مثقفون بلا حدود / التونسي المنجي بوسنينة... رائد العمل العربي المشترك (3)
إن ما يؤرق الدكتور التونسي المنجي بوسنينة شعوره بالفوارق الاجتماعية والطبقية والظلم والاستبداد، فقد أجمل ذلك كله قائلا: «ومجتمع السلام الذي نتطلع إليه جميعا لا يمكن كذلك أن يتأسس ويتشكل نسيجه بوجود تلك الفوارق المجحفة التي ما زالت تعمق الهوة السحيقة بين الأغنياء والفقراء، وبين الذين يملكون تكنولوجيا المعلومات والاتصال والذين لا يملكون أي شيء، بين الذين ينعمون برغد العيش والذين ينامون على الخصاصة ويصحون على التهميش.
فالتصدي لمعضلة الفقر والأمية وإشاعة ثقافة التضامن بين الأفراد والمجموعات والشعوب تبقى من الأسباب الحيوية لقيام عالم يسوده السلام، ولا بد من تعبئة شاملة من أجل تحريك أكثر للضمير الدولي، من خلال المنظمات العالمية والإقليمية، لإيجاد حلول تسهم في التقليص من هذه الفوارق المجحفة» أ.هـ، إنه الشعور بالآخر من موقع المسؤولية، إنه إحساس مرهف فالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم تضم في عضويتها اثنتين وعشرين دولة، يجب علينا التعامل معها وفق مسطرة واحدة والاهتمام بكل دولة كبيرة كانت أو صغيرة ذات حصة عالية وذات حصة قليلة وحتى الدول التي ليس بمقدورها أن تسهم بحصة لطالما هي عضو في المنظمة، حينما غادرت بلدي الحبيبة الكويت لتمثيلها في المنظمة عام 2007، قلت لجنسيتي انتظريني هنا في المطار حتى أعود فأنا الآن عربي أحمل اثنتين وعشرين جنسية، نعم: يجب علينا أن نلتفت إلى دول مثل اتحاد جزر القمر والصومال وجيبوتي وموريتانيا مثلما نلتفت للدول الكبيرة، وعلينا أن نفعـّل مشروعاتنا وأنشطتها بالتساوي في هذه الدول، وعلينا أن ننمي كوادرها العلمية ونشركها في عمل المنظمة.
إن مبادئ العمل العربي المشترك لا تفرق بين دولة وأخرى، لطالما الكل عضو في هذه المنظمة التي أنشئت من أجل رعاية مصالحهم التربوية والثقافية والعلمية، كنا نود أن نرى موظفا في المنظمة من جيبوتي والصومال وموريتانيا واتحاد جزر القمر، كنا نود أن نرى مراكز تربوية وثقافية وعلمية مفعـّلة في هذه الدول، كنا نود أن نرى لنا مندوبين في هذه الدول تنشـّط المشاهد الثقافية وحركة السياحة والتعرف على ثقافة الآخر من خلال عقد الندوات والاجتماعات والمؤتمرات فيها. إن مهمة المنظمة هي تصنيع الثقافة وليس التباهي بها، إن مهمة المنظمة هي إثراء الساحة العربية بالنتاج الأدبي والفكري والعلمي، وإبراز المشهد الثقافي العربي، وتغذية العقول بالعلم والمعرفة، وليس تغذية الكروش بالمطاعم والمقاهي.
أما فيما يخص التربية المدرسية؛ فلعل الدكتورالتونسي المنجي بوسنينة، قد لامس العلاج للتسامح مع الآخر حين ركز على التربية المدرسية تلك النواة المهمة التي يجب أن ننطلق منها وهاهو يقول «إن التربية المدرسية مدعوة، حسب اعتقادنا، إلى الإسهام بشكل متعدد في تجسيم هذه الأهداف. وينبغي، من أجل ذلك، تعزيز برامج العلوم الإنسانية من تاريخ وجغرافيا وتربية مدنية وأخلاقية وفلسفية وإصلاحها باستمرار، وذلك بمراجعة المناهج والكتب المدرسية لتستبعد منها الأفكار المسبقة والصور المحقرة للآخر والانزلاقات الناشئة عن الصراعات التاريخية. فلقد بات من الضروري مثلا إعادة كتابة بعض الفصول في كتب التاريخ المدرسية التي من شأنها إشعال فتيل الصراعات الدينية، كما بات من الضروري تجاوز التاريخ السردي إلى تفكير مقارن في تاريخ المجتمعات البشرية يفضي إلى معرفة أفضل لبعضنا البعض» أ.هـ.
إن الدكتور بوسنينة هنا يعوّل كثيرا على المناهج التربوية في صقل الطالب وتهذيبه سلوكيا وعلميا، وفي تجسيد مبدأ التسامح والتآخي وتقبل الآخر واحترام ثقافته، ونبذ الغلو، ورفض التطرف أو أي شكل من أشكال العنف، لأن الإسلام حث على التعاضد والتماسك والعفو، وكذلك في غرس المثل العربية الأصيلة في ذهن الطالب منذ الصغر مما تكبر فيه القيم الروحية التي تنعكس طبيعيا على سلوكه وتصرفاته.وعن مظاهر عجلة الزمن السريعة التي نعيشها يقول المنجي بوسنينة «ومن مظاهر التطوير التي يجب على الجامعة المعاصرة أن تحققها: الرقي بالحرفية لدى خريج الجامعة، وهي حرفية لم تعد تتحدد فقط بتحصيله على المعرفة التراكمية، بل تتحدد بقدرته على الإبداع، وهو ما يدعو إلى الارتقاء بعملية التأهيل الحرفي لمراعاة هذا الجانب، وذلك بتنمية القدرة على التخيل والاستعداد للنهوض المستمر بالمستوى المهني ضمن التغيرات السريعة والتطورات الطارئة» أ.هـ.
نعم يا سيدي الكريم؛ فتحت شعار «كنا أمة عبقرية» أقول: لا نريد أن نعزف ألحان ماضي الأمة العربية الإسلامية، ونستعرض إنجازاتها العظيمة تحت أنغام الفخر والاعتزاز بقدر ما نريد بصيص أمل من التفاؤل والعمل على تحريك المياه الراكدة، لا ضير بأن نقول لقد كنا وكنا؛ فهو حق مكفول لنا ولإنجازات أمتنا العربية والإسلامية، ولكن يجب علينا أن ندرك تماما بأن الغاية من ذكر الماضي إنما هي إمكانية أن نصنع شيئا في حاضرنا مثلما صنعنا أشياء في ماضينا، لنترك شيئا نذكر به في مستقبل هذه الأمة.
يقول: ألبرت R.S.Albert العبقرية تعريفا يقوم على أساس الإنتاج، فيقول إن العبقري هو شخص يقوم بالإنتاج عبر مدى طويل من الزمن لعدد كبير من الأعمال التي يكون لها تأثيرها الواضح والكبير على الآخرين لسنوات عديدة. وهنا يجب علينا أن نعي بأن موظف المنظمات العربية أو الدولية ليس بالموظف العادي، فمن سماته الإبداع والعبقرية حيث لا تحكمه بيروقراطية الإدارة، أوتحد من تفكيره قنوات إدارية مملة، موظف المنظمات مولد لفكرة أو هو (فكرة لبكرة)، يهبها للدول الأعضاء لكي تصبح مشروعا يسند له فريق عمل ويرصد له ميزانية، ويدخل آلية التنفيذ، لذا؛ من سمات موظف المنظمات الخبرة في مجال عمل الوزارات في دولته لا تقل عن 15 سنة، فنحن بحاجة إلى خلاصة هذه الفكرة وعصارة هذه الخبرة، ونحن بحاجة إلى تجربة هذا المبدع لكي نعممها على الدول الأعضاء للاستفادة منها، وبهذه الطريقة تنجح المنظمة في إيصال الخبرات وتجارب الدول في حقل التربية والثقافة والبحث العلمي بين الدول الأعضاء. وعليه يجب التوظيف عبر القنوات الرسمية المعمول بها، أما أن يكون التوظيف بالوراثة والمجاملات والصفقات والهدايا والتوصيات و«اطعم الفم تستحي العين»؛ فعلى منظماتنا السلام.
* كاتب وباحث لغوي كويتي
fahd61rashed@hotmail.com
فالتصدي لمعضلة الفقر والأمية وإشاعة ثقافة التضامن بين الأفراد والمجموعات والشعوب تبقى من الأسباب الحيوية لقيام عالم يسوده السلام، ولا بد من تعبئة شاملة من أجل تحريك أكثر للضمير الدولي، من خلال المنظمات العالمية والإقليمية، لإيجاد حلول تسهم في التقليص من هذه الفوارق المجحفة» أ.هـ، إنه الشعور بالآخر من موقع المسؤولية، إنه إحساس مرهف فالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم تضم في عضويتها اثنتين وعشرين دولة، يجب علينا التعامل معها وفق مسطرة واحدة والاهتمام بكل دولة كبيرة كانت أو صغيرة ذات حصة عالية وذات حصة قليلة وحتى الدول التي ليس بمقدورها أن تسهم بحصة لطالما هي عضو في المنظمة، حينما غادرت بلدي الحبيبة الكويت لتمثيلها في المنظمة عام 2007، قلت لجنسيتي انتظريني هنا في المطار حتى أعود فأنا الآن عربي أحمل اثنتين وعشرين جنسية، نعم: يجب علينا أن نلتفت إلى دول مثل اتحاد جزر القمر والصومال وجيبوتي وموريتانيا مثلما نلتفت للدول الكبيرة، وعلينا أن نفعـّل مشروعاتنا وأنشطتها بالتساوي في هذه الدول، وعلينا أن ننمي كوادرها العلمية ونشركها في عمل المنظمة.
إن مبادئ العمل العربي المشترك لا تفرق بين دولة وأخرى، لطالما الكل عضو في هذه المنظمة التي أنشئت من أجل رعاية مصالحهم التربوية والثقافية والعلمية، كنا نود أن نرى موظفا في المنظمة من جيبوتي والصومال وموريتانيا واتحاد جزر القمر، كنا نود أن نرى مراكز تربوية وثقافية وعلمية مفعـّلة في هذه الدول، كنا نود أن نرى لنا مندوبين في هذه الدول تنشـّط المشاهد الثقافية وحركة السياحة والتعرف على ثقافة الآخر من خلال عقد الندوات والاجتماعات والمؤتمرات فيها. إن مهمة المنظمة هي تصنيع الثقافة وليس التباهي بها، إن مهمة المنظمة هي إثراء الساحة العربية بالنتاج الأدبي والفكري والعلمي، وإبراز المشهد الثقافي العربي، وتغذية العقول بالعلم والمعرفة، وليس تغذية الكروش بالمطاعم والمقاهي.
أما فيما يخص التربية المدرسية؛ فلعل الدكتورالتونسي المنجي بوسنينة، قد لامس العلاج للتسامح مع الآخر حين ركز على التربية المدرسية تلك النواة المهمة التي يجب أن ننطلق منها وهاهو يقول «إن التربية المدرسية مدعوة، حسب اعتقادنا، إلى الإسهام بشكل متعدد في تجسيم هذه الأهداف. وينبغي، من أجل ذلك، تعزيز برامج العلوم الإنسانية من تاريخ وجغرافيا وتربية مدنية وأخلاقية وفلسفية وإصلاحها باستمرار، وذلك بمراجعة المناهج والكتب المدرسية لتستبعد منها الأفكار المسبقة والصور المحقرة للآخر والانزلاقات الناشئة عن الصراعات التاريخية. فلقد بات من الضروري مثلا إعادة كتابة بعض الفصول في كتب التاريخ المدرسية التي من شأنها إشعال فتيل الصراعات الدينية، كما بات من الضروري تجاوز التاريخ السردي إلى تفكير مقارن في تاريخ المجتمعات البشرية يفضي إلى معرفة أفضل لبعضنا البعض» أ.هـ.
إن الدكتور بوسنينة هنا يعوّل كثيرا على المناهج التربوية في صقل الطالب وتهذيبه سلوكيا وعلميا، وفي تجسيد مبدأ التسامح والتآخي وتقبل الآخر واحترام ثقافته، ونبذ الغلو، ورفض التطرف أو أي شكل من أشكال العنف، لأن الإسلام حث على التعاضد والتماسك والعفو، وكذلك في غرس المثل العربية الأصيلة في ذهن الطالب منذ الصغر مما تكبر فيه القيم الروحية التي تنعكس طبيعيا على سلوكه وتصرفاته.وعن مظاهر عجلة الزمن السريعة التي نعيشها يقول المنجي بوسنينة «ومن مظاهر التطوير التي يجب على الجامعة المعاصرة أن تحققها: الرقي بالحرفية لدى خريج الجامعة، وهي حرفية لم تعد تتحدد فقط بتحصيله على المعرفة التراكمية، بل تتحدد بقدرته على الإبداع، وهو ما يدعو إلى الارتقاء بعملية التأهيل الحرفي لمراعاة هذا الجانب، وذلك بتنمية القدرة على التخيل والاستعداد للنهوض المستمر بالمستوى المهني ضمن التغيرات السريعة والتطورات الطارئة» أ.هـ.
نعم يا سيدي الكريم؛ فتحت شعار «كنا أمة عبقرية» أقول: لا نريد أن نعزف ألحان ماضي الأمة العربية الإسلامية، ونستعرض إنجازاتها العظيمة تحت أنغام الفخر والاعتزاز بقدر ما نريد بصيص أمل من التفاؤل والعمل على تحريك المياه الراكدة، لا ضير بأن نقول لقد كنا وكنا؛ فهو حق مكفول لنا ولإنجازات أمتنا العربية والإسلامية، ولكن يجب علينا أن ندرك تماما بأن الغاية من ذكر الماضي إنما هي إمكانية أن نصنع شيئا في حاضرنا مثلما صنعنا أشياء في ماضينا، لنترك شيئا نذكر به في مستقبل هذه الأمة.
يقول: ألبرت R.S.Albert العبقرية تعريفا يقوم على أساس الإنتاج، فيقول إن العبقري هو شخص يقوم بالإنتاج عبر مدى طويل من الزمن لعدد كبير من الأعمال التي يكون لها تأثيرها الواضح والكبير على الآخرين لسنوات عديدة. وهنا يجب علينا أن نعي بأن موظف المنظمات العربية أو الدولية ليس بالموظف العادي، فمن سماته الإبداع والعبقرية حيث لا تحكمه بيروقراطية الإدارة، أوتحد من تفكيره قنوات إدارية مملة، موظف المنظمات مولد لفكرة أو هو (فكرة لبكرة)، يهبها للدول الأعضاء لكي تصبح مشروعا يسند له فريق عمل ويرصد له ميزانية، ويدخل آلية التنفيذ، لذا؛ من سمات موظف المنظمات الخبرة في مجال عمل الوزارات في دولته لا تقل عن 15 سنة، فنحن بحاجة إلى خلاصة هذه الفكرة وعصارة هذه الخبرة، ونحن بحاجة إلى تجربة هذا المبدع لكي نعممها على الدول الأعضاء للاستفادة منها، وبهذه الطريقة تنجح المنظمة في إيصال الخبرات وتجارب الدول في حقل التربية والثقافة والبحث العلمي بين الدول الأعضاء. وعليه يجب التوظيف عبر القنوات الرسمية المعمول بها، أما أن يكون التوظيف بالوراثة والمجاملات والصفقات والهدايا والتوصيات و«اطعم الفم تستحي العين»؛ فعلى منظماتنا السلام.
* كاتب وباحث لغوي كويتي
fahd61rashed@hotmail.com