«الهجوم»... خير وسيلة للاستسلام
لا خلاف على أن «الصراع على الزعامة» لم يتغيّر على مستوى كرة القدم، الأوروبية بشكل خاص، غير ان طبيعته هي ما تبدّل.
لم يعد الهمّ، على سبيل المثال لا الحصر، متركزاً في ضرورة «إنتاج» لاعبين للوقوف بصورة جديرة امام تحديات المستقبل، بشقّيه القريب والبعيد، بل ان الأندية انتهجت طريقاً مختصراً يتمثل في ضم لاعبين، على حسب الحاجة.
المشكلة انتقلت من «الإنتاج» الى «ضرورة توفير الأموال لتعزيز الصفوف»، وبالتالي هناك دائماً مشكلة تمكَّن بعضهم من تجاوزها بينما فشل البعض الآخر في المهمة.
ومنذ أن فرضت الاموال نفسها بقوة على ساحة الصراع الأوروبي، في الشق المتعلق بالأندية وليس بالمنتخبات، تعاظم الصراع على زعامات محلية، وطنية، إقليمية وقارية وصولاً الى العالمية.
وبخلاف هذا «الواقع المادي» البيّن، نجد بأن البطولات الأوروبية الخمس الكبرى لا تعيش صراعاً فعلياً على القمة، في هذا الموسم بالذات، على الرغم من تسليمنا بأن الحرب بين الأندية ما عادت «رياضية» بقدر ما هي مادية.
في انكلترا، حيث تعادل ميزانيات الأندية أحياناً ميزانية دول، لم تستوعب القمة الا مانشستر سيتي الذي حسم لقب الدوري الممتاز، منطقياً، منذ أشهر، على الرغم من «التعاقدات المليونية» التي قام بها خصومه، وتحديداً جاره في المدينة، مانشستر يونايتد.
لا مناص من التسليم بأن «سيتي» استثمر ايضاً في التشكيلة بأوامر من المدرب الاسباني جوسيب غوارديولا، وهو ما أمّن له لقباً أول تمثل في كأس الرابطة على حساب أرسنال، وثانٍ في الطريق في «بريمير ليغ»، غير ان الفارق بين «سيتيزنس» وخصومه يتمثل في «روعة الأداء» التي منحتهم الأحقية في الريادة.
نتفق على أن انكلترا لا تعيش صراعاً على الرغم من أننا نمر في زمن «ادفع... تُرفع».
وبالانتقال الى اسبانيا، لن نحصر الحديث في الموسم الراهن فقط، بل سنتناول الموضوع بشمولية زمنية أوسع.
في الـ «ليغا»، يحصل ريال مدريد وبرشلونة على الحصة الأكبر من عائدات النقل التلفزيوني، ما يؤمن لهما سيولة مهمة لتعزيز الصفوف موسمياً.
وباستثناء الموسمين الأخيرين ربما، لم يجر «القطبان» صفقات عملاقة على مستوى اللاعبين (باستثناء البرازيلي فيليبي كوتينيو المنتقل الى برشلونة في السوق الشتوية الاخيرة وليس منذ مطلع الموسم)، بل تمسّكا بما لديهما، الامر الذي جمّد الاستقرار في المنافسة بينهما، على الرغم من ان ريال مدريد استسلم في الموسم الجاري مبكراً على جبهة الدوري المحلي.
ويبدو بأن التحوّل من زمن «إنتاج اللاعبين» الى زمن «شراء اللاعبين» لن يبدّل من واقع الكرة الاسبانية التي ستبقى تتلاطم القاباً بين «الملكي» و«الكاتالوني».
في المانيا، حيث تعيش الاندية استقراراً اقتصادياً يقيها الإفلاس والمشاكل، ثمة فارق وحيد يتمثل في بايرن ميونيخ.
النادي البافاري لا يختلف عن سواه، إلا انه نجح منذ سنوات طويلة في فرض نفسه رمزاً للكرة الألمانية، ما أمّن له الأموال الآتية من الرعاة، فضلاً عن سوق كبيرة في آسيا تحديداً.
قد يكون البايرن النادي الألماني الوحيد الذي عرف كيف يستقر في عليائه ويوازن ما بين «الانتاج» و«التعاقد مع لاعبين»، ويكفي أنه ينافس بجدية دائمة العملاقين ريال مدريد وبرشلونة على جبهة دوري ابطال اوروبا.
وثمة إصرار لدى القيّمين على النادي بعدم التفريط بالمكتسبات المحلية، بدليل التركيز الدائم على لقب الـ «بوندسليغا»، ومنه الانطلاق نحو لقب الـ «تشامبيونز ليغ»، بمعنى عدم التفريط بهذا على حساب ذاك.
وبالنسبة الى الموسم الراهن، فإن البايرن يبدو من عالم آخر في المانيا، وما أدل على ذلك سوى تصدره ترتيب الدوري بفارق مهول من النقاط، لدرجة ادّعى فيها البعض بأن بوروسيا دورتموند لم يشكل، قبل سنوات، الا استثناء على قاعدة ستستمر طويلاً، عندما هزّ عرش البافاري إلا انه لم يُقصِه نهائياً.
في ألمانيا أيضاً، «الهجوم على شراء النجوم» لم يمس بـ «تراتبية الأندية».
اما في فرنسا، فثمة نوع من الاستسلام لباريس سان جرمان من الأندية الأخرى التي تدرك بأن لا مجال لمنافسة عملاق بميزانية ضخمة.
ويكفي القول بأن البرازيلي نيمار دا سيلفا المنتقل الى الفريق الباريسي مطلع الموسم الراهن مقابل 222 مليون يورو من برشلونة، فقد الحافز في المنافسة نتيجة سطوة النادي المملوك من جهات قطرية.
ومهما حاولت أندية مثل موناكو ومرسيليا وليون ضم لاعبين، فهي لن تتمكن من مقارعة صفقات سان جرمان، وهو الامر الذي يؤكد بأن انتقال الاندية من «الانتاج» الى «التعاقد مع لاعبين» مُتَّبع في فرنسا، بيد أنه ليس متشابهاً البتة، في قيمته، ما بين الفريق الباريسي والفرق الأخرى.
إيطاليا، من جهتها، تعاني مادياً على مستوى الأندية، وهو ما لم يعد خافياً على أحد.
وحده يوفنتوس استبق هذا الواقع عندما بنى ملعبه الخاص، وأمّن أموالاً سمحت له بتعزيز صفوفه موسمياً لضمان زعامته على الدوري، مع محاولات جدية لشمول تلك الزعامة الخارطة الأوروبية.
في ايطاليا أيضاً، هناك سباق من الأندية على النجوم، وإن كانوا من خارج الصف الأول، بيد أن يوفنتوس يبقى الأكثر قدرة ورغبة في فرض نفسه في القمة.
فالتأهل الى دوري ابطال اوروبا لم يعد مكسباً لـ «السيدة العجوز»، بل هو واجب. وهنا يكمن الفارق بين النادي التوريني وخصومه من أمثال نابولي ولاتسيو وروما وانتر ميلان وميلان.
من كل ما تقدم، يتضح بأن ثمة «هجوم» جدي على ضم اللاعبين، ومن الأندية كافة، وعبر ميزانيات يسيل لها اللعاب، إلا ان ذلك لم يشعل الصراع المحلي، بل ان معظم الأندية استسلمت ومعظم البطولات حُسمت... قبل نهاية العام 2017.