مثقفون بلا حدود
المرأة الصوفية... في كتابات رؤوف القاسمي (2 من 2)
... ولا نبالغ إذا قلنا بأن د. محمد رؤوف القاسمي الحسني، قد ملك ناصية كتابة البحث العلمي الجاد والموضوعي، وجعل القارئ والباحث يقف على كل كبيرة وصغيرة فلا تفوته شاردة في حضور الواردة، وسلك طريقاً سهّل به توصيل المعلومة. نلمس هذه الدقة بالعبارة الآتية «ظل الوضع كذلك طيلة حياة السيدة زينب وهي على رأس الزاوية التي عرفت إقبالا واسعاً من أتباع الطريقة الرحمانية في عهدتها، يؤمها المريدون من كل حدْب وصوْب من متيجة ومنطقتي القبائل الكبرى والصغرى إلى عنابة من جهة الشمال ومن جهة الوسط مروراً بأولاد جلال وبسكرة و تبسة إلى خط الجريد بتونس( نفطة - توزر - قفصة )ومن الغرب جنوبي وانشريس إلى تلمسان وبالأخص السرسوو المهدية والسوقر وتهيرت وحتى تاخمرة ومعسكر وبعض نواحي وهران وتلمسان حيث نشر الشيخ الطريقة الرحمانية. ويعترف أشيل روبير بأن السيدة زينب أدارت الزاوية بنجاح» ص 14.
ولم يقف الحسني عند مقولة «أشيل روبير» بل برع في إبراز مكانة المرأة العربية في عيون الأوروبيين، وجسّد ذلك الشموخ في وصف أحد قادة الغرب للمرأة العربية من خلال لالة زينب، وكيف كانت تنحني لها هامات الرجال تقديراً لمكانتها. ولا غرو في ذلك فقد أعطاها ديننا الإسلامي الحنيف هذه المكانة المرموقة بدءاً من السيدة خديجة زوج الرسول الكريم إلى المقاتلة خولة بنت الأزور إلى الفقيهة عائشة أم المؤمنين إلى الطاهرة فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهن جميعاً...
هذه نماذج للتاجرة والمقاتلة والفقيهة والروحانية؛ فحينما يصف «شارل دو جالون C.DE GALLAND» لالة زينب فهو وصف لكل عربية مسلمة حذت حذوهن. يقول الحسني «وصف شخصية لالة زينب» دو جالون رئيس بلدية الجزائر أثناء جولته إلى بوسعادة، يذكر أنه قبّل على رأسها، راجياً منها أن تكتب له بخطها وإمضائها على ورقة نشر الرسالة وصورتها في كتابه.
ويقول: في زي فضفاض وهي ناصعة البياض تخرج المرابطة وهي واقفة عند البناء الشامخ في حضن الطبيعة وسط غفير من الناس، فيها شيء من الأميرات والمتدينات والنساء الصالحات في العصور الوسطى، تقدمتُ نحوها وقبلتُ يدها فقالت: «مرحبا بكم في آمان الله». وجدنا أنفسنا في جو مفعم بطلاب العلم وناشريه تطبعه السكينة، وبإشارة من يدها تبعناها إلى حيث كانت أعدّت مؤدبة. فقلتُ حينئذ إن أمنيتنا هي أفضل طريقة تعبير عن هذا الاستقبال وكانت ذاكرتنا تحفظ قلباً وقالباً صفات الشيخ الحميدة أثناء الحديث إليها، كنت أجد في أوصافها خصوصاً العينين الجميلتين أنهما عينان حادتان ينتابهما بريق مرة واستفسار مرة أخرى. كانت هاتان العينان تترقرقان عند ذكر سيرة الشيخ الذي توفي سبعة أشهر من قبل. هنا التمستُ رقة هذه المرأة وحنانها في شيخها. عند خروجنا الساحة الصغيرة هلل المحبون لها، انحنوا وقبلوا أطراف ثيابها، حينئذ تيقنتُ أن الشيخ لم يمت وأنها ستظل رمزاً للإيمان «ص 14 و15».
نجح الحسني، في إبراز قدرة المرأة العربية على إدارة شؤون الحياة الاجتماعية، بل وأثبت بأنها تفوقت في كثير من الأحايين على إدارة الرجال؛ سواء أكان ذلك على الصعيد الديبلوماسي أم على صعيد قوة اتخاذ القرار في الوقت المناسب. ولقد نوّه على ذلك في مقدمة دراسته حينما كتب: «نركز في هذا البحث على دور المرأة التقليدية من خلال مكانتها الاجتماعية وقوة دورها في التحكم وتسيير مؤسسة دينية؛ إضافة إنه بحث اجتماعي تاريخي لقضية تحرير المرأة من الضغوطات، وعرفت ترشيد وتسيير وتنظيم شؤونها وفق نسق الثقافة التقليدية السائدة، وتحتل أعلى مرتبة ووظيفة اجتماعية لقيادة مؤسس الزاوية وقائدة روحية للطريقة الرحمانية» ص 2.
* كاتب وباحث لغوي كويتي
fahd61rashed@hotmail.com