مثقفون بلا حدود

التونسي المنجي بوسنينة... رائد العمل العربي المشترك (5 من 6)

No Image
تصغير
تكبير
ولم يفت الدكتور المنجي بوسنينة ما للمرأة العربية من دور فاعل في المجتمع، وتعتبر من الركائز في تقويم الأسرة والنهوض بالأجيال، وهي الدعامة الأساسية لبث روح العطاء والكفاح والعمل في بناء الشعوب، لقد لاقت المرأة في الإسلام اهتماما كبيرا، وتقديرا لا مثيل له في الأديان الأخرى، وعجبا ممن يدعون أن المرأة مضطهدة أو مسلوبة الإرادة في الدين الإسلامي، فهاتِ مجتمعاً إسلاميـًّا صحيحاً يضطهد المرأة. وخير دليل نستشهد به «قصة الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في قضية المهور معروفة، عندما تراجع في ضوء اعتراض امرأة كانت بين المصلين في المسجد على اجتهاد خاطئ، مرددا بأعلى صوت: (أصابت امرأة وأخطأ عمر)».

ونحن نريد أن ندون للتاريخ الذي نصنعه بأيدينا من خلال واقعنا؛ لنقول إن التونسي بوسنينة ومن خلال عملنا معه احترم المرأة العربية على وجه العموم والمرأة التونسية على وجه الخصوص، المرأة التونسية التي قدمها المنجي بوسنينة من خلال عملها في المنظمة نموذجا للمرأة العربية الفاعلة في المجتمع، المرأة الناشطة في المشهد الثقافي العربي، المرأة المدركة للبعد القومي العربي، فوقف وقفة جادة مناصرا للمرأة العربية ومنحها حقوقها المسلوبة من خلال مداخلة في ندوة «تمكين المرأة باعتبارها محفزا للتنمية الاقتصادية»، وضمنها كتابه (مدارات 2 - 2006) الذي ترجم إلى الفرنسية Fenêtres sur l’avenir- Tunis 2006) (أكد أن موضوع الاهتمام بالمرأة العربية في قوله:«لا يهم نصف المجتمع العربي فحسب؛ بل المجتمع العربي كله»، ويطرح علينا تحديات جساما بخصوص تمكين المرأة العربية من جملة حقوقها المشروعة... وفي مقدمتها الحقوق المتصلة بالتعليم والعمل، وبالمعرفة إجمالا)أ.هـ.

كما بحث بوسنينة في تدني المستوى التعليمي للمرأة العربية معتمدا على إحصائيات، وضاربا عديد الأمثلة من البلدان العربية وخلص إلى الآتي «وهذا التفاوت هو الذي يفسر، في نهاية الأمر، المعدلات المنخفضة بخصوص التنمية البشرية النسائية في المنطقة العربية عموما، رغم ما حققته وتحققه بعض الدول العربية من نتائج جيدة على مستوى تعليم الفتاة وتشغيل المرأة وإدراجها في الحياة المجتمعية، ضمن تطلع واضح إلى تحقيق مساواة أكبر بين الجنسين» أ.هـ.

وفي خط متساوٍ مع اهتمامه بالمرأة العربية نرى الدكتور المنجي بوسنينة يهتم بالطفل العربي...

وفي خضم التحديات التي تواجه هوية الطفل العربي المسلم، استطاع بوسنينة أن ينمي من قدرات الطفل ويذكي فيه روح الإبداع، ويركّز على اكتشاف هويته، ويلمس مدى تفاعل ذكائه وحسـّه من خلال الاهتمام بالسنوات الأولى للطفل حيث قال «من المعروف منذ القرن الماضي أن السنوات الأولى من حياة الطفل حاسمة في تشكيل الملامح الأساسية لشخصية الفرد وأهم مؤهلاته وقدراته، بحيث ترتسم خلال هذه المرحلة الخطوط الكبرى لما سيكون عليه الإنسان في المستقبل. ومما ذكرته الأدبيات النفسية والتربوية في هذا الصدد أن 50 في المئة من المكتسبات الذهنية المتوفرة للمراهق في السابعة عشرة من عمره تحصل في السنوات الأربع الأولى من عمره، وأن 30 في المئة منها تظهر فيما بين الرابعة والثامنة، وأن الـ 20 في المئة المتبقية تكتمل فيما بين الثامنة والسابعة عشرة. كما أكدت هذه الأدبيات أن تأثيرات البيئة والتربية المسداة من خلالها تبدو أكثر وضوحا في مراحل الطفولة المبكرة بحيث إنه عندما يدخل الطفل إلى السنة الأولى من التعليم الابتدائي تكون 33 في المئة من ملامح مردوده المدرسي قد رسمت بعد.

ومن خلال هذه المؤشرات تتأكد أولوية العناية، في بلداننا العربية، بهذه المرحلة العمرية وبالجوانب التربوية فيها، وخاصة من حيث المساعدة على النمو السليم للطفل على مستوى الذكاء واللغة والعاطفة والعلاقات الاجتماعية، بقطع النظر عن النمو الجسدي وما يستوجبه من رعاية صحية وعناية بالتغذية وظروف البيئة العامة المحيطة بالطفل» أ.هـ.

وبوسنينة في كتابه الجديد (رهانات القرن الجديد- 2006)، الذي ترجم إلى اللغة الفرنسية. Les enjeux dusiècle nouveau -Tunis- 2007 يجسد شخصية راقية معتدلة بعيدة كل البعد عن الغوغائية أو البرغماتية أو الفوقية أو النرجسية، شخصية بوسنينة هي شخصية لها كاريزما خاصة، فهي الشخصية الملهمة الساحرة التي تلفت انتباهك بمجرد ابتسامته لك، وتقاسيم وجهه الذي يرسم لك صورة الرضا، ويرشدك إلى طريق التسامح والحب، وبريق عينيه اللتين يشع فيها قدر التحنان والعطف والأبوة للآخرين، فهو الرجل الصافي الذي لا يحمل نقطة سوداء في قلبه، ولا يضمر الحقد والشر والضغينة لأحد، وليس من هواة تصفية الحسابات.

لقد أبدع بوسنينة في كتابه أيما إبداع، والمجال هنا لا يسع إلى تناول الموضوعات المهمة والمتعددة في هذا الكتاب، وآثرت أن أتناول موضوعا مهما جدا وهو «من حقوق الإنسان»، ولكن دعني أيها القارئ الكريم أن أنقل لك تصدير الكتاب حيث يتساءل الدكتور المنجي بوسنينة قائلا «(ما العمل ؟) ثم أردف قائلا «حتى يستطيع كلّ منا العيش في مرآة الآخر بعقلية انفتاح وتسامح ومن أجل اكتشاف عجائب وأسرار اختلافنا ؟ هذا هو السؤال» أ.هـ

ونعود مع بوسنينة في ما تناول «من حقوق الإنسان»، حيث قال: «ولأنّا نرى المعرفة تعد معيار الرقي الإنساني في الطور الحالي من تقدم البشرية، فإن اكتسابها يعد أحد الحقوق الإنسانية الأساسية، لكل البشر لمجرد كونهم بشر، وفي طليعة هؤلاء الشعب العربي من خليجه إلى محيطه»أ.هـ.

اليوم جاء تقرير اليونيسكو ليكشف لنا عن 264 مليون طفل وشاب خارج نطاق التعليم في عام 2015م، وهم في سن الدراسة، وجاء تقرير اليونسيف ليكشف لنا عن 1200 طفل في الغوطة يعانون سوء التغذية، وتناقلت وسائل الإعلام عبر الفضائيات عن ان أربعة ملايين طفل باليمن محرومون من التعليم، ناهيك عن أطفال فلسطين المعذبين تحت الآلة العسكرية الإسرائيلية الغبية. صلينا في القدس؟! نعم صلينا؛ وماذا بعد الصلاة؟! شجبنا... استنكرنا؛ ولكن هل استطعنا أن ننقذ أطفال فلسطين؟ أبدا. هل قمنا بالحد من بناء المستوطنات اليهودية؟ كلا. هل أوقفنا الحفريات تحت الأقصى الشريف؟ إطلاقا. كل الذي فعلناه: وضعنا القروش، في بضعة كروش، ليصفق لنا عالمكشوف.

* كاتب وباحث لغوي كويتي

fahd61rashed@hotmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي