مشهد
ما اسم زوجة إبليس؟
العلم النافع هو ما ينفع الناس في حياتهم الدنيا وفي آخرتهم وغير ذلك فهو من الحشو الذي لا لزوم له، فماذا يعنيني أن أعرف اسم زوجة إبليس، وقد جاء في الأثر أن أحد الفضوليين سأل الشعبي (وهو أحد أئمة التابعين) عن اسم زوجة إبليس فأجابه: ذاك زواج ما شهدناه!
هذا النوع من الأشخاص وبهذه النوعية من الأسئلة الغريبة قد تؤجج الخلافات بين بعض أشباه المثقفين عندما تختلف الآراء يتبعها غالبا صدامات حادة قد تطول لتأخذ أياما وشهورا. خذ مثالا آخر على ذلك فقد يقضي بعض جهابذة اللغة وخبراء النحو أيامهم في قضية جانبية، مثل هل المكان الذي نقصده للعلاج مذكر فنسميه مشفى أم أنه مؤنث ونسميها مستشفى أم أنه شاذ وغير محدد الجنس كما هو شائع في أيامنا هذه أعاذنا الله وإياكم من شر الأمور ومحدثاتها؟ ولم يدر بخلدي مطلقا أن أجد هذا النقاش محتدما على الإنترنت ومع الموسوعة الجديدة؛ السيد غوغل والذي أتاح لي ولغيري فرصة الحصول على المعلومة من دون عناء يذكر.
الفقه في لسان العرب: «هو العلم بالشيء والفهم له»، ولقد ارتبط هذا المصطلح بالدين الإسلامي نظرا لأهميته في حياتنا اليومية منذ مطلع الرسالة السماوية، أما فقه الأولويات فهو وضع الأمور في مرتبتها الصحيحة وذلك حسب أهميتها، الأهم فالمهم فالأقل أهمية.
ولو نظرت إلى واقعنا الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لوجدتنا نعيش فقدان الأولويات تماما، فهنالك من يطالب بحقوق المرأة مع أن المرأة قد حصلت على الكثير من حقوقها في حين أن الرجل قد ضاعت حقوقه هو الآخر ويحتاج لمن يردها إليه، نعم قد تختلف الأولويات حسب الدولة والمجتمع ولكن هنالك قضايا لا تستحق أن تطرح كأولوية مثل التحرش بالنساء وهي ليست ظاهرة عندنا مثلما هي عند الغرب، ولا حقوق المثليين ولا الإجهاض فهذه الظواهر تخص مجتمعاتهم ولا تعنينا بشيء مطلقا وإن وجدت لدينا فهي حالات فردية لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة.
وتعد محنة الإمام أحمد بن حنبل في تاريخنا الإسلامي أفضل نموذج على ما تنتهي إليه الأمور في جدال عقيم لا يسمن ولا يغني من جوع في قضايا لا تعني عامة الناس ولا حتى خاصتهم، فمحنة الإمام تجلت في «فتنة خلق القرآن» والتي تبناها الخليفة المأمون ومن خلفه المعتزلة فيما قال الإمام غير ذلك فأمضى سنين مسجونا تعرض فيها للتعذيب الشديد حتى فك الله أسره في عهد الخليفة المتوكل.
والملفت للنظر أن القضايا السطحية هي التي تتصدر بعض وسائل الإعلام في حين أن المواضيع الجوهرية التي تهم الوطن والمواطن العربي بدأت تتقهر للصفوف الخلفية ونادرا ما تطرح بالشكل الذي يعطيها أهميتها وحساسيتها وآخرها حقوق المرأة المهدورة في العالم العربي ومطالباتهن بالمساواة مع الرجل، ومع أن هذه القضية مهمة وحساسة إلا أن الملاحظ أنها برزت بشكل واضح جدا في الأيام الماضية في الدول التي تتمتع فيه المرأة بسقف عال جدا من الحرية ومع وجود قوانين حقيقية تحميها من تسلط الرجل وجبروته، هذا التناقض يؤكد أننا لا نسير في الاتجاه الصحيح أبدا، وأن هنالك من يدفع بهذه الأمور دفعا من أجل إزاحة الضوء عن ما يهم المواطن في حياته اليومية.
نعم غابت الأولويات وضاعت معها الكثير من القضايا الأساسية مثل التنمية المستدامة وحقوق الإنسان ومكافحة الفساد وتحقيق الأمن السياسي والاجتماعي والحفاظ على هويتنا العربية والإسلامية والتي بدأت تذوب داخل صومعة العولمة التي أحدثت خللا في أخلاقنا ومبادئنا وشرخا قد يصعب جبره حتى زمن طويل.
قصة قصيرة جدا: تعثّر بالحجر... فلام القَدَر ثم انتحر، هكذا يموت بعض البشر.
[email protected]