الهبوط على القمر ومجزرة دوما

تصغير
تكبير

«تخصي وتذل» عبارة يتفوه بها المشككون - ولا سيما المسنّون منهم - لدى سماعهم أحداً يتكلم عن هبوط المكوك الأميركي «أبولو 11» على سطح القمر سنة 1969.
ووفق أتباع المذهب «الديكارتي» المشكك، فإن الهبوط القمري هو مؤامرة وبدعة سينمائية قامت بها وكالة «ناسا» بالتعاون مع هوليوود لتضليل وإقناع البشرية بأن أميركا كانت السباقة في غزو الفضاء.
عقلية حجرية، برزت الأسبوع المنصرم عقب انتشار خبر استعمال نظام الأسد الأسلحة الكيميائية في قصف الغوطة الشرقية، والتي أسفرت عن مقتل مدنيين من بينهم رضّع. توزع المشككون بمجزرة الأسد الكيميائية الأخيرة بين مثقفي البراميل المتفجرة من أمثال نسيم طالب، ووسائل إعلامية «مرموقة» كقناة الـ BBC، ومندوبي بعض الدول الذين ذهب بهم الهذيان إلى اتهام المعارضة السورية باستعمال الخدع السينمائية و«المكياج» في محاولة منها لتحميل «الشرعية السورية» تبعات مجزرة وهمية.


جلسة مجلس الأمن الطارئة في شأن مجزرة دوما أعطت كلا من مندوب روسيا الدائم وممثل النظام السوري الفرصة للدفاع بشراسة عن سورية التي تتعرض لـ «مؤامرة كونية» تهدف إلى تقويضها وإخضاعها للغرب. فمن جهته قام بشار الجعفري، مقرر لجنة الأمم المتحدة لإنهاء الاستعمار وبوق بشار الاسد، بالاستهزاء والاستخفاف بأرواح السوريين، واصفا ما يجري بأنه «فصل مسرحي حول الاستخدام المزعوم للمواد الكيميائية».
مسرحية كان أكد على وجودها أيضا السفير الروسي من خلال جزمه بأن عناصر جيش بلاده المتواجدين في دوما لم يستطيعوا التحقق من استعمال الأسلحة المحظورة أو حتى من جثث ضحايا تلك المجزرة.
المهزلة الحقيقية في مجلس الأمن تجاوزت جبهة الرفض المذكورة أعلاه، وتمثلت فعليا بكلمات سائر أعضاء مجلس الأمن وبالتحديد الدول التي بادرت إلى تهديد الأسد بشن هجمة عسكرية عقابية قريبة، من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. فرغم تركيز تلك الجلسة كما سابقاتها على الحرب السورية وتجاوزات النظام وحلفائه، لم يستطع أي من هؤلاء المتاجرين بالإنسانية إقناع أحد بأنهم مهتمون لأرواح السوريين العزل. كلمات عدة طالبت المجتمع الدولي برفض استعمال الأسلحة الكيميائية. وسقف الخطاب كان قد وضعه الرئيس ترامب حين وصف الرئيس السوري بـ «الحيوان»، متوعدا إياه بأن يدفع ثمن جريمته في دوما باهظا.
فجاء موقف المجتمع الدولي بقيادة ترامب شبيهاً بمنظومة بشار الأسد وإيران التي تتوعد بالرد في المكان والزمان المناسبين على ضربات إسرائيل في عمقها الاستراتيجي، مع الاكتفاء بإطلاق التهديدات العلنية و«تعازم» الديموقراطيات الغربية على إطلاق البعض من صواريخهم في سبيل تدمير بعض مطارات وأدوات قتل القابع في قصر المهاجرين في دمشق.
وما بدا حقا غريباً، تردد المتهور ترامب في شن ضربة عسكرية فورية لشل قدرة السلاح الجوي السوري. ضربة موجعة أكثر اتساعا وفعالية من ضربات العام الماضي التي جاءت ردا على مجزرة الكيماوي في خان شيخون والتي لم تكن بحاجة إلى لجنة تقصي حقائق أو موافقة أوروبا أو مهزلة مجلس الأمن.
بشار وحلفاؤه الروس والإيرانيون مستمرون في إبادة الشعب السوري، إما بوسائل قتل تقليدية واما إبداعية كالبراميل المتفجرة والكيماوي، تاركين الدول المتحضرة تفتش عن أسباب أخرى للسماح بالمأساة السورية بالاستمرار. ويبدو أن ترامب أصاب في وصف بشار بالحيوان، فهو ورث عن والده ثقافة القتل والقمع، بل قام بصقل إجرامه ليشمل التطهير المذهبي والتهجير الديموغرافي للحفاظ على ما تبقى من سورية الأسد.
قد يكون الهبوط على القمر واتهام الأسد بمجازر دوما وخان شيخون وخان العسل وغيرها، أعمالا مسرحية متقنة، لكن الشيء المؤكد والحقيقي أن الآلاف من الضحايا والمفقودين واللاجئين السوريين المنتشرين في أنحاء العالم، هم أبطال وضحايا في الملحمة الإغريقية اليومية الرافضة أن تبقى سورية رهينة للولي الفقيه أو لمطامع روسيا.
الأسد أصبح كاسراً بسبب تغاضي العالم عن جرائمه... وفي حالته هذه، الحل الأنسب ليس في تدجين هذا الوحش بل في القضاء عليه أو ربما الأفضل وضعه في قفص ليحاكم على جرائمه. وعندها قد يتمكن العالم من إسدال الستارة على ملاحم سورية ومأساتها اليومية.

makramrabah@gmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي