سلسلة تساؤلات مُدهِشة عن أجسامنا نطرحها ونُجيبُ عنها من وحي كتاب ?Why Do Men Have Nipples

الزَّغزغة... لماذا وكيف تُضحكُنا... و«تُبكينا»؟!

تصغير
تكبير

من المرجح جدا أنك ممن لا يتمالكون أنفسهم من شدة الضحك عندما يداعب شخصا مناطق معينة في أجسامهم بأطراف أصابعه بتلك الحركة التكرارية التي تُعرف باسم «الدغدغة» أو «الزغزغة» (الكلمتان صحيحتان لغويا)، وهي الحركة التي إذا طال أمدها - خصوصا تحت الإبطين أو في باطني القدمين - فإنها توصل متلقيها إلى الانخراط في نوبة ضحك هيستيرية قد تجعله يبدأ في ذرف دموع من عينيه على نحو يوحي بأنه يبكي!
وهذا يحيلنا إلى تساؤل حلقة اليوم الذي نادرا ما يدفع تفكير أحد إلى البحث عن إجابة عنه: لماذا وكيف تُضحكنا الزغزغة... وتُبكينا؟!
في سياق إجابتهما عن هذا التساؤل يقول مؤلفا كتاب «لماذا لدى الذكور حلمتان»، إن دراسة الطب البشري لا تتناول تلك المسألة على نحو أكاديمي فسيولوجي تفصيلي، لكن هناك فرعا نفسيا يهتم بدراسة ظاهرة الضحك ويُعرف باسم «الجيلوتولوجي»، وأن هناك شكلا من أشكال النوبات التشنجية تُعرف طبيا بـ «نوبات الضحك الهيستيري» (gelastic seizures) وتجعل الشخص ينخرط في موجة مفاجئة من الضحك المتواصل على نحو خارج عن السيطرة.
ويوضح الكتاب أن آلية الضحك عموما - والناجم عن الزغزغة خصوصا - هي آلية معقدة جدا، إذ انها تتطلب تناسقا بين مئات من وصلات الشبكتين العصبية والعضلية، فضلا عن أنها تؤدي إلى إحداث تغييرات دماغية موقتة تسهم في مجملها في تحسين المزاج، إلا في حالات استثنائية.
 وهناك نظريات عدة حاولت وما زالت تحاول تفسير الحركات العنيفة وحركات «التلوّي» التي يقوم بها الشخص لا إراديا عند تعرضه لحركات الزغزغة، وهي النظريات التي سنستعرضها بإيجاز في التالي.
وفي حين يؤكد الكتاب المذكور على أن الباحثين في هذا المجال ما زالوا غير قادرين حتى الآن على فهم «آلية الزغزغة» بشكل علمي وفسيولوجي كامل، فإننا نفتح في التالي الباب أمام مزيد من التأمل حول هذا التساؤل المُحير الذي اتخذناه عنوانا لحلقة اليوم.
فإلى مزيد من «الزغزغة» ونظرياتها...

تٌرى، ما أسرار تلك القهقهة والحركات البدنية الخارجة عن السيطرة التي ننخرط فيها عند تعرضنا للزغزغة، إلى درجة أننا قد نقوم بحركات عشوائية عنيفة؟ وكيف يمكن أن يكون الشعور بالزغزغة ممتعا ومؤلماً في آن واحد معا؟
فمن الغريب أن الأشخاص عند زغزغتهم قد يضحكون ويقهقون، لكن في الوقت ذاته نُلاحظ أنهم يقومون بحركات وردود أفعال تبدو عنيفة أحيانا وكأنها دفع عن النفس. بل إذا تأملنا تعابير وجوههم في تلك الأثناء فسنلاحظ أنهم كأنهم يعانون شكلا من اشكال التعذيب ويحاولون مقاومته والتملص منه.
ما هي؟

الزغزغة معروفة ومارستها جميع شعوب وثقافات العالم منذ أقدم عصور التاريخ، وهي تلك العملية التي تؤثر بطريقة مباشرة على الجهاز العصبي من خلال ملامسة ومداعبة نقاط معينة من البدن بحركة تكرارية، فتكون نتيجة ذلك أن يضحك المُتلقي بعفوية ويقوم بحركات التوائية لا إرادية تبدو كمحاولة للتخلص من مصدر الزغزغة والابتعاد عنه.
في أواخر القرن التاسع عشر، كان اختصاصيا علم النفس الأميركيين «غرانفيل ستانلي هول» و«آرثر ألين» هما أول من قاما بأبحاث خلصا من خلالها إلى تصنيف الزغزغة إلى نوعين. النوع الأول هو «الزغزغة السطحية» المتمثلة في تلك اللمسات البسيطة جداً لأي مكان على سطح الجلد (كلمسة بطرف ريشة او ما شابه)، وهذا النوع لا يؤدي عادة إلى إثارة القهقهة، بل يستثير شعورا إما بالحكة وإما بقشعريرة طفيفة. أما النوع الثاني فهو «الزغزغة العميقة» التي تثير الضحك والقهقهة لدى معظم الناس، وهي تكون ضغطات تدليكية متكررة – خصوصا بأطراف أصابع اليدين – على مناطق حساسة معينة في بدن الشخص المستهدف بالزغزغة.
نظريات تفسيرية

ترى إحدى النظريات المفسرة لآلية الاستجابة للزغزغة أن تلك الآلية تطورت وترسخت لدى الثدييات لأن الغريزة منذ بدء الخليقة أدركت بفطرتها أن المساحات الخارجية الأكثر حيوية وحساسية في الجسم (أي البطن والصدر والإبطين) هي التي يجب أن تتمتع بأولوية الحماية أكثر من غيرها عند التعرض إلى تسلل أو تطفل مفاجئ من جانب أحد الزواحف على وجه الخصوص، ولا سيما أن طبيعة حياة الإنسان في تلك العصور البدائية الأولى كانت تضطره إلى النوم في أماكن مكشوفة ومفتوحة وسط الزواحف والهوام الأخرى الخطيرة.
وترى تلك النظرية أن الحركات الدفاعية الانعكاسية التي تحدث كرد فعل على الزغزغة يعود منشأها أصلا إلى عصر الإنسان البدائي الذي اكتسبها وباتت غريزية لديه كرد فعل تلقائي للتخلص من الزواحف أو الحشرات أو الحيوانات الصغيرة التي كان يُفاجأ بسيرها على جسمه أو لحسه بألسنتها في أثناء جلوسه أو نومه. ولعل هذا يفسر لنا حقيقة كون تأثير الزغزغة يكون أكبر عند توافر «عنصر المفاجأة»، كما قد يفسر لنا وصول الأمر إلى ذرف الدموع عند اشتداد الزغزغة - بما يعني أن الإنسان البدائي كان يصل إلى البكاء والصراخ كنوع من الاستغاثة عندما كان يفشل في الهروب من مصدر «الزغزغة» والنجاة منه.
وبالتالي، تؤمن هذه النظرية بأن تلك الحركات الالتوائية العنيفة وأصوات القهقهة العالية الأشبه بـ«انفجار» - والتي يطلقها الشخص عند زغزغته - يعود منشأها التطوري إلى أنه كان يفعل ذلك غريزيا في مراحله البدائية قبل ملايين السنين كـ«أسلوب دفاعي» لإخافتة الكائن المتسلل إليه وإرغامه على الفرار مبتعدا.
على جانب آخر، ترى نظرية أخرى أن انفعال الضحك عند التعرض إلى الزغزغة نشأ أصلا ليقوم بدور اجتماعي ونفسي لتقوية الروابط بين البشر؛ وعلى الأخص بين الأمهات وأطفالهن إذ ان المشاعر الحميمة بين الأم وطفلها تتعزز عندما تزغزغه. ومن بين أنصار هذه النظرية اختصاصي علم الأعصاب الأميركي «روبيرت بروفاين» مؤلف كتاب «الضحك: تحقيق علمي»، والذي قال ذات مرة: «بالنسبة للأطفال الذين لم يتعلموا النطق بعد، يمكن القول إن الزغزغة والضحك يعملان كوسيلتين فعالتين لإدماجهم في الحياة الاجتماعية و(تعويدهم على) إقامة العلاقات مع الآخرين».
لكن يبقى تساؤل، ألا وهو: لماذا يقوم البعض بردود فعل عكسية تصل إلى حد العنف عند زغزغتهم، ولماذا يشعر آخرون بانزعاج شديد وتوتر؟
الإجابة عن هذا التساؤل تقدمها نظرية أخرى ترى أن سلوك الزغزغة نشأ أساسا منذ مستهل حياة الإنسان البدائي على أيدي الأمهات والأباء كنوع من «تدريب» صغارهم على المهارات الاشتباكية القتالية عند مواجهة أي عدو ولمواجهة الصعاب والبقاء على قيد الحياة. بتعبير آخر، هذا يعني أن سلوك الزغزغة عندما نشأ كان هدفه الغريزي الأصلي هو تمرين الطفل على المناورة ورد الفعل الحركي السريع في مواجهة تهديدات مفاجئة من جانب طرف خارجي، وهو الأمر الذي نلاحظ أن أمهات الحيوانات المفترسة تدرب صغارها عليه من خلال اللعب.
زغزغة ذاتية... وروبوتية!

التساؤل المدهش والمحير الآخر هو: هل يمكن أن تنخرط في الضحك إذا قمت بزغزغة نفسك ذاتيا في الأماكن ذاتها التي تثير قهقهتك عندما يزغزغك شخص آخر؟
الجواب المؤكد هو: لا... هذا غير وارد في جميع الأحوال تقريبا. فلماذا؟
يرى الباحثون في هذا المجال أن تأثير الزغزغة لا يتأتى إلا إذا جاء من مصدر خارجي مستقل عن جهازك العصبي، فضلا عن أنه يتطلب وجود مقدار معين من «عنصر المفاجأة». وعندما يزغزغ شخصا نفسه بنفسه، لا يكون هناك أي عنصر مفاجأة، إذ ان الجهاز العصبي في هذه الحالة يكون هو الفاعل والمفعول به.
واستنتج الباحثون من ذلك أنه عندما يقوم شخص بزغزغة نفسه، فإن مركزا معينا في مخه يرسل فورا معلومات وإشارات دقيقة عن موضع الزغزغة، ما يعني أن جهازه العصبي لا يتفاجأ بحركات الزغزغة وبالتالي لا يكون هناك مبرر للضحك. ومن المرجح أن هناك آلية في قشرة الدماغ تقلل أو تمنع ردود الفعل الانفعالية والحركية اللاإرادية إزاء الزغزغة عندما يزغزغ المرء نفسه.
وفي دراسة بحثية حديثة أجرتها الباحثة النفسية البريطانية سارة جين بلاكمور حول مسألة الاستجابة للزغزغة الذاتية، استعانت بلاكمور ومساعديها بتقنية الرنين المغناطيسي بهدف التحقق من كيفية تمييز المخ بين ما نشعر به عندما نزغزغ أنفسنا بأنفسنا من ناحية، وبين ما ينتابنا من ضحك وقهقهة عندما يزغزغنا شخص آخر. وفي سياق الدراسة ذاتها، تم استخدام أصابع إنسان آلي (روبوت) لزغزغة بعض الأشخاص، لكن لوحظ أن ذلك لم يجعلهم يقهقون أو يضحكون بدرجة ملموسة كتلك التي تحصل عندما يقوم إنسان بزغزغتهم بأطراف أصابعه.
زغزغة الحيوانات!

من المدهش أن دراسات أثبتت ان الإنسان ليس وحده هو الذي يتأثر بالزغزغة، بل أن بعض الحيوانات الثديية تتأثر بها أيضا (طالع الكادر المُعنون «الزغزغة تُضحك الفئران!». ويُعتبر عالم الأحياء تشارلز داروين، صاحب نظرية «النشوء والتطور»، أول من لاحظ أن الإنسان ليس الكائن الوحيد الذي يتأثر بحركات الزغزغة، بل أن بعض الحيوانات أيضا تتأثر بها، وإن كان الإنسان هو الوحيد الذي يضحك ضحكا صريحا ويستطيع أن يستثيره بأن يستحضر مسبباته.
فلقد لاحظ داروين مثلا أنه عند زغزغة قرود الشمبانزي، فإنها تتلوى وتبدو كأنها تضحك بشكل هستيري، وتحاول أن تتملص من مصدر الزغزغة. أما حيوانات الغوريلا، فإنها تنفعل حركيا عند زغزغتها بأن تطلق أصواتا حادة تشبه أصوات زقزقة العصافير، في حين أن أجسام قرود البابون تتلوى وتطلق صيحات شبيهة بالنباح إذا تعرضت إلى الزغزغة.
... وسيلة تعذيب!

قد يبدو الأمر غريبا، لكن من الممكن عمليا استخدام الزغزغة كأسلوب من أساليب التعذيب بهدف انتزاع الاعترافات.
هذا الأمر تشير آثار وسجلات تاريخية إلى أنه حصل فعلا في عصور امبراطورية روما القديمة وفي حضارات قديمة أخرى. فلقد كان يتم تثبيت الشخص المستهدف بالتعذيب على سرير خشبي مائل أشبه بالصليب، مع تقييد ذراعيه وساقيه بحيث لا يستطيع إصدار أي ردود أفعال حركية، ثم تتم خلال جلسات التعذيب زغزغة أخمصي قدميه وجانبي قفصه الصدري وإبطيه بطريقة معينة وباستمرار إلى أن يبدأ بالشعور بآلام مبرحة ومنهكة جسديا ونفسيا إلى درجة تجعله يبكي ويذرف دموعا، فيستسلم في النهاية ويضطر إلى الاعتراف على أمل أن تتوقف هذه «الزغزغة التعذيبية».

كيف تؤثِّر الزغزغة... عصبياً؟

ماذا يحدث فيستثير الإستجابة الحركية والانفعالية لدى وصول الإشارات العصبية من موقع الزغزغة إلى المخ؟
هذا التساؤل ما زال موضع خلاف بين أهل الاختصاص، لكن الجزئية المهمة التي يتفقون عليها هي أنه توجد في المخ بقع أو بؤر محددة تنشط لدى وصول الإشارات التحفيزية، وهي البؤر التي ترسل بدورها إلى العضلات المعنية إشارات ردود الفعل التي نراها على الشخص خلال تعرُّضه للزغزغة.
وبشكل أكثر تحديدا، توجد تلك البؤر في قشرة المخ الحسية التي توجد فيها خلايا مستقبلات الأحاسيس. وعندما قام باحثون بتحفيز واستثارة تلك البؤر بموجات كهربائية منخفضة، لوحظ أن الفئران بدأت تطلق أصوات «قهقهة» بقوة 50 كيلوهرتز، من دون أن يكون هناك من يزغزغ الأماكن الحساسة في أجسامها.
لكن من المهم هنا توضيح أن نمط التجاوب مع الزغزغة لدى الفئران (والخيول أيضاً، حيث اتضح بحثيا أنها تقوم برود فعل انعكاسية سريعة وعنيفة عند زغزغتها في أماكن معينة) لا يتطابق مع أنماط التجاوب لدى الثدييات العليا (أي الإنسان وفصائل معينة من القرود). فالأساليب تتفاوت بين الجانبين، فضلا عن أن الثدييات العليا تتميز عن بقية الثدييات بكونها تستطيع أن يزغزغ أحدها الآخر، بينما هذا الأمر مستحيل بين الثدييات الأخرى.

الزغزغة «تُضحك» الفئران!

قبل بضع سنوات، أجرى اختصاصيا علم الأعصاب الألمانيان ميكايل بريخت وتشمبي إيشياما، دراسة مشتركة في مختبرات جامعة «هومبُلت» البرلينية، وهي الدراسة التي أثبتت نتائجها أن الفئران الشابة وصغيرة السن تحديدا «تضحك» بطريقتها الخاصة عندما تتعرض للزغزغة في مناطق معينة من أجسامها، وأنها لا تتأثر بالزغزغة إلا عندما تكون في حال شبع وارتياح ولا تشعر بالخوف أو القلق.
الباحثان قاما خلال الدراسة بزغزغة مجموعات من فئران التجارب في أماكن مختارة مختلفة من أجسامها، مع استخدام أجهزة خاصة لتسجيل ذبذبات الموجات الصوتية وفوق الصوتية التي صدرت عنها في تلك الأثناء. واتضح من خلال التجارب أن هناك تشابها بين الفئران والبشر من أوجه عدة في ما يتعلق بالتجاوب إزاء الزغزغة والتأثر بها.
فقد لوحط أن صغار الفئران تحديدا كانت تقفز متأثرة بشدة الفرح على ما بدا عند زغزغتها، وأن أجسامها كانت تتلوى تعبيرا عن شعورها بالسعادة حتى بعد التوقف عن زغزغتها - تماما مثل صغار البشر. أما الفئران البالغة والأكبر سنا، فإنها أبدت خلال التجارب ميلا إلى الانزعاج مع محاولة التخلص قدر الإمكان من مصدر الزغزغة - وهو ما يتشابه إلى حد كبير مع ما يفعله معظم البشر البالغين.
ولوحظ من خلال التسجيلات الصوتية أن غالبية الفئران تطلق ذبذبات صوتية تشير إلى أنها تنخرط في نوبات يمكن اعتبارها نوعا من «الضحك»، وأنها لا تتمالك نفسها عند زغزغتها في منطقة البطن على وجه الخصوص.
ورصد الباحثان أن الزغزغة أثرت عصبيا وحركيا في الفئران لدرجة أنها كانت تقوم بقفزات معبرة عن التجاوب مصحوبة بـأصوات تشبه «القهقهة» وصلت قوة ذبذباتها إلى 50 كيلوهرتز. كما لوحظ أن الزغزغة تؤثر بدرجة أقل في منطقة ظهر الفأر، ولكنها لا تؤثر مطلقا في ذيله.
وعندما كان يتوقف الباحثان عن زغزغة أي فأر، لوحظ أنه كان يقترب من يد «المزغزغ» ويحتك بها، في ما بدا كما لو أنه يدعوه إلى مواصلة مداعبة جسمه.
وكان لافتا من خلال الدراسة أن الفئران ذاتها توقفت عن التجاوب الاستمتاعي مع الزغزغة عندما وضعها الباحثان في مكان مكشوف وسلطا عليها أضواء قوية نحوها، أي في وضعية غير مريحة نفسيا لها. فما حصل هو أن مشاعر الخوف والقلق سيطرت على الفئران، فكانت نتيجة ذلك أن توقفت تلقائيا عن الاستمتاع بحركات الزغزغة.

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي