الوقاية من التزمت في الدين
من أجل حماية الدين من ظاهرة التزمّت والتشدّد، أكّدت النصوص الدينية على أنّ طبيعة التشريع الإسلامي ومنهجيّته قائمة على أساس السّماحة واليسر، ورفع الحرج والعسر، مما يعني رفض توجّهات التزمّت والتشدّد.
يقول تعالى: «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ». ويقول تعالى: «وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» و«يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا».
وفي السنة النبوية الشريفة نجد أبواباً تضمّ عدداً من النصوص في مصادر الحديث تحت عنوان «الدين يسر»... البخاري، كتاب الإيمان، باب الدين يسر. وعنوان «يسّروا ولا تعسّروا»... «البخاري، كتاب الآداب، باب قول النبي: يسروا ولا تعسروا.
ومن تلك النصوص أنَّ «أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي المَسْجِدِ، فَثَارَ إِلَيْهِ النَّاسُ ليَقَعُوا بِهِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: دَعُوهُ، وَأَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، أَوْ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ». وقال صلى الله عليه وسلم: «لَا تُشَدِّدُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَيُشَدَّدَ عَلَيْكُمْ، فَإِنَّ قَوْمًا شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ اللهُ عَلَيْهِمْ».
وروي أنه صلى الله عليه وسلم، قال لأبي موسى ومعاذ حين بعثهما إلى اليمن: «يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا».
وعن عائشة أنها قالت: «مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ».
ورأى رسول الله «شيخًا يُهَادَي بينَ ابنَيْهِ، قالَ: ما بالُ هذا. قالوا. نَذَرَ أنْ يمشِي. قالَ: إنَّ اللهَ عن تعْذِيبِ هذا نفسَهُ لغَنِيٌّ. وأَمَرَهُ أنْ يَرْكَبَ».
وعنه (صلى الله عليه وسلم): «إِيَّاكُمْ وَالتَّعَمُّقَ فِي الدِّينِ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ مَا دَامَ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا».
وورد عن الإمام الصادق، عليه السلام، أنه قال: «اجْتَهَدْتُ فِي الْعِبَادَةِ وَأَنَا شَابٌّ، فَقَالَ لِي أَبِي: يَا بُنَيَّ، دُونَ مَا أَرَاكَ تَصْنَعُ؛ فَإِنَّ اللّهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ إِذَا أَحَبَّ عَبْداً رَضِيَ عَنْهُ بِالْيَسِيرِ».
الحذر من توجّهات التشدّد
الظروف التي تمرّ بها مجتمعاتنا حاليًّا تجعل الأرضية مناسبة لنموّ توجّهات التزمّت والتشدّد، فهناك إقبال على الدين، قد يستغلّه البعض في تمرير ثقافة الغلوّ والاستغراق في الطقوس والشعائر، كما أنّ تفجّر صراع الهويات في المنطقة قد يشجّع على قبول المواقف البينية المتشنجة، وقد يكون من مصلحة الأطراف الخارجية الطامعة أن تدعم تيارات التطرّف والتشدّد.
لكلّ هذه الأسباب يجب الحذر واليقظة حتى لا تُستغلّ العواطف والمشاعر الدينية، وخاصة لدى فئة الشباب الناشئين الذين يمتلكون فائض طاقة تبحث عن تصريف. وعادة ما تتجه إليهم تيارات الغلوّ والتطرف.
إنّ هذا الحماس العاطفي المتدفق عند جيل الشباب يجب أن يوجّه إلى تحصيل العلم والمعرفة، وتعميق الوعي، وبناء الكفاءة، وخدمة المجتمع والوطن، وزيادة الفاعلية في الإنتاج والعطاء.
يجب أن نقدّم لهذا الصّاعد المعارف الدينية الحقيقية، وثقافة التسامح والانفتاح، وأن نعلّمهم أنّ «أَحَبُّ الدِّينِ إلى اللَّهِ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ» وأنّ «خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ».