مثقفون بلا حدود / التونسي المنجي بوسنينة... رائد العمل العربي المشترك (6 من 6)

No Image
تصغير
تكبير
... ولأن التراث والموروث من صنع الإنسان، ويؤصل حضارته الموغلة بالقدم، فنحن نرى تراثنا ينهب ويسرق ويتاجر به ويتعرض للهدم والتخريب من الظلاميين، ونحن منشغلون بلعبة الحمار التراثية الفلكلورية بإيطاليا خارج نطاق عملنا ودولنا الأعضاء، ونسينا حمار الحكيم، فأي هوية عربية سوف نحتفظ بها بعد ذلك بعد أن هجّـرنا الإنسان العربي من بيئته؟ لذا؛ يصرّ الدكتور التونسي المنجي بوسنينة، على الاهتمام والاعتناء بالإنسان حينما قال «فنحن نرى أن الإنسان هو مصدر لا غنى عنه من مصادر الثروة، ولابد من تعهده وتنمية قدراته حتى يستجيب لمواصفات الكائن المعاصر»أ.هـ.

وأخيرا وليس آخرا من عطاء هذا الرجل، الذي كان نهرا فياضا لا ينضب من العلم والمعرفة والخبرة والدراية في الشؤون العربية والدولية والعمل العربي المشترك بحكم انفتاحه على العالم في وقت مبكر من عمره، وهاهو كتابه (مدارات 3- 2008) أتى خلاصة عمل دام ثماني سنوات، عمل بها على قدم وساق، لم يكلّ أو يملّ، وقد فطن مبكرا بأهمية تبادل الخبرات بين الدول العربية التي يرى بأنها عامل فاعل للتنمية المستدامة للسياحة الثقافية؛ وبذاك الحسّ الثقافي الذي اعتدناه منه يقول بوسنينة: «فالسياحة العربية، ماعدا بعض الاستثناءات، بدأت بحريّة أو صحراوية ولم تلتفت إلى الجانب الثقافي إلا عند اشتداد المزاحمة حولها ويقظة الوعي حينها بضرورة تنويع المنتج السياحي، لاسيما وأن عوامل الجذب متوافرة لإقامة سياحة ثقافية، وذلك من خلال ما يزخر به وطننا العربي من مواقع ومعالم أثرية ذات صيت عالمي)أ.هـ.

وقد لامس كبد الحقيقة حينما قال:«ومع ذلك لا تزال السياحة الثقافية في أغلب الدول العربية سياحة هامشية لا تتناسب وتراثنا الحضاري الهائل ورصيدنا التاريخي العظيم»أ.هـ.

وهاهو يشفي غليل السائل حيث يقول:«وقد تم تعليل الرابط بين الثقافة السياحية والثقافة بأن من أهم خصائص الثقافة أنها تنتقل من جيل إلى جيل وشعب إلى شعب عن طريق التنشئة والتفاعل بين أفراد المجتمع والمثاقفة، وليست الثقافة مجموعة مكونات ثابتة وساكنة، جامدة ومطلقة ومنغلقة، وصالحة لكل زمان ومكان، بل هي تعابير وقيم متطورة باستمرار، وكل زمن هو مرحلة لا تستعيد نفسها بقدر ما تعيد صياغته القيم تعتبر إحدى الوسائل التي تمكن الشعوب من إبراز مكوناتها الحضارية والتعريف بها، وتقديم ثرواتها الثقافية الأثرية، القديمة منها والحديثة، بما يسهم في إعطاء صورة إيجابية عنها ويجعلها محط اهتمام الشعوب الأخرى» أ.هـ.

إن الدول العربية الميسورة منها ذات الحصص العالية في المنظمة حينما تمنح بيدها اليمنى، لا تريد أن تأخذ ما منحته باليد اليسرى، بل تريد أن يترجم هذا العطاء إلى إقامة مشاريع وأنشطة في الدول البسيطة غير الميسورة، تريد أن ترى الابتسامة والسعادة في هذه الدول؛ فنعجب كل العجب حينما نقوم بمشروع ونفعـّل نشاطا ونرصد له الجوائز، من مثل الهواتف الذكية في الدول الميسورة، المتقدمة- أصلا- تكنولوجيا؛ فأصبحنا كمن (يبيع الماء في حارة السقايين). كذلك علينا أن نحد من رصد الجوائز التي أثـّرت سلبا على مشاريعنا وأنشطتنا، ونترك رصدها للعواصم الثقافية العربية، وللشخصيات المرموقة، ويكون لهذا الجائزة شرف اسم المنظمة عليها.

سيدي معالي الأستاذ الدكتور المنجي بوسنينة، لقد كفيت ووفيت فأرجو أن تقبل من ابنك أو أخيك الصغير كلمة الوفاء هذه:

بكل الحب والوفاء أقدم للسيد المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم معالي الأستاذ الدكتور المنجي بوسنينة، باقة ورد ذكية على إسهاماته الرائعة في الارتقاء بمستوى المنظمة طيلة فترة إدارته لها من 2001 إلى 2008،حتى أصبح ابن بجدتها، وهذا الارتقاء لم يكن بالأمر الهين السهل، بل كانت بصمة معاليه واضحة جلية كوضوح الشمس في رابعة النهار، لقد ساهم معاليه في إذكاء جذوة هذا الارتقاء، وحقق التفاعل بين أقطار العالم العربي والإسلامي كخطوة نحو تحقيق الفائدة المرجوة لتعاضد الأخوة وتكاتفهم.

لقد نجح معاليه بكل المقاييس في خلق جو تربوي ثقافي علمي وتجانس فكري وأدبي بين دول العالم العربي والإسلامي، كما نجح في رفع الكفاءات وزيادة القدرات على فن المحاورة وعقلانية الجدل واحترام الآخر والتسامح بين الأديان من خلال احتكاك الدول ببعضها، وتعميق الصلة بينها تربويا وثقافيا وعلميا، سواء أكان بعقد المؤتمرات أم الندوات أم الاجتماعات أم إنشاء الورش وتبادل الخبراء.

كما نجح معاليه في تطبيق مبادئ العمل العربي المشترك، الذي من أبجدياته: الحرص على مكانة الدول الأعضاء والمحافظة على سمعتها، والسمو بأخلاق الموظف التونسي، الدراية التامة بقوانين المنظمات والمؤسسات والمعاهد والمراكز والعمل بلوائحها، الإشراف الشخصي التام على عمله والوقوف على كل صغيرة وكبيرة، والإطلاع عليها، عدم المساس بسيادة الدول أو التدخل بشؤونها الداخلية، كما عمل تحت مظلة قرارات جامعة الدول العربية واحترم أمانة مجلس الجامعة.

نسأل الله العلي القدير أن يجعل ما جادت به يد معاليه من عمل مخلص في ميزان أعماله، سدد الله خطاه وأثابه عنا خير الثواب والجزاء ووفقه الله دائما وأبدا..

سيدي الكريم: نستذكرك اليوم بعد أن فازت الكويت أخيرا بمنصب مدير عام المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، فوزا نظيفا ومستحقا بحصولها على ستة عشرا صوتا، لم تخترق دستورا، ولم تتجاوز مادة من النظام الأساسي، ولم تتجاهل النظام العام للمنظمات العربية المتخصصة، نستذكرك لأنك صديق الثقافة الكويتية أيضا، والداعم والمحب للشخصيات الكويتية العاملة والجادة والمبدعة، ونحن متفائلون بعهد جديد يعيد زمن العمالقة أمثالكم، ويعيد للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بريقها وعصرها الذهبي الذي فقدته مرغمة.

المصدر: كتاب ( ثقافة تونسية بقلم كويتي ) تأليف: د. فهد سالم خليل الراشد، مطبعة الخدمات العامة للطباعة والنشر، تونس 2014م. ( بتصرف ). الكتاب للإهداء وليس للبيع.

* كاتب وباحث لغوي كويتي

fahd61rashed@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي