فاقد الشيء لا يعطيه

تصغير
تكبير

عادة ما يقوم السياسيون وحتى رجال الدولة بإطلاق الوعود الفارغة - إن لم نقل الكاذبة - في سبيل تعزيز مكانتهم أو كسب الشعبية. ومع اقتراب موعد الانتخابات النيابية اللبنانية تزداد هذه الظاهرة الشعبوية الطامحة إلى حصد أصوات الناخبين الذين همشت حقوقهم أصلاً حين تم التمديد لمجلس النواب الحالي خمس سنوات.
لعل الأبرز في تلك الوعود «الصادقة» هو تعهد رئيس الوزراء سعد الحريري بأن تستعيد الدولة حصرية السلاح من خلال بسط سيادة الدولة عبر دعم المؤسسات الأمنية والجيش اللبناني.
كلام الحريري جاء في مؤتمر «روما» الجمعة الفائتة حيث ناشد المجتمع الدولي بإعطاء لبنان الفرصة لتأكيد التزامه بسياسة النأي بالنفس وبناء الدولة القوية، مشيدا بكلام فخامة الرئيس ميشال عون عن التزام لبنان بطرح الاستراتيجية الدفاعية فور الانتهاء من العملية الانتخابية في مايو المقبل.


إن كلام كل من الحريري وعون ومواقف الـ 41 دولة في مؤتمر روما، تؤشر إلى التزام كل الأطراف دعم استقرار لبنان وبناء الدولة ومؤسساتها، وتمهيد الطريق إلى مؤتمر «سيدر» المقرر انعقاده في باريس في أبريل، والذي يأمل الحريري أن يحصد خلاله 17 مليار دولار على شكل استثمارات وقروض وهبات لتفادي انهيار ما تبقى من منظومة لبنان الاقتصادية.
ومؤتمرا «روما» و«سيدر»، هما في الحقيقة امتحان للدولة اللبنانية، وعلى الحريري اجتيازهما ليبرهن للمجتمع الدولي بأنه قادر -على غرار والده الراحل الشهيد رفيق الحريري- على النهضة الاقتصادية والسياسية رغم التحديات الإقليمية وعلى رأسها «حزب الله».
الطريق إلى إنقاذ لبنان من ورطته المالية والإقليمية قد تبدو سهلة حسب تصريحات كل من رئيس الجمهورية ورئيس حكومته، ولكن الغوص في تفاصيل تعهداتهما، وبالتحديد التزامهما بمعالجة مسألة السلاح، هو هذيان سياسي، كون الحريري لا يستطيع فعليا مفاوضة أو إجبار «حزب الله» على التنازل عن سلاحه عملا بالقاعدة القانونية المشهورة «فاقد الشيء لا يعطيه».
أولا، سلاح «حزب الله» هو وبإعتراف من الأخير «جزء من منظومة الحرس الثوري الإيراني، وانتشار الحزب في سورية والعراق واليمن وأنحاء العالم هو في خدمة الولي الفقيه ومشروع إيراني الإقليمي». وحين أكد الحريري على سياسة لبنان النأيء بالنفس، ذكّره الشيخ نعيم قاسم عبر وسائل الإعلام بأن مغامرة حزبه في سورية «مستمرة ما دام ذلك ضروريا».
ثانيا، تعهد عون بالدعوة إلى طاولة حوار بعد الانتخابات لابتداع استراتيجية دفاعية تدمج «سلاح المقاومة» بالجيش اللبناني والدولة «لا يرقى» إلى سقف التوقعات بأن الانتخابات المقبلة ستعطي «حزب الله» وحلفائه عدد مقاعد أكثر في البرلمان اللبناني، ما يمنحهم شرعية شعبية تسمح لهم بتكريس سلاحهم «الإلهي» فوق الدولة والدستور معاً.
فكيف لرئيس الجمهورية، حليف «حزب الله» الأساسي وغطاءه المسيحي، بإجبار هذا الأخير على المساومة المستحيلة على سلاح المقاومة وصكّ ملكيته قد خط باللغة الفارسية. الحقيقة أن الحزب نجح في «استيعاب» الدولة وزجّها في متاهة تسمح له بالتحكم والتترس بهذه الدولة، ونجح أيضاً في السماح للحالمين كالحريري بإطلاق وعود غير واقعية، سيؤدي التخلف عنها إلى عزل لبنان دوليا وعربيا أكثر فأكثر... إن تعهد المجتمع الدولي في «روما» ولاحقا في «سيدر» بتقديم المعونة المالية والمعنوية هو رهن قيام الحكومة اللبنانية بمبادرة استرجاع سيادته وتطبيق حزمة من الإصلاحات البنيوية الاقتصادية والتي من دونها سينضم مؤتمرا «روما» و«سيدر» إلى حقيبة المحاولات اللبنانية الفاشلة في العبور إلى الدولة الحديثة.
قد تصح المقولة هنا بأن كل الطرق تؤدي إلى روما، ولكن في نهاية المطاف، إن طريق لبنان وشعبه إلى بر الأمان، وعلى عكس التوقعات، لا يمر بروما أو أي عاصمة أخرى بل يبدأ وينتهي في العاصمة بيروت وفي الطبقة السياسية التي فشلت مرة أخرى في تحويل الوعود إلى حقيقة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي