مثقفون بلا حدود

التآلف والتآخي بين اللغات (4 من 5)

No Image
تصغير
تكبير

... استكمالا لما عرضناه في مقالنا الفائت حول بعض الكلمات التي قد تساعد على التواصل مع الآخرين وقت الحاجة أو السفر، والتي قد كنا مثلنا لها ببعض ألفاظ من اللغة الفرنسية، وما ينطبق على اللغة الفرنسية ينطبق على جميع اللغات واللهجات، كما نود أن نذكر القارئ الكريم بأن، هذه لغة سياحة وليست لغة تعليم:
( أشهر السنة = Les mois do l›année)
- يناير = Janvier ( جانفي ) تنطق الفاء (v).


- فبراير = Février (فيفْ ري) أو (فيف غي) تنطق الفاء (v).
- مارس = mars (مارس) أو (ماخس)
- أبريل = avril (آفْ ريل) أو (آف غيل) تنطق الفاء (v).
- مايو = mai (ماي)
- يونيو = Juin (جوا)
- يوليو = Juillet (جويليا)
- أغسطس = Aout (أوت)
- سبتمبر = Septembre (سبتمبر ) أو (سبتمبغ)
- أكتوبر = Octobre (أكتوبر) أو (أكتوبغ)
- نوفمبر = Novembre (نوفمبر) أو (نوفمبغ) تنطق الفاء (v).
- ديسمبر = Décembre (ديسمبر) أو (ديسمبغ).
وكما ذكرنا آنفا فإن هذا التسامح اللغوي نرتضيه في المحادثة. أما في الاشتغال وأعني المشتغلين باللغة، فلا تسامح في اللغة، والخطأ غير مغفور، بل يعد معصية ومن الكبائر، فلن نسمح لمشتغل باللغة أن يقول لنا «أكد على ضرورة»
  ولن نسمح لمشتغل باللغة أن يستخدم ( سيما ) دون (لا)، علما بأن علماء النحو اعتبروا من يحذف (لا) من المولدين، وثعلب أحد علماء الطبقة الرابعة للمدرسة اللغوية الكوفية رفض حتى حذف الواو وعدّها تركيبا واحدا (ولاسيما)14، ولن نسمح لمشتغل باللغة أن ينطق ( ومن ثم ) بضم (الثاء). والمشتغل باللغة لا يقتصر على الأستاذ الجامعي، بل الإعلامي والصحافي كذلك.
وهذا ما يجعلني أستشهد بكلام جميل للباحث اللغوي الليبي عبد اللطيف أحمد الشويرف حيث يقول: «كل كاتب يحرص على أن يكون أسلوبه على أعلى درجة ممكنة من الحسن والبلاغة والسلاسة والجاذبية، فهو لذلك يتخير من الألفاظ أفصحها، ومن الصيغ أبلغها ومن الصور أجملها، ومن طرق الصناعة أسرعها نفاذا إلى القلوب وأقربها وصولا إلى المعقول، ولا يرضى بالحد الأدنى من الصحة والقدر المتواضع من القبول. فأنا لا أُخطـّئُ- مثلا- من يقول:«أساتذة وطلبة الجامعة متعاونون»،
 لأن مجمع اللغة العربية بالقاهرة قد أجاز هذا التعبير وصحـّحه، ولكني لا أستعمله، ولا أنصح باستعماله، ولا أعدل عن التركيب الفصيح وهو أن يقال:«أساتذة الجامعة وطلابها متعاونون».  
و لا أُخطئ ُمن يقول«كلا الرجليـْن مدرسان»، لأن علماء النحو الثقات قالوا بجواز ذلك، ولكني لا أحيد عن الوجه الأفصح و الأكثر، وهو أن يقال:«كلا الرجليـْن مدرسٌ». ولا أُخطـّئُ«الغير»بالألف واللام بعد أن أجازها مجمع اللغة العربية بالقاهرة ومنحها شهادة الصحة، ولكن في نفسي منها شيئا يصدني عنها، فأنا لا أطيق ولا يطاوعني قلمي على رسمها. ولا أُخطئُ من يقول:«هذا الثوب أبيض من ذاك»حيث أجاز هذا التعبير مجمع القاهرة اللغوي مستندا إلى رأي الكوفيين، ولكني لا أتجاوز الأسلوب الأفصح والأشهر وهو أن يقال:«هذا الثوب أحسن بياضا من ذاك». وهكذا يكون شأننا في التعبير والكتابة كشأن الطالب النجيب المجتهد: لا يكتفي في النجاح بدرجة«مقبول»، وتتطلع همـّته إلى أن يكون نجاحه بدرجة«ممتاز»أو«جيد جدا»أ.هـ15.
إذاً علينا هنا أن نفرّق بين المتحدث باللغة والمشتغل في اللغة، أما المعلم للغة، فعليه أن يكسر جمودها، ويرقق من قواعدها، ويثقف تلقينها، وكل ذلك يبدأ من نحو النص أو النحو الوظيفي أو التوظيفي، بعيدا عن قوالبها الحادة، فالأساس يبدأ من السهولة حتى الصعوبة، وبالتمرين والتدريب والممارسة، وليس التلقين والحفظ، ولعل رأي الباحثة المصرية عائشة عبدالرحمن، حول تعليم الفصحى، كان في صميم تيسير قواعد اللغة حيث تقول:«ليست عقدة الأزمة، في اللغة ذاتها، العقدة فيما أتصور، هي أن أبناءنا لا يتعلمون العربية لسان أمة ولغة وحياة، وإنما يتعلمونها بمعزل عن سليقتهم اللغوية؛ قواعد صنعة وقوالب صماء، تجهد المعلم تلقينا والتلميذ حفظا»أ.هـ،16.
فنحن لا نخشى على اللغة العربية من عدم قدرتها على تغطية مصطلحات العصر، حيث إن أكثر هذه المصطلحات هي مصطلحات تجارية، سوف تزول بزوال السلعة، أما الجذور، فهي باقية، وهذا ما يؤكده الباحث شفيق الخطيب قائلا:«فاللغة العربية بجذورها التي تزيد على الستة آلاف لن تعدم مطلقا فيضا من الألفاظ لتغطية مختلف المصطلحات، أضف إلى ذلك أن إمكانية الاشتقاق تقع أيضا على غير الجذور العربية»يقول في الهامش«أحصينا منها في محيط المحيط 7360 فعلا ( منها 5703 أفعال ثلاثية )؛ لكن الباحث حلمي موسى، في إحصائيات جذور لسان العرب باستخدام الكمبيوتر 1972 الكويت، يجعلها 9273»أ.هـ،17.
تآلف اللغات الأخرى مع العربية
مثلما تأثرت اللغة العربية باللغات الأخرى، أيضا اللغات الأخرى تأثرت باللغة العربية،
وكثيرة هي البحوث التي ذكرت إحصائيات دقيقة عن الألفاظ العربية في اللغة الفارسية، واللغة التركية، واللغة الاسبانية وغيرها، وسوف أقف عند لغات الأقليات مثل اللغة الكردية واللغة الأمازيغية، وعلى وجه الخصوص سوف أتناول الألفاظ العربية في اللغة الأمازيغية التي ذكرها الباحث اللغوي الجزائري صالح بلعيد، رئيس المجلس الأعلى للغة العربية في الجزائر، وهو
 من الأمازيغ، مثل«إفلفل، طوماطيش، لخوخ، التمر، اللفت، رمان، لعدس، الحمص، الزريعة، أبرقوق، لتاي، بطاطا، صالون، قهوة، لبصل، الزيث، التفاح، الملح، سكر، لوز...» «الجماعة= تجميعت، الجامع أو المسجد= الجامع، الحصان= الخيل، معصرة الزيت = المعاصرة، الحانوت = ثحانوت، السروال = أسروال» أ.هـ18،
وهذا الباحث الليبي علي خشيم، رئيس المجمع اللغوي الليبي، يتبحر بكلمة «(أمغار) الأمازيغية، فالغين فيها مبدلة من القاف (أمقار) بمعنى: المرأة العجوز، أما (أمقار) فهي من (إقر) الكنعانية، وعربيتها (وقر) ومنها (الموقر) تطلق على الرجل العجوز احتراما» أ.هـ، 19.
- من الجميل أن يكون الإثنين 18 ديسمبر من كل سنة، هو اليوم العالمي للاحتفاء بلغتنا العربية الجميلة.

* كاتب وباحث لغوي كويتي
fahd61rashed@hotmail.com

الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي