حِراكٌ شيعي وآخَر عابِر للطوائف في مواجهة قبْضة «حزب الله»
نُخَبٌ في بيروت تُلاعِب... التنين
كان يوماً ماراثونياً صاخباً في فندق «مونرو» القريب من حافةِ البحر ومن وسط العاصمة وقلْبها المصاب بـ«الخواء»... في يومٍ واحدٍ، وفي القاعة عيْنها حدثان بِهَمٍّ واحدٍ وبالهواجس عيْنها.
قبل الظهر، جاءتْ شخصياتٌ شيعية من كل حدب وصوب، من اليسار ومن اليمين وبيْن بيْن، ألقتْ باعتراضها وأحلامها على الطاولة، صاغتْ نداءً من أجل «الدولة والمواطَنة» و... مشتْ.
بعد الظهر، جاءتْ شخصياتٌ من بيئاتٍ إسلامية ومسيحية قلّبتْ المَواجع عيْنها وكذلك الآمال، واستعجلتْ صوغ بيانِها الأول بلغة جريئة، إيذاناً بإطلاق «المبادرة الوطنية»، ثم... مشتْ.
قبل الظهر وبعده في «مونرو»، الذي انضمّ الى سلسلة «الفنادق السياسية» بعد «البريستول» و«لوغبريال»، قضيةٌ واحدة تَردّد صداها في أسئلةٍ حائرة طُرحت على مدار اليوم ويطرحونها كلَّ يوم: «كيف السبيل لرفْع سطوة حزب الله وتالياً الوصاية الإيرانية عن الجماعة الشيعية أولاً وعن البلاد ايضاً»؟ و«الى متى تستمرّ التسوية السياسية ملاذاً لتَعاظُم تلك السطوة والوصاية»؟
وبين «لولا فسحة الأمل»، الانطباعُ المأخوذ من عنوان إحدى مسرحيات زيار الرحباني، و«إيه في أمل»، الاستنتاجُ المنقول عن عنوان إحدى أغنيات فيروز، دارتْ مناقشاتٌ وألقيت مداخلاتٌ وجرتْ حواراتٌ وقيل الكثير من الكلام في اللقاءين اللذين فَصلتْ بينهما استراحةٌ في قاعةٍ لم تُبَدِّل ديكورها وكانت الوجوه السياسية فيها متشابهة.
لم يكن اختيار «مونرو» عَبَثياً. لا علاقة للأمر بمارلين مونرو بطبيعة الحال... فاللقاءان يصحّ فيهما «مبدأ مونرو»، الرئيس الأميركي القديم جداً (جيمس مونرو 1816)، الداعي الى «الحياد وعدم تَدخُّل الدول في شؤون دولٍ أخرى». فالمنظّمون ربما اختاروا المكان في وسط بيروت لـ «حياديّته» وانفتاحه على الجهات الأربع، وربما لأنه على مرمى العيْن من مسرح جريمة اغتيال رفيق الحريري، الجريمة الأضخم في مسارٍ مأسوي طويلٍ من القتْل السياسي المنظّم.
ورغم الخصوصية الشيعية لنداء «من اجل الدولة والمواطَنة» وتلك العابرة للطوائف التي تحرص عليها حركة «المبادرة الوطنية»، فإن خيْطاً واحداً يجمع الديناميتيْن في التوقيت المتّصل بالانتخابات النيابية - المحتمَلة - في مايو 2018 كفرصةٍ للتغيير، وفي الموقفِ المناهض لـ«تمادي حزب الله في الهيْمنة على الدولة»، إضافة إلى«انصياع الأطراف المشارِكة في التسوية السياسية لإرادة الحزب الحاسمة في تحديد الخيارات الوطنية».
هذا النبضُ الجديد الآتي من حَرَكِية تَراكُمية يجعل بدهياً السؤال عن حظوظِ دينامياتٍ من هذا النوع في تعديل المشهد السياسي - الذي يستحيل تغييره بطبيعة الحال - في ظل اعتقادٍ راسِخٍ بأن الحدّ من قبضة الحزب على الحياة السياسية يشكّل مدخلاً لا بدّ منه للتقدم نحو الدولة المدنيّة القائمة على المواطَنة.
وبكلامٍ أكثر بساطة وأشدّ تعبيراً عن المعادلة الصعبة، يُطرح سؤال كيف يمكن لشيعة مستقلّين من نخب، ومهما كانتْ رمزيّتُها الاجتماعية والسياسية والفكرية، مقارعة الحزب الذي صار معه الشيعة «طائفة خائفة ومخيفة» بعدما عَسْكَرَهُم وجَعَلَهُم جيشاً عابراً للحدود يقاتل في ساحات المنطقة وصحاريها، متباهياً بأنه لاعبٌ إقليمي في مصاف الدول؟
قبل عامين، يوم اعتبر الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله أنه يخوض «صراعاً وجودياً» شبيهاً بما توحي به أجواء اليوم، أطلق كلاماً ينطوي على ما يُضْمِرُه الحزب للنخب المعارِضة له حين وصفهم بـ «شيعة السفارة» (الأميركية) وأنهم «خونة وعملاء وأغبياء»، وهو الذي لم يتعوّد أن يُلقي الكلام جزافاً في إطلالاته على جمهوره ومحازبيه.
ولم يكن عابراً تلويح نصرالله في إحدى إطلالاته الأخيرة بفائض القوة وبانتصارِ المحور وقطْع الأيادي وربْط ديمومة الاستقرار بانضباط التسوية، وتالياً فإن الحِراك الذي أطل من «مونرو» ومن ساحات الاعتراض الأخرى يوحي وكأنه يُلاعِب... التنين.
وثمة مَن يعتقد انه رغم «الهالة الأسطورية» التي يراد ترويجها عن الحزب، فإن التململ يتزايد في البيئة الشيعية التي تدفع أثماناً موجِعة لخياراتِ الحزب الذي وضعها في مواجهةٍ ظالمة مع الآخرين في لبنان والعالم العربي، وتالياً فإن هذا التململ مِن جعْل الشيعة اللبنانيين مجرّد «حطبٍ» في المشروع الايراني آخذٌ في الانفلاش كبقعة الزيت، وليس أدلّ على ذلك من نتائج الانتخابات البلدية العام 2016 التي أَظْهَرَتْ تَدَحْرُجَ كرة الاعتراض وتَوَسُّعِها.
من هنا فإن الشخصيات الشيعية المستقلّة التي تحلّقت حول «النداء»، ترى ان الانتخابات النيابية بعد نحو سبعة أشهر من الآن تشكّل فرصةً مفصلية في ضوء قانون الانتخاب الجديد القائم على النسبية لكسْر احتكار تمثيل ثنائية «حزب الله» وحركة «أمل» للشيعة في البرلمان، على النحو الذي يَجعل في الإمكان اكتمال النصاب الوطني لأيّ معارضةٍ جامِعة.
هذا الرهان يصبح مفهوماً في ملاقاةِ حراكٍ مُماثِلٍ في الاتجاه عيْنه تعبّر عنه حركة «المبادرة الوطنية» التي يتصدّرها فارس سعيْد ورضوان السيّد وتهدف الى تجسير حالة سياسية - شعبية، إسلامية - مسيحية، مناهِضة لـ «هيْمنة حزب الله» وخياراته، وتجد في التسوية السياسية استسلاماً لمشيئته بعدما فقدتْ القوى المشارِكة فيها (تيار المستقبل والقوات اللبنانية) قدرتَها على التأثير في مجريات الأحداث لأسباب شتى.
فالحركة التي تتحضّر لعقْد مؤتمرٍ عام يُتوَّج بالإعلان عن آلياتِ عملها، تَمضي قدماً هي الآخرى وعيْنها على الانتخابات النيابية التي يراد من خلالها احتفاظ القوى السيادية بـ «الشرعية الدستورية»، أقلّه لحفْظ التوازن الهشّ في البلاد، وتفويت الفرصة على «حزب الله» وحرمانه من الإمساك بالبرلمان بعدما أَمْسَك وبقوّة الأمر الواقع بالرئاسة الأولى ويَقْبض على «الإمرة الاستراتيجية».
قبل الظهر، جاءتْ شخصياتٌ شيعية من كل حدب وصوب، من اليسار ومن اليمين وبيْن بيْن، ألقتْ باعتراضها وأحلامها على الطاولة، صاغتْ نداءً من أجل «الدولة والمواطَنة» و... مشتْ.
بعد الظهر، جاءتْ شخصياتٌ من بيئاتٍ إسلامية ومسيحية قلّبتْ المَواجع عيْنها وكذلك الآمال، واستعجلتْ صوغ بيانِها الأول بلغة جريئة، إيذاناً بإطلاق «المبادرة الوطنية»، ثم... مشتْ.
قبل الظهر وبعده في «مونرو»، الذي انضمّ الى سلسلة «الفنادق السياسية» بعد «البريستول» و«لوغبريال»، قضيةٌ واحدة تَردّد صداها في أسئلةٍ حائرة طُرحت على مدار اليوم ويطرحونها كلَّ يوم: «كيف السبيل لرفْع سطوة حزب الله وتالياً الوصاية الإيرانية عن الجماعة الشيعية أولاً وعن البلاد ايضاً»؟ و«الى متى تستمرّ التسوية السياسية ملاذاً لتَعاظُم تلك السطوة والوصاية»؟
وبين «لولا فسحة الأمل»، الانطباعُ المأخوذ من عنوان إحدى مسرحيات زيار الرحباني، و«إيه في أمل»، الاستنتاجُ المنقول عن عنوان إحدى أغنيات فيروز، دارتْ مناقشاتٌ وألقيت مداخلاتٌ وجرتْ حواراتٌ وقيل الكثير من الكلام في اللقاءين اللذين فَصلتْ بينهما استراحةٌ في قاعةٍ لم تُبَدِّل ديكورها وكانت الوجوه السياسية فيها متشابهة.
لم يكن اختيار «مونرو» عَبَثياً. لا علاقة للأمر بمارلين مونرو بطبيعة الحال... فاللقاءان يصحّ فيهما «مبدأ مونرو»، الرئيس الأميركي القديم جداً (جيمس مونرو 1816)، الداعي الى «الحياد وعدم تَدخُّل الدول في شؤون دولٍ أخرى». فالمنظّمون ربما اختاروا المكان في وسط بيروت لـ «حياديّته» وانفتاحه على الجهات الأربع، وربما لأنه على مرمى العيْن من مسرح جريمة اغتيال رفيق الحريري، الجريمة الأضخم في مسارٍ مأسوي طويلٍ من القتْل السياسي المنظّم.
ورغم الخصوصية الشيعية لنداء «من اجل الدولة والمواطَنة» وتلك العابرة للطوائف التي تحرص عليها حركة «المبادرة الوطنية»، فإن خيْطاً واحداً يجمع الديناميتيْن في التوقيت المتّصل بالانتخابات النيابية - المحتمَلة - في مايو 2018 كفرصةٍ للتغيير، وفي الموقفِ المناهض لـ«تمادي حزب الله في الهيْمنة على الدولة»، إضافة إلى«انصياع الأطراف المشارِكة في التسوية السياسية لإرادة الحزب الحاسمة في تحديد الخيارات الوطنية».
هذا النبضُ الجديد الآتي من حَرَكِية تَراكُمية يجعل بدهياً السؤال عن حظوظِ دينامياتٍ من هذا النوع في تعديل المشهد السياسي - الذي يستحيل تغييره بطبيعة الحال - في ظل اعتقادٍ راسِخٍ بأن الحدّ من قبضة الحزب على الحياة السياسية يشكّل مدخلاً لا بدّ منه للتقدم نحو الدولة المدنيّة القائمة على المواطَنة.
وبكلامٍ أكثر بساطة وأشدّ تعبيراً عن المعادلة الصعبة، يُطرح سؤال كيف يمكن لشيعة مستقلّين من نخب، ومهما كانتْ رمزيّتُها الاجتماعية والسياسية والفكرية، مقارعة الحزب الذي صار معه الشيعة «طائفة خائفة ومخيفة» بعدما عَسْكَرَهُم وجَعَلَهُم جيشاً عابراً للحدود يقاتل في ساحات المنطقة وصحاريها، متباهياً بأنه لاعبٌ إقليمي في مصاف الدول؟
قبل عامين، يوم اعتبر الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله أنه يخوض «صراعاً وجودياً» شبيهاً بما توحي به أجواء اليوم، أطلق كلاماً ينطوي على ما يُضْمِرُه الحزب للنخب المعارِضة له حين وصفهم بـ «شيعة السفارة» (الأميركية) وأنهم «خونة وعملاء وأغبياء»، وهو الذي لم يتعوّد أن يُلقي الكلام جزافاً في إطلالاته على جمهوره ومحازبيه.
ولم يكن عابراً تلويح نصرالله في إحدى إطلالاته الأخيرة بفائض القوة وبانتصارِ المحور وقطْع الأيادي وربْط ديمومة الاستقرار بانضباط التسوية، وتالياً فإن الحِراك الذي أطل من «مونرو» ومن ساحات الاعتراض الأخرى يوحي وكأنه يُلاعِب... التنين.
وثمة مَن يعتقد انه رغم «الهالة الأسطورية» التي يراد ترويجها عن الحزب، فإن التململ يتزايد في البيئة الشيعية التي تدفع أثماناً موجِعة لخياراتِ الحزب الذي وضعها في مواجهةٍ ظالمة مع الآخرين في لبنان والعالم العربي، وتالياً فإن هذا التململ مِن جعْل الشيعة اللبنانيين مجرّد «حطبٍ» في المشروع الايراني آخذٌ في الانفلاش كبقعة الزيت، وليس أدلّ على ذلك من نتائج الانتخابات البلدية العام 2016 التي أَظْهَرَتْ تَدَحْرُجَ كرة الاعتراض وتَوَسُّعِها.
من هنا فإن الشخصيات الشيعية المستقلّة التي تحلّقت حول «النداء»، ترى ان الانتخابات النيابية بعد نحو سبعة أشهر من الآن تشكّل فرصةً مفصلية في ضوء قانون الانتخاب الجديد القائم على النسبية لكسْر احتكار تمثيل ثنائية «حزب الله» وحركة «أمل» للشيعة في البرلمان، على النحو الذي يَجعل في الإمكان اكتمال النصاب الوطني لأيّ معارضةٍ جامِعة.
هذا الرهان يصبح مفهوماً في ملاقاةِ حراكٍ مُماثِلٍ في الاتجاه عيْنه تعبّر عنه حركة «المبادرة الوطنية» التي يتصدّرها فارس سعيْد ورضوان السيّد وتهدف الى تجسير حالة سياسية - شعبية، إسلامية - مسيحية، مناهِضة لـ «هيْمنة حزب الله» وخياراته، وتجد في التسوية السياسية استسلاماً لمشيئته بعدما فقدتْ القوى المشارِكة فيها (تيار المستقبل والقوات اللبنانية) قدرتَها على التأثير في مجريات الأحداث لأسباب شتى.
فالحركة التي تتحضّر لعقْد مؤتمرٍ عام يُتوَّج بالإعلان عن آلياتِ عملها، تَمضي قدماً هي الآخرى وعيْنها على الانتخابات النيابية التي يراد من خلالها احتفاظ القوى السيادية بـ «الشرعية الدستورية»، أقلّه لحفْظ التوازن الهشّ في البلاد، وتفويت الفرصة على «حزب الله» وحرمانه من الإمساك بالبرلمان بعدما أَمْسَك وبقوّة الأمر الواقع بالرئاسة الأولى ويَقْبض على «الإمرة الاستراتيجية».