة تأتي من بعيد»، وأوضح أن المميز في أسلوب الظفيري أن له بصمة خاصة ككاتب حقيقي، نستطيع خلالها معرفة شخصيته وأشار إلى أن اللغة الشاعرية التي يستخدمها في تراكيب الجمل الطويلة عند ذكره الجهراء والقصيرة عند ذكر بلد المهجر، تعطينا انطباعا عما يدور في في نفسه من شوق وأسى، وتحدث البصيص عن توطد علاقته بالظفيري وقراءته لمعظم رواياته مثل «الصهد»، و«كاليسكا»، و«المسطر».
وجسد الفنان ناصر كرماني مشهدا تمثيليا عنوانه «شومان» لخص فيه رحلة الظفيري مع الكتابة الروائية، ليؤكد أن روايات الظفيري مجتمعة هي عبارة عن جواز سفر كويتي.
وألقى الأديب عبد الله الفلاح كلمة اتسمت بالشاعرية... قال فيها:
الذي لم يشع في قلبه ظلام... أضاء الحكاية في عام 1982
الذي علق «وليمة القمر» في سماء القلب صرخة عندما اقفلوا الأفواه بالشمع الأحمر.
 الذي ترك في «عاشقة الثلج» حكاية عظام أجداد تزغرد بعد أن سقط الطغاة.
 الذي أنقذنا في «أول الدم» من لحظة القاع، وجعلنا نغمض أعيننا لنرى!
 الذي كان في «سماء مقلوبة» صوتاً خارجًا عن ضجيج المرايا... علمنا حكاية الحنين الذي ترعرع في دواخلنا وترعرنا في داخله !
 الذي حمل «أغرار» ترك عينيه معلقتين على باب الجهراء... وهاجر!
 الذي جعل «كان» هي «الآتي» في «الصهد»... غسل وجه الزمن بالجراح، والصحراء تعوي!
 الذي أثث لنا المنفى في «كاليسكا»!
 الذي وضع «المسطر» معرياً التاريخ... التاريخ الذي صار جنازة على كتف الريح!
 الذي كتب الأمل للذين لا لون لأحلامهم من كثرة اليأس.
 الذي نعرفه دمعة دمعة، يكتبنا لنا ليعيد ترميم أرواحنا!
 الذي يكفي أن يكتب لنعانق حريتنا !
الذي... ناصر الظفيري
وأنشد الشاعر محمد النبهان قصيدة شعرية مزدانة بالجمال أهداها للظفيري يقول فيها:
كل شجرة لها رقم في الحديقة يا صاحبي
فهل تذكر رقمك في سدرة البيت
كان علينا أن نزور أرقامنا
أو نعيد كتابتها في مراكز الهجرة
خذ بطاقتك الجديدة
وامنح الوطن حبلا آخر من الحظ
لنقلد رقصة زوربا مع الغرباء
والكاتب حمد بدر ألقى كلمة ذكر فيها رواية «عاشقة الثلج» التي ألهمته فكرة مسلسل اسمه «خطوات على الثلج»، واصفا الظفيري بأنه المناضل الأديب.
وتكلم المحتفى به... وكانت الدموع قد سبقته في التعبير عن الامتنان لهؤلاء الأصدقاء الذين أحاطوه بالحب والتكريم. وقال: «لا تفرطوا في طبيب أو مهندس أو جندي أو عامل اختلطت دماؤه بدمائكم... صاهركم وصاهرتموه... فكم من رجل في الغربة من البدون يعلّم أولاده حب الكويت».
وأضاف: «كنت حريصا أن ينتمي كل ما كتبته من روايات إلى الكويت»، وتقدم بالشكر لكل الأصدقاء والمحبين الذين سعوا إلى تكريمه في هذه الاحتفالية.
وفي ختام الأمسية الاحتفالية تلقى الظفيري التكريم من الكثير من الجهات الثقافية ودور النشر، ثم أقيم حفل توقيع على كتاب «ناصر الظفيري... رواية الوطن والغربة»، شارك في كتابته نخبة من الأدباء والكتاب، من خلال دراساتهم ومقالاتهم وشهاداتهم وقصائدهم الشعرية.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي