سيناريواتٌ «متلاطمة» تراوح بين حربٍ وشيكة وحلٍّ بـ «قبعات زرق» عربية
لبنان «المرتاب» في جوار برميل البارود و... فوقه
لم يكن دويّ الانفجارات التي تَردّد صداها في البقاع اللبناني، المُتاخِم للحدود مع سورية، ليل الاثنين - الثلاثاء، سوى دليل بـ «الصوت والصورة» على أن عين لبنان، المقيم في جوار برميل البارود وفوقه، كأنها على عدّاد الوقت في «ساعةِ تفجيرٍ» مربوطة صواعقها الكثيرة بـ «عودِ ثقابٍ» تفوح منه رائحةُ حربٍ وشيكةٍ تشتعل في سورية وتلتهم لبنان وتصيب شظاياها غير مكان.
لم يبالِ سكان السهل الشاحب، الذي لُقّب يوماً بـ «إهراءات روما» بـ «الكلام الكبير» عن أن سورية - الجارة في طريقها إلى الانفجار، أو أن ضربة الحلف الثلاثي الصاروخية كانت مجرّد طلقةٍ أولى في حرب أَيْنَعَتْ، قبل أن تعكّر عليهم حركة الطيران المجهول وصواريخه، صفو سهراتهم الانتخابية حتى الفجر وهم يطبّلون ويزمّرون لصناديق السادس من مايو.
أَدْرك أهالي البقاع وسواهم من اللبنانيين أن المواجهة الكبرى التي تم تفاديها فوق رقعة الشطرنج السورية ربما تقترب. فجحيم التدافع الدولي - الاقليمي أصبح يفوق قدرة «الغرفة» الروسية على تنظيم حركة مرور الطائرات والقاذفات والمناورات والصفقات والأدوار في سماء سورية وبين أطلالها المترامية ومقابرها المفتوحة... فثمة حربٌ من نوع آخر تقرع الأبواب.
لم يستقرّ إعلام النظام في سورية على رواية واحدة عما حدّث ليل الاثنين - الثلاثاء. فبعدما قيل ان طائرات يُعتقد انها اسرائيلية أطلقت صواريخ على مطاريْ الشعيرات والضمير تم اعتراض غالبيتها، جرى الحديث عن إنذار خاطئ باختراق الأجواء السورية نجم عن هجوم الكتروني معادٍ على شبكة الرادارات السورية أدى الى إطلاق الصواريخ، ولم يكن هناك أي اعتداء خارجي.
وثمة مَن قرأ في هذا الإرباك، بعد تطوريْن مفصلييْن تمثّلا في الغارة الاسرائيلية على مطار «تي فور» ومقتل 7 ضباط ايرانيين وفي الهجوم الصاروخي الغربي، حيرةً من النظام السوري وحلفائه لا سيما إيران و«حزب الله» في تبرير عدم الردّ بعدما كانوا أخرجوا الى العلن ما يمكن وصفه بـ «خطة» الردّ وبنك أهدافها مقرونة بكلام حاسم عن: «لن نسكت بعد الآن».
فقبل أن تعيد إسرائيل الكرّة أمس باستهداف مطاريْ الضمير والشعيرات الذي يُستخدم من الايرانيين وقبل أن يَعرض التلفزيون السوري ما ذكر أنه بقايا صاروخ تم اعتراضه، كان الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله توجّه الى الاسرائيليين على الملأ قائلاً: «لا تخطئوا التقدير وأنتم وجهاً لوجه مع إيران، فحادثة مطار (تي فور) مفصلية في تاريخ المنطقة، قبلها شيء وبعدها شيء آخر».
ما لم يقله نصرالله صراحة تحدّث عنه نائبه الشيخ نعيم قاسم الذي رأى في عملية مطار «تي فور» قتْلاً اسرائيلياً متعمّداً لإيرانيين «لذا يجب أن نتوقع شيئاً من ايران، لكن ما هو وما هي حدوده، ما هي تفاصيله وما هو وقته؟... هذه أمور يقررها الإيرانيون... لا سورية ولا إيران ولا حزب الله يقبلون بقواعد اشتباك تحدّدها اسرائيل...».
ومما زاد من «صدارة» إيران وخياراتها الراهنة في سورية بعد الهجوم على الـ «تي فور» وضربة التحالف الثلاثي، التقارير التي تحدّثتْ عن ان قائد «فيلق القدس» الجنرال قاسم سليماني زار دمشق وبيروت وأن لمسات أخيرة كانت وُضعت على ردّ شامل أَعدّ له «حلف الممانعة» الذي لوّح لمن يعنيهم الأمر بأن المنطقة بأسرها ستكون تحت مرمى النار، ما أرغم الغرب واسرائيل على التراجع والاكتفاء بضربة «رفْع عتب».
ورغم أن بيروت تلهو بانتخاباتها، فإنها تتلقى تقارير متناقضة عما يمكن أن يؤول إليه الصراع الكبير في سورية وعليها. فإيران تتصرّف وكأن الحرب المؤجَّلة تزداد اقتراباً وهي واقعة لا محالة، وخصوصاً في اللحظة التي سيَتقرّر فيها الذهاب الى جبهة درعا التي ستتحوّل خط تماس اسرائيلياً - إيرانياً يؤسس لمواجهةٍ لن ينجو منها لبنان.
ولم يكن بعيداً عن هذه الخلاصة القول ان الهجوم الصاروخي للتحالف الثلاثي لم يكن سوى «الطلقة الاولى» في مواجهةٍ قررت الولايات المتحدة خوضها بمؤازرة حلفائها ضدّ النفوذ الإيراني في سورية، وتالياً في المنطقة، بالتوازي مع التحضير لـ «تمزيق» الاتفاق النووي مع طهران، ما يعني أن رياحاً لاهبة ستهبّ على إيران وأذرعها على نحوٍ يُدْخِل المنطقة في دورة عنفٍ يصعب التكهّن بما ستؤول اليه.
غير أن تقديرات مُعاكِسة تتسلّل من «تحت طاولةِ» المفاوضات الاميركية - الروسية التي نجحتْ في جعْل الردّ الغربي على «كيماوي الأسد» موْضعياً، وتؤشر إلى إمكان العودة الى مسار جنيف مع تسليمٍ عربي ببقاء «الأسد الروسي لا الأسد الإيراني» ومجيء قوات عربية ربما بقبّعات زرق لترجمة التسوية السياسية... على الأرض، وهو السيناريو الذي أطل عبر كلام سابق عن ان «الأسد باقٍ» وكلامٍ مستجد عن قوات عربية بديلة للأميركية في سورية.